وعادوا أبطالا

في المجوقل صرخة واحدة
إعداد: الهام نصر تابت

وعدنا البقاء على مستوى شهادة الرفاق

في جنبات الثكنة عسكريو المجوقل يزرعون الأرجاء حيوية ونشاطاً، نشاهد مجموعة تتدرب على الهبوط بالحبال, يهتف رتيب معرفاً باسمه وقطعته معلناً استعداده الدائم للدفاع عن لبنان ورفع رايته عالياً. يجيبه الرفاق بعبارات وهتافات خاصة بهم.
وإذ ينهي جولته، يتقدم من رئيسه
طالباً الإذن بالمغادرة:
«أنا مأذون سيدي، يجب أن أذهب الى البيت، يمازحه أحد الرفاق: لا أحد يغادر الثكنة، يرد ممازحاً بدوره، يجب أن ننجب أولاداً ليزيد عدد العسكر. جهزوا بندقية لابني..
أنا من عكار...». يربت الرائد على كتف الرقيب و«يطلق سراحه»: «الله معك يا قبضاي».

 

استئناف التدريبات
مجموعة أخرى تهبط بالحبال: إنه تمرين إخلاء جريح من مبنى مرتفع كما يوضح لنا الرائد المدرب.

 

• وهل ارتاح العسكريون ليبدأوا تدريباتهم؟
- فور عودتنا عملنا على إراحة الشباب، الآن التحق عديد الفوج بمجمله تقريباً. تبقى حالات الإصابة البالغة. لقد بدأنا مرحلة إعادة التنظيم وهي تقتضي استئناف التدريبات لنحافظ على الجهوزية الدائمة. انتهت المعركة لكننا يجب أن نكون جاهزين، الحرب على الإرهاب لا تنتهي بمعركة واحدة.
يؤكد كلام الرائد نقيب، نعلم أنه أصيب بينما كانت سريته تهاجم على محور الأونروا، أصيب في يده وفي رجله، في مقياسه كانت الإصابة طفيفة، تلقى الاسعافات وتابع عمله. لكن إشارات رفاق آخرين، تقول شيئاً آخر.
بينما يتابع عسكريون تدريباتهم على «قطع الحواجز» أو «جولة الثقة» التي صممها المقدم المغوار الشهيد ابراهيم سلوم والمعاون الشهيد سعادة مخلوف، تعلو هتافاتهم مؤكدة الوفاء لدم المقدم والمعاون وسواهما من شهداء الفوج. «وعدنا أن نكون دائماً على مستوى تضحياتكم». 

 

لماذا يسمونك بطلاً؟!
نقترب من ملازم أول من السرية المجوقلة الأولى نحييه ونكتشف فوراً من لهجته أنه بقاعي. أنا من أبلح يقول. يشير الينا ضابط آخر «هذا بطل» نمازحه، لماذا يسمونك بطلاً؟ يبتسم ويقول:
هم يقولون ذلك، أنا قمت بواجبي كما الجميع، ومن ثم يخبرنا: حوصرت حضيرة في مبنى في أول المخيم القديم وأمام الأونروا. لم نستطع إعادتها، فالإرهابيون أمسكوا بطريق العودة وبمدخل المبنى بواسطة رصاص القنص.
كان الخطر أكيداً لكن لا يمكن أن نترك رفاقنا، زحفت أنا ورقيب أول، لم يكن ثمة ساتر ترابي أو سواه لحمايتنا، تابعنا الزحف، أطبقنا على القناص وقتلناه، وأنقذنا الرفاق.

 

• كيف تنظر الى هذه المعركة؟
- محطة تاريخية في مسيرة الجيش، نحن جيش نظامي نلتزم المعاهدات والقوانين الدولية، لا نستعمل العنف المقصود ضد المدنيين. نتمسك بالانضباط، هم إرهابيون ومحترفون، خلال المعركة طبقنا القليل مما تعلمناه، كل شيء كان جديداً ويستلزم أن نجد طرقاً لمواجهته.

 

• ما كانت ردة فعلكم عندما علمتم أن الأمر انتهى؟
- الشعور بالنصر شيء عظيم لا يوصف. هنأنا بعضنا بالنصر والسلامة، ترحمنا على الشهداء، بعد ذلك اتصلت بزوجتي أهديت النصر اليها والى الجنين الذي كانت حاملاً به وخسرته لفرط ما عانت من الخوف والقلق بسبب وجودي في المعركة.

 

هكذا نردّ الاعتبار لدماء لشهداء
ملازمان يتمشيان سوياً في الساحة، العقيد نادر يشير اليهما، هذان الملازمان من خيرة شبابنا. الأول كان في اللواء الحادي عشر التحق بالمجوقل ليشارك في المعركة. والثاني من اللواء الأول ايضاً التحق بالمعركة. نسأله عنهما فيخبرنا: أحد الملازمين وحيد، اتصلت والدته وطلبت إبعاده عن الجبهة، واجهته بالأمر فأنكر أنه وحيد، قال: «سيدي شو بدك بإمي أنا عندي أخوة... إذا أبعدتموني سأهرب من الجيش».
نقترب من الملازم نحييه ونسأله ما الذي أتى به الى المعركة وجعله «يعذب» أمه على هذا النحو؟ يقول: استشهد رفاقي، الشهيد أبو غزالة كان رفيقي، لم يكن عادلاً بالنسبة اليّ أن أظل بعيداً... الحمد لله حققنا النصر في معركة صعبة جداً ومكلفة جداً. في الحرب ثمة ضريبة دم يجب أن تدفع، لكننا نجحنا، رددنا الاعتبار لدماء شهدائنا والجرحى.
ننتقل الى زميله نجد قصة مشابهة مع فارق. هذه المرة، الأّم هي من حاول «الخداع» لإبعاد إبنها عن المعركة فتولى الأخير كشفها... اتصلت الأم بقائد الفوج وقالت له: «دخيلك ابني وحيد ما إلي غيرو» وعدها خيراً. لكنه عندما واجه الملازم قال له الأخير: «سيدي أمي قلقة لكن ما دخلي أنا، كل الشباب عندهم أمهات وأهل. أريد أن أتابع المعركة مع رفاقي حتى آخر لحظة. في أي حال أنا لست وحيداً».
نسأل الملازم: التحقت بقطعة لا تعرفها في عز المعركة, كيف كان الأمر؟
يجيب: قدمت طلب التحاق بالمعركة منذ بدايتها, لم تأتِ الموافقة إلا بعد أن لاحقت الطلب وكان ذلك في 21 آب، عملية الغدر برفاقي العسكريين أصابتني بصدمة لم أعد أطيق الخدمة في مكان آخر.
عندما التحقت كان كل شيء جديداً بالنسبة اليّ. في الدقائق الخمس الأولى شعرت بالرهبة. شيئاً فشيئاً تأقلمت مع الأجواء. وبعد يومين كنت أقاتل مثل رفاقي في الفوج. الآن أشعر أنني أرحت ضميري، رفاقي الذين غدر بهم أخذوا حقهم، ولبنان اجتاز «قطوعاً» خطيراً كان الإرهابيون يخططون له.

 

نصر عزيز على قلوبنا
نشكر الملازم وننتقل الى رتباء وأفراد في سرايا الفوج. في السرية الأولى نلتقي ثلاثة فرسان: رقيب أول من الجنوب، آخر من عكار ورقيب من إقليم الخروب.
الرقيب الأول تطوع في المجوقل منذ نحو 8 سنوات، «هذه القطعة تعني لي الكثير». يقول، «إنها من الوحدات التي تتميز بالقتال الخاص وبعناصر يعرفون كيف يتعاملون مع الأرض والسلاح». لو لم أكن في المجوقل لالتحقت به الآن وأمضيت فيه بقية أيام خدمتي».
عائلتي في الجنوب، في المرحلة الأولى أمضيت 22 يوماً من دون أن أراهم. الحمد لله انتصرنا، انتصر الجيش وانتصر لبنان. وهذا الانتصار عزيز جداً على قلوبنا، لأنه مكلل بدماء عشرات الشهداء الأطهار.
رفيقه, حين نسأل عن الصعوبات التي واجهتهم، ينفي وجودها.
كان أمامنا هدف كبير: النصر حفاظاً على كيان الوطن، من يأبه لصعوبات؟ استشهد لنا رفاق كل واحد منهم بمنزلة أخ، دماؤهم أعطتنا الدفع والقوة. كلما استشهد رفيق نتقدم أكثر إكراماً لدمه.

 

• هل عانيتم نقصاً في المستلزمات من طعام وحاجيات بسبب وجودكم في الجبهة؟
- كل شيء كان «يلحقنا»، لكن من كان يسأل، أحياناً كنا ننسى أن ثمة شيئاً اسمه طعام أو راحة...
أما الرقيب فيقول: أساساً كنت في اللواء السابع عندما بدأت المعركة أردت الالتحاق لم يستجب طلبي، هربت والتحقت بالمجوقل.
رفاقي في المعركة وأنا على حاجز؟ أمر لم أتقبله...
الرقيب يتحدث بتأثر عن رفيق له مجند استشهد قرب الاونروا من جهة البحر، كنا في حضيرة الدهم، أصابه قناص لعين.

 

بالرغم من الاصابة... بل الاصابات
في السرية الثانية نلتقي رقيباً من عكار، المنطقة التي تحملت العبء الأكبر من الشهادة. الرقيب كان في المعركة منذ البداية لكن إصابته بالفيروس في الأيام الأخيرة حرمته معاينة فرح اللقاء حين انتهت المعركة. «كنت أنتظر لحظة النصر منذ اليوم الأول، استشهد 6 من رفاقي في السرية. حزنت لكنني افتخر بهم، كانوا أبطالاً، استشهدوا في ساحة الشرف وافتدوا وطنهم وأهله».
من السرية نفسها نلتقي جندياً أصيب خلال المعركة خمس مرات تضاف اليها إصابة بالفيروس، «في كل كرة كنت أعالج وأعود باندفاع أكبر، لم أطق الابتعاد عن أرض المعركة. لي شقيقان في الجيش، أهلي كانوا قلقين أكيد لكنهم لم يؤثروا بشكل سلبي على معنوياتي. سقط من أبناء بلدتي شهيدان أحدهما من المجوقل. أنا فخور لأنني قمت بواجبي تجاه وطني».
رفيقه جندي من الهرمل، يضيف الى كلام الأول: «مهما قدمنا لهذه المؤسسة ولهذا الوطن، يبقى ما قدمناه جزءاً من الواجب». نلاحظ في عنقه أثر إصابة نسأله فيقول: أصبت ثلاث مرات. الجندي يعتبر أنه «يجب أن نجهز أنفسنا جيداً للقضاء على كل مخل بالأمن ومعتد على الوطن».

أُبعِدَ وعاد مرة، اثنتين وثلاثاً...
بوصولنا الى السرية الثالثة التقنيا معاوناً أول، في وجهه عاينا الفخر يتعالى على حزن يحاول المكوث في الأعماق. إذ نتعرف الى اسمه، ندرك أنه الشخص الذي روى لنا ضباط قصته: إنه واحد من أبناء عكار. استشهد في المعركة شقيقه وابن عمه (كلاهما من اللواء الخامس). متزوج وله ثلاثة أولاد. صدر أمر من القيادة بإبعاده عن الجبهة، أُبعد لكنه عاد، وأبعد مجدداً وعاد. نشعر بكثير من الاحترام حيال شجاعة هذا المعاون وحزنه. نكتفي بسؤال مختصر، لماذا؟
يجيب: «بعد استشهاد أخي قال أهلي لا نريد أن نخسر إبناً ثانياً. هذا حقهم، أما أنا فكان لي موقف آخر، المأذونية التي أعطيت لي إثر استشهاد شقيقي لم أستطع إكمالها، عدت.
لحم أكتافي من خيرات هذه المؤسسة، وروحي فداء لبنان.
شعرت بمزيج من الغضب العارم والاندفاع الذي لا يوقفه شيء. لم أعد أتحمل الابتعاد لحظة عن الرفاق. دم أخي ودم سائر الشهداء كان يناديني. خلال المعركة لم أشاهد عائلتي إلا ثلاث مرات، لم يكن بمقدوري أن أفعل إلا ما فعلته».
قصة؟ هذا ما حصل.

 

معركة لبنان وكرامتنا كعسكر
رقيب أول من السرية نفسها ومن كبرى بلدات عكار. يخطر ببالنا، ربما كان أبناء هذه المنطقة معنيين أكثر من سواهم بالمعركة... منطقتهم الخزان الذي يرفد الجيش بالرجال، والمعركة في الشمال، نسأله عن الموضوع فيجيب:
المعركة معركتنا، معركة الجيش كله، معركة لبنان، لو جرى الأمر نفسه في الجنوب، أو أي منطقة أخرى لقاتلت بالاندفاع نفسه والشعور نفسه. لقد وقع الاعتداء على الجيش، الأمر يتعلق بكرامتنا كعسكر».
هذا الانتصار رفع رأسنا، أردنا أن نكمل حتى النهاية وهذا ما حصل.

 

الإرهابي الكبير في الثكنة!
جندي أسمر يكشف كم أن عودته الى الثكنة مشوبة بالحزن، الحزن على رفاق لم يعودوا مع العائدين. «في المعركة نشعر بوطأة خسارة الشهيد لكن كل مشاعرنا وحواسنا تكون مركزة على متابعة القتال وهزم الأعداء. في الثكنة يكبر الشعور بوقع خسارة الرفاق». نسأله إن كان قد أصيب هو الآخر، يجيب: أصبت مرتين، عولجت مرة ميدانياً ومرة في المستشفى، عقلي وقلبي كانا مع الرفاق. عند هذا الحد يتدخل رفاقه في الحديث. يقول أحدهم: «هذا شاكر العبسي. كان يرتدي عباءة ويقلده بالصوت والشكل».

 

• وهل كان ثمة متسع من الوقت لديكم؟
- كنا بحاجة الى فسحة من الضحك، كان ذلك يخفف عنا الضغط ويعطينا مزيداً من النشاط.

 

أريد أن أتطوع
ويطل مجند يقولون أنه من ببنين. كم من الشهداء الذين قدمتهم بلدتك نسأله، يجيب: 11 شهيداً.

 

• أنت مجند مددت خدماته ماذا ستفعل بعد اليوم؟
أريد أن أتطوع وأكون جندياً في هذا الفوج الذي أحبه.

 

• ألم تشعر بالخوف؟
بدأنا المعركة بمعنويات عالية، واجهتنا صعوبات تخطيناها، كنا متأكدين أننا سننتصر من أجل الوطن ومن أجل الشهداء.

 

متى تعود يا بابا؟
إبن شبعا عريف ناداه الواجب في الشمال فلبى  النداء. متزوج وله إبنة عمرها ثلاث سنوات.
«كانت تكلمني بالهاتف وتسألني متى تعود يا بابا؟ أحياناً كثيرة كنت أقفل الخط، في المعركة أمر واحد أمامنا: القضاء على العدو وتنفيذ المهمة. الأمور الأخرى تأتي لاحقاً».
«من أجلهم تابعنا».
غير بعيد عنه نلتقي جندياً من السرية نفسها  (الرابعة) استشهد العديد من رفاقه «أربعة من رفاقي سقطوا أمامي» يقول، «كانوا معي، فجأة يسقطون»... هذا الجندي كان يرفض الخروج من الجبهة، أتت خطيبته من خارج لبنان. لم يرها إلا نادراً. في آخر أيام المعركة أصيب بالفيروس لكنه عاد وعاين فرحة الانتصار. «الانتصار يعوض خسارة الرفاق، لقد تابعنا من أجلهم، الخطر كان موجوداً في كل لحظة وكل مكان. كمائن، إنفجارات، قنص... أكثر ما أذكره أننا حوصرنا أنا وثلاثة من رفاقي في مبنى الأونروا. كانوا يرموننا برصاص القنص، اشتبكنا معهم 4 ساعات. قبل أن نتمكن من الخروج بتغطية من الرفاق».

 

أربعة أخوة في جبهة واحدة
مجنّـد من عكار قريب المجند علي الوهم الذي روى لنا قائد الفوج قصته، يشعر أن تأثره لفقـدان إبـن عمه مسـاوٍ لفقدان الرفاق الآخرين.
«كلهم شهداء كنا نمضي من الأوقات معاً أكثر مما نمضيه مع أهلنا، أفتقدهم كثيراً، لكنني أشعر أنني أصبحت أقوى. وأنا جاهز لأداء واجبي في أي وقت ومكان».

 

• هل كان لك أخوة في الجبهة؟
- ثلاثة أخوة، كنا نطمئن على بعضنا، لكن نادراً ما نستطيع الالتقاء.
نودع السرية مكبرين تضحيات عسكرييها الشهداء منهم والجرحى ورفاقهم في الثكنة. ومن جديد نتوقف مع السرية الخامسة.

 

لن أتأخر في تطويع أولادي
معاون هو أب لتسعة أولاد، لو أحب أحدهم التطوع في الجيش فسأكون أول مشجعيه. العسكريون له بمنزلة أولاده، هو آمر حضيرة وأحياناً يكون آمر الفصيلة. يتفانى في أداء واجبه وتأمين مستلزمات عسكرييه الذين يقول أحدهم: «أقبّل يده عندما استيقظ وقبل أن أنام». أصيب المعاون مرتين، سر اندفاعه هو شعوره بالواجب كما يقول.

 

بين يدي وعلى صدري
جندي أول من عكار يعترف: كنت شقياً. الجيش جعلني رجلاً. أنا فخور لكوني عسكرياً في الفوج المجوقل. متزوج ولي ولدان لم أرهم إلا قليلاً خلال المعركة. لم أخرج من المخيم طوال 25 يوماً، أتت زوجتي مع الأولاد لرؤيتي. كنت في آلية عسكرية وهم في السيارة، أدرت وجهي وتجاهلت وجودهم.

 

• لماذا؟
- خشيت أن تؤثر عليّ العاطفة. كان أحد رفاقي قد استشهد فلم أستطع ترك بقية الرفاق لأبقى مع عائلتي.

 

• استشهد الكثير من رفاقك؟
- أربعة استشهدوا بين يدي وعلى صدري، كنت آمر رهط... مستحيل أن يذهب دم رفاقنا سدى، كان يجب أن ننتصر لهم وللبنان.   
والى جندي آخر في السرية نفسها. إنه ايضاً من ببنين فَقَدَ ثلاثة من أقربائه في المعركة، وأصيب ثلاث مرات. يحافظ على معنويات مثل النار: «حبست دموعي كثيراً، هذه الدموع تحولت سيلاً من الاندفاع والحماسة، كان أمامنا خيار واحد: الانتصار، وانتصرنا».  

 

قصص أخرى
في سرية القيادة والخدمة كانت للعسكريين قصص أخرى... رقيب أول يتحدث عن دور سريته في دعم جميع السرايا من خلال تأمين المستلزمات اللوجستية، الذخيرة، الاشارة، التغذية. عناصر السرية واجهوا المخاطر إياها التي واجهها المقاتلون. أحياناً كانوا يحاصرون، عزم الشباب والارادة الإلهية تكفلا بالانقاذ.
يعتبر الرقيب الأول أن هذه المعركة اكسبت العسكريين خبرات مهمة.

 

منظار ليلي ونسور
رقيب أول آخر من السرية نفسها نتحدث اليه يخبرنا قصة مختلفة: يقول: في الأونروا أصيب معي مجند، صرخ، «فدا المجوقل». أعطاني الكثير من المعنويات هذا المجنّد الشاب. ذهبت لأزوره في المستشفى كانوا قد وضعوا له حديداً في رجله، سألته ما هذا. قال: منظار ليلي.
يتذكر الرقيب الأول المعاون الأول الشهيد غطاس طربيه. «كان آمر حضيرة، نحن من فصيلة الاستطلاع، كنا دائماً معاً في الهجومات وفي أوقات الراحة، تشاركنا الضحكة والأسى والتعب».
يتحدث عن المجندين في الفوج: «يتطوعون فراخاً نربيهم يصبحون نسوراً. كانوا على مستوى المعركة».
وعن الإرهابيين يقول: إنهم مدربون ومحترفون جداً، نهاجمهم لا يهربون، يختبئون ثم يظهرون مجدداً ليمارسوا القنص، كانوا يتجنبون المواجهة ويعتمدون الغدر، وطبيعة الأرض تتيح لهم ذلك.

 

مبروك يا عريس
يروي عريف وقائع الساعات الأخيرة التي سبقت نهاية المعارك. كان في المهنية رئيس حرس، شاهد عناصر يتسللون من خلف المركز واشتبك معهم ثم كان ما كان، يشعر الآن أن كابوساً أزيح عن صدر الوطن، ويقول: الانتصار ملك الشهداء، هم صنعوه واليهم والى الجرحى يهدى أولاً.
«اكتسبنا الكثير من الخبرات في هذه المعركة» يقول عريف آخر، بالنسبة اليّ هذه أول تجربة. تدربنا كثيراً لكن الحرب شيء آخر، في التدريب لم يسبق أن دخلنا منزلاً بابه مفخخ أو وجدنا إبريق شاي مفخخاً. كانت معركة استعمل فيها الإرهابيون ما لا يخطر ببال من أساليب الغدر».
يخبرنا العريف أنه عريس تزوج خلال المعركة، أمضى مع عروسه خمسة أيام وعاد الى المعركة. شهر العسل كان عقب الانتصار.

 

عين الكاميرا
آخر محطة كانت مع عريف له مهمة مختلفة. إنه عنصر توجيه، الكاميرا على كتفه والبندقية في يده. «كل من رفاقي كان يحارب على جبهة، انا كنت محارباً على جميع الجبهات. صورت المعارك، عمليات الدهم، تقدم الرفاق، واحياناً كنت أطفئ الكاميرا لأساعد في إخلاء شهيد أو جريح.
أقسى ما يمكن أن يصادفك في مهمة كهذه رؤية رفيق يسقط من خلال عدسة الكاميرا.
رفاقي كانوا يؤمنون لي الحماية كنت أصور من السادسة صباحاً حتى التاسعة ليلاً، أتمنى أن يرى إبني الصور يوماً ما.

 

• كم ولداً عندك؟
- بنت وصبي «لألله وللجيش».
قبل أن نغادر، نعرّج على حلبة القتال وجهاً لوجه. هناك تقام التدريبات التي تهدف الى تحفيز الشراسة ضد العدو، وتعليم المقاتل كيفية تجنب ضرباته في حال وجود السلاح أو عدمه.
على حلبة الرمل شاهدنا قسماً من التدريبات، وفي المشغل ايضاً عاينا مساعفة الآليات، وودعنا الشباب...

 

نريد التقدم حالاً
يروي أحد الضباط: في مبنى على محور صامد لجهة اليسار دخلنا أحد المباني، خبير المتفجرات أفادنا أن المكان نظيف. كانت للإرهابيين أساليب جهنمية في التفخيخ، في إحدى الغرف انفجرت ثلاث عبوات. هناك استشهد المعاون أيمن مشيمش. كان واحداً من أفضل رتباء الجيش على الإطلاق.
كان من المفترض أن نسحب المجموعة لنعيد تنظيم صفوفها. تقدم مني رقيب أول وقال:
«سيدي نريد أن نكمل الآن وفوراً، لن نتوقف». تابعنا، كانت الساعة التاسعة صباحاً، مع حلول السابعة والنصف مساءً كنا قد أخذنا عشرة مبانٍ وقتلنا عدداً من الإرهابيين.
هذه العملية أهديت الى روح البطل أيمن مشيمش.