ملحق خاص: خليك مستعد لعدوك المستجد

في المواجهة
إعداد: إلهام نصر تابت

اليوم كما في كل مرّة
في معارك نهر البارد ابتكروا سلاحًا كانوا بحاجةٍ إليه، وكان لهذا السلاح دور كبير في الحسم. في «فجر الجرود» فعلوها مجددًا وكان لابتكاراتهم ما كان من فاعلية على الأرض. اليوم يبتكرون أيضًا في مواجهة الفيروس اللعين الذي وضع العالم بأسره في الحجر. إنّهم ضباط جيشنا وجنوده، الذين نراهم اليوم كما عهدناهم في الأمس، رجال الشدائد والصعاب.


لا يتعلّق الأمر بأداء الجيش للمهمات المطلوبة في مواجهة الأزمة التي فرضها الوباء وما أكثرها، إنما يتعدى ذلك إلى السعي الدؤوب للتغلب على كل مشكلة تطرحها قلة الإمكانات، ومعالجتها بالممكن مهما كان قليلًا. حتى تاريخ كتابة هذه السطور في 25 آذار 2020 يمكننا التدليل على نموذجَين، ونحن على يقين بأنّ الأيام المقبلة ستحمل المزيد. نموذج من قطاع بعلبك، ذلك القطاع الذي يعرف بالقطاع الحامي حيث ينتشر اللواء السادس من السفري إلى ريحا مرورًا ببريتال وحور تعلا ودار الواسعة والكنَيسة وسواها من بلدات، لكن عسكرييه رغم كثافة مهماتهم يجدون وقتًا مستقطعًا لمواجهة الكورونا بمعدات حماية من صنع أيديهم. النموذج الثاني من الجنوب، وتحديدًا من فوج التدخل الخامس الذي صنع عسكريوه كماماتهم ومدوا يد المساعدة للمواطنين.

 

من البداية
بدأ قائد اللواء السادس العميد الركن جوني عقل متابعة أخبار فيروس كورونا قبل وصوله إلى لبنان، نتيجة متابعته أفضت إلى قناعة تامة لديه: سوف يأتي دورنا في المواجهة، وما أن سُجِلت أول إصابة حتى بوشرت تدابير احترازية: جهاز لفحص الحرارة، قاطرة تتسع لـ 500 ليتر جُهِزت ببعض الإضافات فتولّت التعقيم في اللواء، مضخات لرش السوائل المعقمة في السرايا كلها، فضلًا عن شراء ثلاثة آلاف كمامة وُزعت على العسكريين الذين يتولون الدوريات والحواجز. لكن ذلك لم يكن كافيًا إذ يحتاج العسكري إلى أكثر من قطعة في اليوم، بينما ارتفعت الأسعار ولم يعد من السهل إيجاد كمامات في الأسواق. لذلك قررنا أن نصنع كمامة بمواصفاتٍ جيدة، وهذا ما توصلنا إليه، يقول قائد اللواء. ويضيف: هي ليست N95 لكنها الأفضل من بين الكمامات المصنّعة في لبنان. جرّبنا عدة أنواع من القماش إلى أن وجدنا ما يؤمّن الحماية. ما يميّز الكمامة التي صنعناها هو أنّها مؤلفة من ثلاث طبقات، طبقتان من قماش شبيه بالورق يستعمل في الفلاتر تمّ تغليفهما بثالثة من الليكرا، والأهم هو أنّ هذه الكمامة لا تستعمل مرة واحدة، وإنما تُغسل وتُعقّم ويعاد استعمالها، وسيكون لكل عسكري أربع كمامات.

 

غدًا أمر آخر
أين تمّ التصنيع وكيف؟ يخبرنا قائد اللواء أنّ التصنيع تمّ في الكتيبة 66، ويشرح: «لدينا خياطون، استقدمنا آلة لايزر لقص الليكرا، أنتجنا نحو 1000 كمامة، ويمكننا إنتاج 400 يوميًا. المهم أنّنا بعد عدة تجارب نجحنا في صنع كمامة جيدة وأعتقد أنّها أفضل ما صنّع في لبنان. غدًا سوف نعرضها على الطبابة العسكرية سوف يختبرونها وقديأخذون الفكرة ويطورونها».
ما هو عدد الذين عملوا في المشروع؟ يجيب العميد عقل: «ضابط وخمسة عناصر، «ما بدا أكتر من هيك». غدًا سنبدأ بصنع معقّم لليدين، جهزّنا المستلزمات، أيضًا سنصنع الصابون، لا يمكننا أن نلقي على العسكري عبء شراء ما يقيه خطر المرض، خصوصًا مع ارتفاع الأسعار، سوف نفعل كل ما في وسعنا...».

 

الأزمات تكشف المعادن
من بعلبك إلى الحدود الجنوبية حيث ينتشر فوج التدخل الخامس. تجربة الكمامات تكررت في الفوج، فارتفاع كلفتها وندرتها دفعا بقائده العقيد محمد الأمين إلى إصدار أمر يقضي بتصنيعها باستخدام ما يتوافر من مواد. لبّى العسكريون الأمر بسرعةٍ فبات لديهم ما يحتاجون إليه من كمامات، لكن كان لا بد من خطوات أخرى أساسية للوقاية من الوباء. وُضعت خطة لتعقيم المنشآت العسكرية والمدنية أيضًا، في حوزة الفوج مواد للتعقيم موجودة أصلًا للاستخدام اليومي، لكن ثمة حاجة إلى مواد وكميات أخرى كبيرة. اشترى قائد الفوج المواد اللازمة من إحدى الصيدليات، جُهِّز المحلول وبدأت عمليات الرش بواسطة آليات الهامفي. في المرحلة الأولى تمّ تعقيم الثكنات والمراكز مع محيطها والطرق المؤدية إليها، وفي المرحلة الثانية اتسعت الدائرة لتشمل السيارات والمحال التجارية وسواها من منشآت مدنية، وذلك ضمن برنامج يسعى الفوج إلى متابعة تنفيذه وعدم توقّفه قبل انتهاء أزمة كورونا.
ما رويناه ليس الحكاية كاملة، فثمة جزء آخر في منشور على الفايسبوك للصيدلية رنا نور الدين، التي تقول إنّها قامت بمبادرةٍ لتوفير طلبية الفوج من المواد المعقّمة بكلفةٍ أقل كونها للجيش وهي كمية كبيرة، وقد تواصلت مع الشركة بهذا الخصوص، فكان الجواب سلبيًا. وتتابع نور الدين روايتها فتقول: «المهم إجا الضابط بدو الطلبية، دفع ثمنها يلي جمعه من الجنود... وقبل ما يفل قلّي أي حدا بتعرفيه محتاج أو بدو مساعدة خبرينا عنه وما تتردي، نحنا بخدمة أهلنا وشعبنا. جيش طاهر، مجاهد، نظيف، معطاء، والتاجر همه يجني أرباح. الأزمات تكشف المعادن. أللـه يحمي الجيش».
فعلًا الأزمات تكشف المعادن وخصوصًا معادن الرجال، لكنّنا نعلم جيدًا من أي معدن هم رجال جيشنا، إنّه معدن النخوة والشجاعة والمرؤة والتفاني الذي يشع في كل أزمة، وفي كل محطة.

 

ورشة شاملة
ورشة صناعة الكمامات اتسعت لتشمل تباعًا مختلف قطع الجيش. الذين بدأوا أولًا عمموا خبراتهم، فحصلت عملية تبادل خبرات على نطاق واسع. ولغاية 8 نيسان 2020 كانت حصيلة الورشة نحو 15000 كمامة و5240 قناع يغطي الوجه مع قبعة. بوركَت الجهود المتضافرة للمواجهة بمختلف الطرق.