معًا في مواجهة التحديات

في حديث خاص الى «الجيش» بورتولانو: تجربتنا إيجابية وممتعة وإن كانت مهمتنا مشوبة بالمخاطر
إعداد: تريز منصور

 

تسلّم الجنرال لوتشيانو بورتولانو مهماته كرئيس لبعثة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان وقائد عام لها منذ أشهر. وعلى الرغم من أنّ الوضع القائم في لبنان وفي المنطقة قد يحمل مخاطر وصعوبات، فإن بورتولانو يعتبر أن تجربته «جدّ إيجابية وممتعة، خصوصًا في ظلّ التعاون مع الجيش اللبناني». في ما يلي نصّ حديث أجرته مجلة «الجيش» مع قائد قوات الأمم المتحدة في لبنان، تزامن مع الذكرى السابعة والثلاثين لإنشاء «اليونيفل».

 

طبيعة المسؤوليات
• لقد مضى على تسلّمكم مهمتكم في لبنان عدّة أشهر، كيف تشرح لنا تجربتكم خلال هذه الفترة؟
- يمكنني القول إن تجربتي منذ تسلّمي مهماتي في 24 تموز 2014، جدّ إيجابية وممتعة، وإنما تشوبها بعض المخاطر. إنها التجربة الأولى من نوعها في حياتي العسكرية، فأنا أتسلّم مسؤوليات عسكرية ولكنها ذات طابع دبلوماسي وسياسي في الوقت عينه. وأضاف قائلاً: كانت روزنامة سلفي الجنرال باولو سييرّا حافلة بالنشاطات والمواعيد، وكان من الضروري أن أتابع المهمات بكل تفاصيلها، هذا الأمر عكَس لي بسرعة قياسية الصورة الحقيقية لطبيعة مسؤولياتي في لبنان، وطبيعة الأرض التي أوكلت إلينا حمايتها، وأنواع المخاطر التي ستواجهنا عبر الخط الأزرق، ولا سيّما الأحداث الأمنية المتلاحقة التي حصلت في شهري تشرين الأول وكانون الثاني المنصرمين، إضافة إلى التوتر الأمني في سوريا، وخصوصًا في جبهة الجولان على الحدود السورية الإسرائيلية.

 

سلامة السكان أولوية قصوى
• في ظلّ الوضع القائم تواجهكم صعوبات ومخاطر، فكيف تتعاملـون معها؟

- كما هو معلوم، أن «اليونيفل» هي قوة لحفظ السلام، وأي مهمة عسكرية أمنية، تشوبها مخاطر مختلفة، فكيف بالحري في لبنان؟ وهنا علينا تقديم الشكر للجيش اللبناني وعلى رأسه العماد جان قهوجي، وكذلك لقائد قطاع جنوب الليطاني العميد الركن شربل أبو خليل، والتنويه بالتعاون المثمر القائم بين الجيش اللبناني و«اليونيفل». ولا بدّ من الإشارة إلى أن عدة اجتماعات تعقدها اللجنة الثلاثية لمناقشة التوتّر الذي يحصل في منطقة عمليات «اليونيفل». ونحن نحاول معًا تذليل العقبات ونسعى إلى منع أي تصعيد أمني في منطقة عملياتنا؛ فتركيزنا ينصبّ دائمًا على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701، جنبًا إلى جنب مع الجيش اللبناني. وبالإضافة إلى مهماتها تنظر «اليونيفل» إلى سلامة السكان المحليين وخيرهم باعتبارهــا أولويــة قصــوى بالنسبــة اليها.

 

لبنان ملتزم بقوة قرار مجلس الأمن 1701
• إثر الاعتداء الاسرائيلي الأخير على لبنان الذي أدّى إلى استشهاد عنصر من الكتيبة الإسبانية، اتهمت اسرائيل اليونيفل بعدم الإبلاغ عن الخروقات من الجهة اللبنانية، ما هو ردّكم على ذلك؟

- بداية إننا نأسف لاستشهاد العريف في الكتيبة الإسبانية المنتشرة في القطاع الشرقي من منطقة عمليات «اليونيفل» فرانسيسكو خافيير سوريا توليدو، والذي قتل في موقع للأمم المتحدة قرب قرية الغجر في حادث إطلاق نار وقع على الخط الأزرق. وإني أؤكد أننا نرسل التقارير الدائمة التي تشرح تفاصيل كل الخروقات التي تحصل على هذا الخط، إثر حدوثها، وذلك تطبيقًا للقرار 1701.
وأضاف: «الحكومة اللبنانية تدعم «اليونيفل» بشدة، ولبنان ملتزم بقوة قرار مجلس الأمن 1701. وفي اجتماعاتي مع المسؤولين اللبنانيين يتمّ التركيز على المسائل الأمنية وتطبيق القرار 1701 والوضع على طول الخط الأزرق إلى الوضع العام في المنطقة التي تخضع لنطاق عملنا، وهذا الأمر يشمل سلامة السكان المحليين وسلامة «اليونيفل» وعناصرها. وانطلاقًا من الاتصالات التي أجريتها مع ممثلي الحكومة اللبنانية، فقد سمعت كلامًا مشجّعًا. ولقد عقدت اجتماعًا مميزًا مع قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي في مركزنا في الناقورة. ولا أملك في الوقت الراهن أي إشارة تدلّ على أن ما يحصل في الشمال قد يتكرر في الجنوب، لكن احتمال تمدّد النزاع السوري يشكّل مصدر قلق للبنان ككل وكذلك بالنسبة إلى «اليونيفل». ونحن على اتصال وثيق مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية، ونراقب الوضع في منطقة عملياتنا.

 

معنويات «اليونيفل» واستشهاد العريف الإسباني
• كيف تقيّمون معنويات جنود اليونيفل في لبنان؟ وهل هم مقتنعون بخدمتهم في لبنان؟

- من الطبيعي أن يقتنع كل جندي منتسب إلى قوات حفظ السلام بأن العالم بحاجة إلى السلام والطمأنينة، وأن له دورًا فعّالاً في تعزيز هذا السلام. وبالتالي فإن كل جندي يخدم في لبنان، مقتنع بضرورة الحفاظ على سلامة اللبنانيين وأمن أرضهم، وعلى ضرورة بناء علاقة سلام مع المواطنين في منطقة «اليونيفل»، على الرغم من الصعاب والمخاطر التي قد تواجهه. ومن ناحية أخرى ثمّة ضرورة بأن يقتنع الناس بدور هذه القوة في الحفاظ على أمنهم وسلامتهم.

 

• نرجو أن تخبرونا عن التحقيقات في استشهاد العريف الاسباني، ولماذا استغرقت وقتًا طويًلا؟
- إننا ندين بشدة هذا الانتهاك الخطير لقرار مجلس الأمن الدولــي 1701 والانتهاكــات المماثلــة. كمــا أن «اليونيفل» قد فتحــت تحقيقًــا لتحديــد وقائــع الحــادث وملابساتــه. ومن الطبيعــي أن تأخــذ عمليــة التحقيــق بعــض الوقــت لجمــع الأدلــة والبراهــين، وســوف نعلــن النتــائج فــور التوصّــل إليهــا.

 

مهمة تشوبها المخاطر
• منذ إنشائها خسرت اليونيفل أكثر من 300 عنصر لحفظ السلام، ماذا تقولون حول ذلك؟

- كما سبق وذكرت أن كل عملية أمنية وعسكرية مشوبة بالمخاطر وبالعمليات العنفية، وبالتالي أنه من الطبيعي أن يسقط شهداء من عناصر قوات حفظ السلام أثناء تأدية واجبهم الأمني العسكري. كما أن بعض الوفيات ناتجة عن أسباب غير عنفية كحوادث السير مثلاً...
وكخلاصة، إننا نواجه مخاطر إسوة بباقي جيوش العالم وعلينا مواجهتها.

 

• دائمًا توصف علاقة اليونيفل بالجيش اللبناني بالاستراتيجية، اشرح لنا أكثر عن الموضوع؟
- نحن حريصون على التزام القرار الدولي 1701 وعلى العمل تحت مظلّته، وهذا القرار يدعو إلى ضرورة التنسيق مع الأطراف اللبنانية كافة وبناء علاقات تعاون وتنسيق مع القوى الأمنية. ومن هذا المنطلق تكوّنت العلاقة الاستراتيجية بيننا وبين الجيش اللبناني، على اعتبار أننا لا نعمل من أجل الجيش اللبناني، بل نعمل معه جنبًا إلى جنب. وبالتالي، ثمّة علاقة استراتيجية ممتازة تربطنا بقائد الجيش العماد جان قهوجي وبالضباط المعنيين وصولاً إلى جميع العناصر. وإنني أثمّن آلية الارتباط والتنسيق الفريدة القائمة بيننا وبين الجيش والتي أثبتت حيويتها لناحية منع التوتر والحوادث، إضافة إلى لجم الوضع في اللحظات الحرجة. نحن نتابع عملنا بشكل وثيق مع الجيش اللبناني، وعملنا الأساســي هو الحفــاظ على الخــط الأزرق ومراقبــة التــزام وقــف الأعمال العدائية.

 

دعم القوات المسلّحة اللبنانية
• كلنا نعلم أنّ وجود «اليونيفل» في لبنان مهم للاستقرار الأمني والاقتصادي وحفظ السلام، ماذا تقول لنا عن هذا الموضوع؟ وإلى أي مدى استطاعت ترسيخ علاقات متينة مع السكان المحليّين؟

- منذ تأسيس «اليونيفل» في العام 1978 كقوة لحفظ السلام في جنوب لبنان، وهي تؤدي واجبها من أجل حفظ الأمن، وهي اليوم تعمل وفق القرار 1701 وتنفّذ البنود ذات الصلة، بما في ذلك مراقبة الوضع على طول الخط الأزرق وتعليمه، إضافة إلى مراقبة الخروقات الجوية والبرية ومتابعة مسألة انسحاب القوات الإسرائيلية من شمالي بلدة الغجر. وتسعى اليونيفل إلى دعم القوات المسلّحة اللبنانية، وإلى إنشاء أطيب العلاقات مع المواطنين الجنوبيين، من خلال التعرّف إلى عاداتهم وتقاليدهم وحاجاتهم والاستماع إلى مطالبهم، وذلك بواسطة رؤساء البلديات الذين بإمكانهم إرسال الرسائل الواضحة والصريحة حول كل ما له علاقة ببيئة الشعب الجنوبي. وقد ساعدنا هذا الأمر في تحديد نوعية المشاريع والنشاطات التي تنظّمها «اليونيفل» على مختلف الصعد سواء كانت تربوية، أو صحية أو اجتماعية أو بنى تحتية.
إلى ذلك، يمكن لقوات حفظ السلام في لبنان والبالغ عددها عشرة آلاف عنصر المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني من خلال ما ينفقه هؤلاء على حاجاتهم المختلفة، أو ارتياد المطاعم... ومن ناحية أخرى تساهم «اليونيفل» في تأمين الوظائف للبنانيين، فـ70 في المئة من موظفيها المدنيين هم لبنانيون. ويجب أن لا ننسى عمل وحدة «CIMIC» المختصّة بالتعاون العسكري - المدني وبرنامج نشاطها الحافل، إذ أنها تعمل مع البلديات في مشاريع التشجير وتوزيع المساعدات العينية... ويمكن اعتبار مساندة «اليونيفل» كقطعة «Puzzle» صغيرة تكمّل اللوحة الإنمائية الإقتصادية الكبيرة.
وفي ختام الحديث تمنّى الجنرال بورتولانو لـ«اليونيفل» دوام الاستمرار في عيدها السابع والثلاثين، آملاً أن تحقّق المزيد من العلاقات الجيدة مع السكان المحليين ومع السلطات اللبنانية، كما تمنّى المزيد من الاستقرار والسلام والازدهار للشعب اللبناني.