كلمات

في ذلك الشتاء القاسي
إعداد: ألعميد الركن إلياس فرحات
مدير التوجيه

عندما تقسو الطبيعة على البشر، ما لهؤلاء غير التضرّع الى الله ومدّ أيديهم لبعضهم البعض من أجل إنقاذ من يمكن إنقاذه، ولإزالة آثار الخراب. هكذا عاش الناس منذ آلاف السنين. كان سكان الجبال يستعدّون للشتاء فيخزّنون الطعام والدواء والحطب، وحين يُقبِل هذا الفصل مع برده وثلجه ومطره يكون المأوى جاهزاً للوقاية من عوامل الطبيعة وتكون المؤونة جاهزة للاستمرار والبقاء.

أما اليوم، فالناس في حركة دائمة. ثمة من يعبر الجبال ولا يقيم فيها ابداً، وثمة من أقام في الجبال بعدما تربّى وترعرع في المدن والسواحل، لكن التقاليد لم تعد موجودة لا في هذه ولا في تلك. المعلبات والمثلجات قضت على المؤونة، وجاءت تكنولوجيا البناء لتشيد بيوتاً معظمها موصل للحرارة، فيما غيّرت السيارات القياسات والأرقام، ولم تعد للمسافة حرمة ولا قيمة.

هكذا أقبل الشتاء هذا العام واستمر وطال. هبطت درجات الحرارة غير مرة بصورة مفاجئة، فتساقطت الثلوج على ارتفاعات منخفضة كما لم تفعل منذ عقود. انقطعت طرقات عديدة في مختلف المناطق الجبلية، وحوصر عدد كبير من المواطنين داخل سياراتهم ومنازلهم. تميّز هذا الحصار عما سبق بأنّ تطوّر وسائل الاتصال الآن أسهم بشكل أساسي في سرعة طلب الإغاثة، وبات كل محاصر يطلب فك حصاره بالجهاز الخلوي الذي لا يفارقه.

 لكن، لا بد من فك الحصار عملياً، ومن إنقاذ المحاصرين وإخلائهم الى اماكن آمنة وسالكة. هنا كان الجيش موجوداً مع الجميع، من السفوح الى اعالي القمم، ومن الطرقات الدولية والرئيسية الى الطرقات الجبلية الفرعية ومناطق التزلج. تحرّكت آليات الجيش وبدأت ناقلات الجند بملالاتها تدفع الثلوج وتتغلّب عليها، وتحطّم الجليد متقدّمة الى حيث يوجد المواطنون المحاصرون من أجل انقاذهم وتخليص سياراتهم. وقد وصل العدد هذا العام الى الآلاف بعدما اشتد غضب الطبيعة واطنبت في انهمار الأمطار وتساقط الثلوج، فكانت عمليات الإنقاذ مستمرة على مدار الساعة في كل مكان، وكان شعور المواطنين رائعاً وهم يرون جيشهم يهرع إليهم في ظروفهم الصعبة، يلوذ بهم للنجاة من كل خطر محتمل. وشعر المواطنون أن ناقلة الجند هي ملكهم، فهي تحققت في الأساس من أموال الشعب، وهي أمانة بأعناق الجيش، وها هي في وقت الشدة تُعرض عن وظيفتها القتالية المحدّدة لها أصلاً، لتنطلق نحو عملية الإنقاذ. كم كانت هذه الوحدة بين الجيش والشعب معبّرة وصادقة في ظروف طبيعية صعبة كتلك التي تعرّضنا لها.

سبق أن رأى المواطنون ناقلات الجند وهي تتحرّك في الدوريات تحفظ أمنهم واستقرارهم وتدافع عن مصالحهم، كما أنهم رأوها وهي تنشر الجنود على خط المواجهة مع العدو الإسرائيلي متصدية لاعتداءاته، وشاهدوها في التدريبات وهي منفّذة العروض العسكرية الجميلة. لكنهم اليوم يشاهدونها وهم في الوقت العصيب ينتظرون قدوم من يفتح الطريق إليهم وينقلهم إلى الملاذ الآخر.

هذه هي ناقلتك أيها المواطن، انها في خدمة أمنك واستقرارك، وهي في خدمة سلامتك ايضاً. تقول انك تحترمها وتهابها، لكنك اليوم تقول انك صرت تحبها ونسجت علاقة خاصة معها ومع من كان فيها من العسكريين.

لقد جرى إنقاذ المحاصرين ونقلهم الى مناطقهم، أما من هم أساساً من مناطق الحصار، أي هؤلاء الذين تقع بلداتهم وقراهم ومنازلهم داخل الثلوج، فكانوا بحاجة الى مساعدة. ماذا كانت المساعدة؟ لقد نقص مخزون المواد الغذائية، ونفذت المؤونة، ولا بد من عونة ما، فكانت المساعدات الغذائية التي اوصلتها قوى الجيش الى اكثر من الف منزل محاصر لتعين سكانها في البقاء، وتمكّنهم من الصمود. جرى ايضاً إخلاء مرضى ونساء حوامل شعرن بالمخاض العسير في ظرف مناخي أشد عسراً، الى المستشفيات حفاظاً على سلامة المولود والوالدة.

اكثر من شهر ونحن لا نسمع ­ أنّى كنّا ­ إلاّ عن قساوة الطقس وغزارة الأمطار وكثافة الثلوج، ونسمع ايضاً عن جرأة عناصر الجيش وإقدامهم ليلاً نهاراً من اجل إنقاذ مواطنيهم. لا بد أن نذكر الجيش دائمـاً في ذلك الشتـاء القاسي... وفي كـل حين.