رسالة القائد

في رسالة وجهها الى الضباط على أثر الصدامات المسلّحة التي حصلت في غير منطقة

إزاء الأحداث التي عصفت بالبلاد في الأيام الأخيرة، حرصت قيادة الجيش على أداء دورها الوطني الضامن لوحدة الوطن ومنع نار الفتنة من الاستشراء في البلاد.
وفي إطار أدائها لدورها الحاضن للبنانيين بجميع شرائحهم، دعت قيادة الجيش أبناء الوطن الى التحلي بالحكمة والوعي، وحذرت من أن غياب الشعور بالمسؤولية الوطنية العليا والخروج من إطار التبصر في نتائج الأمور، يحدان من قدرة الجيش على القيام بدوره الوطني الجامع.
وإذ دعت الجميع الى إيجاد الحلول لإخراج لبنان من مأزقه، وضعت نفسها بتصرف الأفرقاء جميعاً للمساعدة في إيجاد تلك الحلول، مؤكدة استمرار الجيش في القيام بواجبه حفاظاً على أرواح المواطنين وأرزاقهم بالوسائل المعتمدة حتى لو استدعى الأمر استعمال القوة.
وفي السياق ذاته، وجّه العماد قائد الجيش رسالة الى الضباط حذّر فيها من أن الأزمة التي يعيشها لبنان هي من أخطر الأزمات، مقدراً ما برهن عنه الجيش من جدارة ووطنية وتضحية قلّما شهدت نظيرها جيوش العالم. وإذ رأى العماد سليمان أن ما جرى في الشارع اللبناني هو حرب أهلية دعا الضباط الى مزيد من الإبداع والإنجازات حفاظاً على الوطن، محذراً من ترك الشهداء يقتلون مرتين.


العماد قائد الجيش:
تصدوا للفتنة بكل ما أوتيتم من قوة وابقوا مثالاً للوحدة الوطنية وحذار أن تدعوا الشهداء يقتلون مرتين


أيها الضباط
ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها وطننا العزيز لأزمات حادة، ولكن الأزمة الحالية التي بدأت مع استشهاد رجل الاستقلال الرئيس رفيق الحريري، لهي من أخطر الأزمات. بالرغم من ذلك، برهنتم عن جدارة ووطنية وتضحية قلـّما شهدت نظيرها جيوش العالم. لكن، لا غرابة في الأمر، فلبنان الوطن المتنوع يختلف عن كل الأوطان، وتعدد الطوائف والمذاهب والأصول والأعراق فيه، هو نعمة بفضل جهودكم وسهركم ودماء رفاقكم الشهداء، فلا ينبغي أن تسمحوا للعابثين بالوطن أن يحوّلوا هذه النعمة الى نقمة على لبنان وشعبه.
العام 1975، اندلعت الحرب الاهلية بين المسيحيين من جهة، والمسلمين والفلسطينيين من جهة اخرى، فانسحب الجيش، ونتيجة هذا الانسحاب انقسم ولجأ الى ثكناته، وتحكمت الميليشيات الفلسطينية في المنطقة المسلمة، في حين تحكّمت ميليشيات أخرى في المنطقة المسيحية. وقد عمدت الميليشيات من الجانبين، الى اهانة الضباط والعسكريين وإذلالهم، وبسبب انقسام الجيش في حينه انقسم الوطن، ونشأت من تداعيات ذلك، معضلات عديدة لم نستطع معالجتها حتى اليوم، أبرزها التسلح الفلسطيني وإقامة معسكرات مسلحة خارج المخيمات، وتخلي الجيش عن واجب الدفاع عن الوطن في الجنوب، هذه المنطقة العزيزة التي عدتم اليها في نهاية العام 2006، بعد الحرب البطولية ضد العدو الإسرائيلي، والتي كان لكم دور مهم فيها وتضحيات جسام، الى جانب المقاومة.


يا رفاق السلاح
إن صمودكم الى جانب جنودكم طوال ثلاث سنوات ونيف، هو من أهم الانجازات التي قمتم بها، والتي قام بها الجيش اللبناني منذ تأسيسه. هذا الصمود الرائع، تحقق بالرغم من التجاذبات الحادة في السياسة اللبنانية، وانعدام الثقة بين الأفرقاء، والخلاف العميق على كل الأمور، حتى الدستورية والتأسيسية وأكاد أقول الكيانية. لقد استطعتم من خلال معجزة الصمود هذه الإبقاء على جيشكم موحداً، يحارب اسرائيل والإرهاب ويحافظ على الأمن والديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، فنلتم إعجاب العالم بأسره، حتى أصبح هذا الجيش مثالاً ينوّه به في الندوات والمؤتمرات العربية والعالمية.


أيها الضباط
ما جرى في الشارع اللبناني، هو حرب اهلية حقيقية، لا يمكن لأي جيش وطني في العالم مواجهتها وقمعها، وإن أكبر الدول عانت حروباً كهذه، ولم تستطع جيوشها ان تحسم القتال، بل انقسمت بين فريقي نزاع أو أكثر.
فالحرب الاهلية هي حرب المدن، والأسوأ والاخطر إنها بين أهل المدينة الواحدة، وليس مع عدو أو عصابات ارهابية، بحيث يمكن محاربتها بالتطويق والحصار، او بالهجمات المتتالية كما فعلتم في نهر البارد بعد إخلاء المدنيين الآمنين. والحرب الأهلية هي بين الأحياء، بين الطوابق في الأبنية نفسها، حيث لا يمكن إخراج السكان، ومهاجمة التجمعات السكنية من بناية الى أخرى بعد تقسيم البقعة الى مربعات كما حصل في نهر البارد. فالحرب الاهلية يجب أن لا ندعها تقع، واذا وقعت، فالحل يكون بالسياسة، ولطالما نبهنا المسؤولين الى وجوب إيجاد الحلول اللازمة، تجنباً للوصول الى الحرب الاهلية، وقد وقع المحظور لسوء الحظ، غير أن الجهود الخيّرة المبذولة في الداخل والخارج من المرتقب أن تثمر حلولاً للأزمة، نتمنى أن تتحقق في أقرب وقت ممكن.


يا حماة الوطن
يقوم الجيش بواجبه من دون تعب أو كلل. ولكن يتعذر عليه الحسم كما أسلفت سابقاً، أما المعالجة فلا تكون أبداً بالتخلي عن المؤسسة العسكرية، تعبيراً عن الغضب والشعور بعدم القيام بالواجب والدور المنشودين، بل على العكس يجب أن تبقى المؤسسة موحدة، لتكون النواة والعمود الفقري لإعادة مؤسسات الوطن، مثلما بقيت سفينة نوح لتحفظ الذرية البشرية والكائنات الحية والنباتات.
أعلم عمق ألمكم لما يجري، لكنني ألفت نظركم الى أن جيل العام 1975، تألم كثيراً ولكنه انقسم، وما زلتم تعانون أنتم نتائج انقسامه في اعادة سيادة الدولة على أراضيها كافة.
لا بل اقول كم ان الحزن الذي يختلج في نفوسكم بسبب الشعور بالمهانة وتوبيخ الضمير، يجب أن يشكّل الدافع لتحصين وحدتكم والتصاقكم ببعضكم البعض، مستفيدين من عِبر الماضي، فالتخلي عن المؤسسة لا يفيد بشيء، بل يمعن في ضعفها أكثر وأكثر، والمطلوب هو مزيد من الإبداع والإنجازات التي لا تولد الا من رحم المعاناة.


أيها الضباط
إن الجيش يقوم بدور وطني كبير، نتمنى جميعاً أن يكون أكبر من ذلك وأشمل، وألا تعتريه أي شائبة. لا تنسوا أن هناك في الجنوب خمسة عشر ألف جندي أتوا من دول العالم لمساعدتنا في الدفاع عن أرض الوطن ضد الاعتداءات الإسرائيلية، ولحفظ الأمن في الجنوب. لا تتقاعسوا عن القيام بواجبكم أمام أعين مواطنيكم والضباط والجنود الأجانب الذي جاؤوا لمؤازرتنا، بل تصدوا للفتنة بكل ما أوتيتم من قوة، وابقوا مثالاً للانضباط والوحدة الوطنية مهما تعاظمت الصعوبات.
وطننا جميل، وجيشنا مثال فريد في العالم، وهو يعيـش في أتـون بركان الأزمات الإقليمية، فلا تفقـدوا الأمل بسرعة، لأن هذا الوطن سيعود درة الشرق، نعتز به ونفتخـر، ولن نتركـه يتحـول الى عـراق ثانٍ أو غزة أو قطاع.
والى المزيد من الصبر والاتحاد ففي الاتحاد قوة.
حذارِ أن تدعوا الشهداء يقتلون مرتين.