وقفة وكلمة

في وداع الكلّية وانتظار السيف التلامذة الضباط مستعدون للمسيرة ومعهم رسالة من مدرّبيهم
إعداد: ندين البلعة خيرالله

قَدِموا إلى الكلية الحربية من مناطق مختلفة، لكلٍّ منهم دوافعه وطموحاته، وللجميع هدف واحد: الانضمام إلى من سبقوهم وأدّوا رسالة سامية في خدمة الوطن والتضحية من أجله.


على مشارف عيد الجيش وقُبَيل تخرّجهم، وفيما هم يتدربون لاحتفال اليوم الذي فصلتهم عنه ثلاث سنوات من التعب، التقينا عددًا من التلامذة الضباط وأحد مدربيهم. وفي وقفتنا القصيرة معهم تحدّثوا عن أثر سنوات التعليم والتدريب، كما عن استعداداتهم للانطلاق في مسيرة الخدمة الفعلية.


واثق من قدراتي
عناوين عريضة كثيرة دفعت التلميذ الضابط مهدي سليمان (جيش، اختصاص إشارة) المُصنّف الثاني في الدورة، إلى دخول الكلية الحربية. تمثّلت هذه العناوين بشعار الجيش المسؤول عن الأمن والانضباط، والذي يحمل في اسمه معاني عميقة أثّرت في مهدي وزرعت فيه الحماسة لبلوغ السنّ والشروط المناسبة التي تخوّله أن يكون عنصرًا في هذه المؤسسة. يقول: «حب الجيش في قلبي كبير، وكان يكبر يومًا بعد يوم مع مواقفه البطولية، والعروض العسكرية التي كنتُ أشاهدها على الشاشة في الاستقلال والأول من آب، وخصوصًا مع الشهداء الذين سقطوا على مرّ السنوات في المعارك الكبرى، معركة نهر البارد لا تغيب عن بالي أبدًا».
طبعت الكلية الحربية في ذاكرة مهدي مواقف كثيرة، ولكن ما الذي سيرافقه أبدًا؟ يجيب: «اللحمة والتعاضد بيني وبين رفاقي، وكيف واجهنا الصعوبات يدًا بيد، وكيف كان واحدنا يدعم الآخر ويقف إلى جانبه. هذا الأمر لم يكن من المبادئ والأساسيات في حياتنا المدنية، لمسنا أهميته في الكلية في أكثر من موقف، وخصوصًا في تمارين السير الطويلة، والتدريبات المتعبة وما يرافقها من صعوبات نفسية وجسدية واجهناها معًا حتى وصلنا إلى هذا اليوم المهمّ في حياتنا. وطبعًا كان الدور الأكبر في كل ذلك للمدربين الذين نقلونا في وقتٍ قياسي من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية، فأعطونا من طاقاتهم ومعارفهم ما لا يمكننا تقديره بثمنٍ».


• ماذا تحمل معك اليوم من الكلية إلى الميدان؟
لقد تحضّرت كثيرًا خلال سنوات الحربية وخصوصًا في السنة الثالثة التي عمّقتُ خلالها معارفي في ما يتعلّق باختصاصي، وبات لدي كامل الثقة بأنّني قادر على تولّي المهمة التي ستوكَل إليّ. أعرف حقوقي وواجباتي وطبيعة العلاقات التي يجب أن تربطني بالرؤساء والمرؤوسين، وسيبقى طموحي الأكبر هو المساهمة في تطوير المؤسسة العسكرية.
 

ميثاق التلميذ الضابط هو زادُنا اليومي

أكبر درس خرج به التلميذ الضابط إيلي كسّاب (أمن عام/ مشاة) من الحربية هو ميثاق التلميذ الضابط: لا يسرق، لا يكذب، لا يتساهل مع الفاسدين ولا يغشّ، وهو زاد يومي سيرافقه في مسيرته العسكرية، كما يقول. وهو يضيف: «تعلّمنا قيمة اللحمة والوقوف مع بعضنا البعض في الشدائد والأفراح، كما تعلّمنا قيمة الوقت، والانضباط، والشجاعة، والأهم من كل ذلك الصدق فهو أساسي في المؤسسة العسكرية، التي هي الأساس في صون الوطن».
لا تغيب عن بال إيلي اللحظات الصعبة التي اختبرها، ليكتشف في ما بعد أنّها كانت ضرورية. «كنّا نعتقد أنّ كل مدرب هو ضدّنا وحاطتنا براسو»، لنكتشف يومًا بعد يوم أنّ الأمر هو مجرّد تدريب ويهدف إلى تقويتنا وتدعيم شخصيتنا العسكرية.


• ما هو الهدف الأساس الذي التزمته وحقّقته؟
الهدف الأكبر الذي وددتُ بلوغه هو اجتياز تمرين السير الأخير (١٠٠ كلم) الذي سمعنا الكثير عن صعوبته، وقد قدّمته عن نيّة شخصٍ عزيز كدافعٍ لي لبلوغ خط النهاية، ونجحت... هذا الأمر لن أنساه طيلة حياتي. والآن بات الهدف الذي سأسعى دائمًا إلى تحقيقه هو أن أكون قدوةً للمرؤوسين أينما خدمت، ومنتجًا في كل ما أقوم به، لا أن أبقى على الهامش أو أن أتبع مقولة «حايدة عن ظهري بسيطة»! سوف نعمل لتحقيق شعار الجيش لهذا العيد، فيكون الأمن مستتبًا ويعمّ الازدهار البلاد.


الأخلاق هي المصنِّف الأول
رافقه حلمه بارتداء البزّة العسكرية منذ الصغر، حين كان يلقي التحية على العسكريين عند الحواجز. لم يكن التلميذ الضابط جاد خلف (جيش/ سلاح مدفعية) يملك أدنى فكرة عن الحربية، وحين بلغ أبوابها راح يسأل نفسه عن سبب قدومه إلى هذا المكان، خصوصًا بعد أن أدرك منذ اليوم الأول ما ينتظره من تعب وصعوبات.
«ولكن لا شيء يأتي من دون تعب» يقول جاد مستذكرًا السنوات السابقة: في السنة الأولى نبدأ بالانخراط في الحياة العسكرية فنضطر إلى ترك أفكارنا وحياتنا المدنية خارج أبواب الكلية، ونتعلّم كيف يصبح الواحد منا عسكريًا مسؤولًا عن نفسه. نتابع السنة الثانية فنتولى إمرة حضيرة، وفي السنة الثالثة نتمرّن لنتسلّم إمرة فصيلة ما يؤهّلنا لقيادة مجموعة. وتبقى القيم العسكرية، الشرف والتضحية بأنفسنا من أجل غيرنا والوفاء للجيش، الأساس في كل ما نتعلّمه خلال هذه السنوات.
شعار الكلية الحربية «المعرفة والتضحية». فيها تعلّمنا فواكبنا على مقاعدها كل تطور في العلوم العسكرية والدروس المتخصّصة. لم يتساهل معنا المدربون ولكن ذلك لم يكن عن عبث، بل لتحضيرنا للحياة العملية وقيادة المجموعة كمثالٍ يُحتذى. والقيمة الأساس التي اكتسبناها هي الأخلاق، وهي المُصنِّف الأول للضابط.


نُخرّج أبطالًا من الحربية
لا حاجة للحديث عن دور المدرّبين في نقل العلوم والمعلومات إلى التلامذة الضباط ومرافقتهم في سنواتهم الثلاث لبلوغ يوم التخرّج. باختصارٍ يتحدّث مدرب السنة الثالثة النقيب محمد عمر عن هذا الموضوع شارحًا: نحن كمدربين كنّا في مرحلةٍ سابقة مكان هؤلاء التلامذة، نشأنا على مقاعد هذه الكلية وفي قاعاتها وساحتها، على المبادئ والقيم والعلوم العسكرية، وبات الآن دورنا في نقلها لغيرنا.
في التدريب يبقـى التلميـذ هـو الأهم بالنسبـة لنـا، نرافقـه في برنامج الدروس اليومي ونوجّهـه إلى الدرب الصحيحة للنجاح.
الهدف الأساس هو أن يتخرّج التلميذ الضابط بعد ثلاث سنوات، وهو يتمتّع بالذهنية العسكرية ليصبح بدوره ضابطًا مسؤولًا يحمل قيم الشرف والتضحية والوفاء.


• ما هي أهمية تاريخ الأول من آب بالنسبة إليكم؟
كمـا أنّ هذا التاريخ مهـمّ ومدعـاة فخـر للتلامــذة الذين يتخرّجون بعد ثلاث سنوات من الكدّ والتعب، فإنّه مهم بالنسبـة لنا كمدرّبيـن لأنّنا نلمـس نتيجـة جهـودنـا: ضباط درّبناهم يتخرجون ويتابعون المسيرة إلى جانبنا، وهذا الأمر هو فخر لنا أيضًا، فقد رافقناهم في مراحل عبورهم إلى الحياة العسكرية واكتساب مبادئها، وها هم اليوم يتخرّجون أبطالًا يغادرون أبواب الكلية ليكونوا حماة الوطن.

 

تصوير: العريف مارون بدر