تحية لها

قائد الجيش: وصول المرأة إلى رأس الهرم العسكري رهن باستمرار نجاحها

منذ تسلّم العماد جوزاف عون مسؤولية قيادة الجيش، كان من الواضح إصراره على تفعيل دور المرأة في المؤسسة العسكرية، وإيمانه بأنّ إعطاءها فرصة خدمة وطنها من خلال هذه المؤسسة سيؤدي إلى تمكينها وإعطائها مزيدًا من فرص التطوّر. كيف يقيّم اليوم هذه التجربة التي اتسعت لتشمل الكلية الحربية؟ وإلى أي حد هو مُصرّ على المضي قدمًا فيها؟ هذا جزء من الأسئلة التي أجاب عنها العماد عون مؤكدًا أنّ الجيش اللبناني الحديث قد يشهد يومًا ما وجود سيدة على رأس هرميته.

 

• ما الذي دفعكم إلى الإصرار على تفعيل دور المرأة في المؤسسة العسكرية؟
- منذ تسلّمي قيادة الجيش، وضعت خطّة كاملة لإحداث نقلة نوعية في المؤسّسة العسكرية، شكّل تعزيز دور العنصر الأنثوي أحد أضلعها الأساسية نظرًا للتجربة التي كان سبق للجيش أن مرّ بها منذ العام 1989 والاستنتاجات التي خرجت بها قيادات الجيش المتعاقبة لجهة حسنات خدمة المرأة في الجيش اللبناني وسيّئاتها، فكانت خطّتي تقضي برفع نسبة الإناث في الجيش وإدخالهنّ في مجالات كانت لا تزال حتى اليوم بعيدة عنها.
صحيح أنّ التجربة السابقة بقيت مقتصرة على مجالات الإدارة والطبابة والشؤون اللوجستية، إلى أن كانت معركة نهر البارد ومن بعدها عرسال، ونتيجة الحاجة، تمّت الاستعانة بعسكريين إناث من الشرطة العسكرية لأداء دور أساسي على خطوط الجبهة. تجربة أثبتت نجاحها بكل المعايير وأعطت القيادة حافزًا إضافيًا لإدخال العسكريين الإناث إلى القطع القتالية.
من هنا، كانت الخطوة الأخيرة بتطويع خمسين أنثى بصفة تلميذ ضابط في الكلية الحربية ليخضعن لدورة مدتها ثلاث سنوات وفق المنهاج نفسه الذي يتابعه العسكريون الذكور.

 

• نسبة الإناث في الجيش اللبناني لم تعد ضئيلة، وهنّ يحملن مختلف الرتب ويشغلن وظائف مختلفة أيضًا. كيف تقيّمون هذه التجربة بالإجمال؟ وأين تتركّز إيجابياتها وسلبياتها؟
- كما سبق وذكرنا، احتلت الإناث مراكز مختلفة في المؤسّسة العسكرية، وتدرّجن حتى وصلن إلى أعلى الرتب. فمن الوظائف الإدارية واللوجستية كانت النقلة النوعية على صعيد القوات الجويّة التي باتت تضمّ في صفوف طيّاريها ضابطتين أنثيين، من دون أن ننسى أنّ رفع نسبة الإناث في الجيش تَرافق مع خطوة أخرى لا تقلّ أهمية وهي المستوى العلمي الذي يتمتّعن به، ما انعكس رفعًا في أداء العمل في الجيش، وهو ما سمح بتعويض مسألة الخبرة بالنسبة إلى العسكريين الذين أُحيلوا على التقاعد. من هنا يبدو جليًا أنّ إيجابيات تلك الخطوة أكثر بكثير من أي سلبيات قد يكون أضاء عليها البعض من خلال تصويبه على المؤسّسة لأسباب لا تخفى على أحد.

 

• بناء على ما بيّنته تجربة انخراط الإناث في الجيش، هل أنتم عازمون على المضيّ قدمًا في هذا المجال؟
- ممّا لا شكّ فيه أنّ الخطوة الحالية التي أقدمنا عليها في الكلّية الحربية، ستشكّل منعطفًا أساسيًا وتحدّيًا كبيرًا يُبنى عليه للمرحلة المقبلة، فنجاح الإناث الخمسين في امتحانات الدخول للكلية الحربية سيكون له الدور الأساس في تطوير المجالات التي ستشغلها المرأة على صعيد وحدات الجيش، بمعنى أنّ نجاح هذه الخطوة سيكون مفصليًا لجهة دخول المرأة الوحدات المقاتلة. علمًا أنّ الأفواج الخاصة والألوية المقاتلة بدأت باستيعاب عدد من العسكريين الإناث اللواتي حقّقن نتائج باهرة في دورات القتال العسكري التي تابعنها.

 

• ما هي المراكز أو الوظائف التي تعتقدون أنّه ينبغي أن تظل حكرًا على الرجال في الجيش؟
- حتى يومنا هذا، لم تستلم المرأة أي وظيفة قتالية في الجيش بمعنى أنّ العنصر النسائي ما زال خارج الجهوزية القتالية للوحدات العسكرية على كل مستوياتها.
غير أنّنا نأمل أن نكون، بعد ثلاث سنوات، قد نجحنا في كسر الواقع القائم اليوم مع تسلّم الدفعة الأولى من ضباط الكلية الحربية من الإناث وظائفهنّ في الوحدات القتالية حيث سيتدرّجن إلى جانب رفاقهنّ من الرجال وصولًا إلى رأس الهرم القيادي. مع الإشارة إلى أنّه لدينا حاليًا عدد من الضباط الإناث برتبة عقيد وعميد، وإنّما من أصحاب الاختصاصات الإدارية والطبية والهندسية.

 

• في أيٍّ من المواقع نجحت الأنثى أكثر؟
- لقد أظهرت التجربة نجاح الإناث في المهمات كافةً التي كُلّفنّ بها على صعيد وحدات القيادة على المستوى الإداري وفي الوحدات الطبية واللوجستية حيث نجحن في رفع مستوى الأداء الإداري وأسهمن في تطويره من خلال استيعابهنّ السريع للوسائل التقنية الحديثة التي أُدخلت إلى الجيش، وذلك بفضل المستوى العلمي الذي يتمتّعن به وهو ما جعلهنّ بمستوى العسكريين الذي راكموا الخبرات لسنوات طويلة. ولعلّ أبرز مثال هو ما حقّقه العنصر الأنثوي في القوات الجوية سواء كطيّارين أو فنّيّي طيران، إذ شاركن بفاعلية في مشروع إعادة طوّافات AB212 إلى الخدمة، فضلًا عن تعهّدهنّ لطائرات السوبرتوكانو وقد أثبتن مساواتهنّ مع زملائهنّ العسكريين.

 

• هل تمّ رصد آثار انضواء الإناث في الجيش على معنويات العسكريين بشكل عام؟
- لم يكن من السهل خوض تجربة دخول النساء إلى الجيش نظرًا للعقلية الشرقية التي تحكم مجتمعنا والتي تجد انعكاسها الطبيعي في «ذكورية» الجيش، وهو ما شكّل تحدّيًا أساسيًا لنجاح هكذا خطوة، إلا أنّ إثبات العسكريين الإناث لوجودهنّ، أسهم بشكل كبير بكسر هذه النمطية الاجتماعية، كذلك بتخطّي «ذكورية» الرجل في الجيش لناحية تقبّل العسكريين رفاقهم من العسكريين الإناث اللواتي تابعن دورات وتدريبات مشتركة على صعيد مواكبة الشخصيات وحمايتهم، وخبراء متفجّرات والمشاركة في مناورات بالذخيرة الحيّة، ما أدّى إلى زيادة نسبة الثقة بقدرة المرأة وكفاءتها في أداء المهمات التي قد توكل إليها.

 

• هل تواجهون صعوبات على مستوى الانضباط عندما تتولى الأنثى الإمرة على الرجال؟
- سبق وذكرنا أنّ البداية كانت صعبة، إلا أنّ نجاح العنصر الأنثوي في إثبات ذاته فرض نفسه على الأداء العام للمؤسّسة لجهة الانصباط وتنفيذ الأوامر الصادرة عن الرؤساء النساء سواء كضباط أم رتباء. وقد أظهرت التجربة في المستوصفات والنوادي والمكاتب التي تولّتها ضباط إناث صحّة ذلك، إذ التزم الجنود تنفيذ التعليمات والأوامر الصادرة بكل دقة و«رحابة صدر».
وقد يكون وجود المرأة ساعد في كثير من الأحيان على حثّ العسكريين على تنفيذ أوامر قد يمتعض البعض منها، في حال صدورها عن ضباط رجال.

 

• معلوم أن وجود الإناث يفرض إجراءات خاصة على صعيد المنامة والخدمة وأمور أخرى، إلى أي حد كانت هذه الإجراءات صعبة؟
- صحيح أنّ المشكلة الأساسية التي تعاني منها المؤسّسة على صعيد الإجراءات الخاصة بموضوع المنامة والخدمة وبعض الأمور الأخرى على صعيد وجود الإناث في المؤسّسة، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو نقص الموارد المالية المطلوبة لتأمين تلك المستلزمات، إلا أنّ القيادة وعملًا بمبدأ المساواة، بدأت البحث تدريجًا في ذلك، وقد نجحنا على صعيد بعض الوحدات كالشرطة العسكرية والحرس الجمهوري والكلية الحربية، على أمل أن نصل إلى درجة جهوزية كاملة في هذا المجال.

 

• من الواضح أنّ الاهتمام بعائلات الشهداء يقع في طليعة أولوياتكم، ما هي رسالتكم لأمهات الشهداء وزوجاتهم وأولادهم؟
- كمؤسّسة عسكرية، نعتبر أنّ أمّهات الشهداء وزوجاتهم وأولادهم جزء لا يتجزّأ من الجيش، فهم أمانة في أعناق المؤسّسة وواجبنا تجاههم لا يعلو عليه واجب. فالشهادة هي قدر وليست خيارًا. كلّ عسكري تطوّع في الجيش هو مشروع شهيد. ما من أمر أهمّ وأقدس من إنسان يقدّم حياته على مذبح الوطن من دون مقابل. رسالتي إلى أمّهاتهم وزوجاتهم: افتخرن أنّ أزواجكنّ وأبناءكنّ ارتفعوا إلى رتبة الشهادة، ذكراهم باقية في قلوب عناصر المؤسّسة وعقولهم وأسماؤهم محفورة في سجل الخلود.

 

• انطلاقًا من تجربتكم الخاصة، كيف تدعم زوجة القائد مسيرة زوجها؟
- لم يختلف الأمر منذ اليوم الأول لزواجنا وحتى اليوم من حيث دعم زوجتي لي بكل المواقع والمراكز التي استلمتها. ما تغيّر هو مستوى المسؤولية الذي كان يكبر كلّما تقدّمتُ في الرتبة والموقع وصولًا إلى تسلّمي قيادة الجيش. كانت دومًا هي المرأة والرجل في غيابي وبخاصة لجهة تربية الأولاد متحمّلة المسؤوليات والصعوبات الكبيرة. لولا زوجات العسكريين والاستقرار الذي يؤمّنّه لرجالهنّ، لما كان بإمكانهم القيام بواجباتهم الوطنية تجاه عائلتهم الأكبر.

 

• برأيكم هل من الممكن أن تصل المرأة يومًا ما إلى قيادة الجيش؟
- بدأت كلامي بالحديث عن خطّتي لدور المرأة في الجيش اللبناني الحديث، الذي بالتأكيد قد يشهد في يوم من الأيام وصول سيدة إٍلى قيادته في حال استمرّ نجاح الإناث في ما يقمن به من مهمّات في المؤسّسة العسكرية. فإثباتهنّ لوجودهنّ في الوحدات القتالية بعد نجاحهنّ على المستوى الإداري هو المفتاح الأساسي والضروري لتحقيق تلك الخطوة، فعليهنّ تقع المسؤولية ووحدهنّ أصحاب القرار في ذلك.