مهمات استثنائية

قائد فوج مغاوير البحر يتحدث عن مهمة بنين: جاهزون في كل زمان ومكان
إعداد: باسكال معوّض

في ليل 25-26 كانون الأول، وفي الثانية عشرة والثلث ليلاً، رنّ جرس الهاتف في منزل قائد فوج مغاوير البحر العقيد الركن جورج شريم، وكان الإتصال أمراً من قائد الجيش العماد ميشال سليمان يقضي بتجهيز مجموعة من عناصر مغاوير البحر مع عتادهم وامتعتهم بحيث تنطلق من مطار بيروت الدولي، في مهمة الى دولة بينين الإفريقية حيث سقطت تجاه مدينة كوتونو طائرة تحمل عشرات من اللبنانيين. تمحورت المهمة حول إنقاذ الناجين وانتشال جثث القتلى، إضافة الى إيجاد الصندوقين الأسودين الخاصين بالطائرة المنكوبة. وقد نفذ فوج مغاوير البحر المهمة الموكلة إليه بكفاءة عالية كانت موضع تقدير جميع المعنيين. "الجيش"، قابلت قائد فوج مغاوير البحر العقيد الركن جورج شريم بهذا الخصوص، وكان حوار هنا وقائعه.

 

جهوزية تامة ودائمة

■ لا شك أن تجهيز المجموعة من مغاوير البحر لم يكن سهلاً، لا سيما وأن الفترة كانت فترة أعياد؟ ­

- فوج مغاوير البحر في حالة جهوزية تامة ودائمة، ورغم أننا كنا في فترة أعياد إلا أننا استطعنا، وخلال وقت قياسي، استدعاء  عناصر، بعضهم كانوا في منازلهم. وقد قمنا بتحضير معدات الغطس كاملة، مع تعبئة قوارير الأوكسيجين، وتحضير الزورق المطاطي والمجاذيف وتجهيز مختلف الأدوات والمعدات لكل عنصر من المجموعة. واستطعنا أن نكون جاهزين في تمام الثانية وعشر دقائق فجراً في باحة مطار بيروت، حيث كنا جزءاً من وفد رسمي يتألف من رسميين وديبلوماسيين مع جهاز طبي كامل. وأقلعت بنا الطائرة في تمام الساعة الثانية والنصف.

 

■ ماذا كانت مهمتكم بالتحديد؟

­ -مهمتنا كانت البحث عن الذين كانوا على متن الطائرة وإخلاءهم، والتفتيش عن الناجين منهم وتقديم المساعدة لهم ولأهالي الضحايا، وكنا جاهزين لأية ظروف قد تطرأ خلال المهمة. كما كان ينبغي أن نجد الصندوقين الأسودين للطائرة للتأكد من ملابسات الحادث.

 

استطلاع وتنفيذ

■ كيف كانت الحال في كوتونو لدى وصولكم؟ ­ وصلنا الى مطار كوتونو في تمام الساعة العاشرة صباحاً وسط ظروف جوية صعبة، وكان في انتظارنا هناك حشد كبير من أعضاء الجالية اللبنانية، وضابط فرنسي جاء من قبل الملحق العسكري الفرنسي في كوتونو وآخر من قبل دولة بينين، وذلك لتسهيل أمورنا وتأمين احتياجاتنا كافة. كانت الخطوة الثانية بعد وصولنا تقضي باستطلاع مكان الحادث، فتوجهنا الى الموقع بعد أن قام أعضاء من الجالية اللبنانية بتأمين سيارات ووسائل إتصال لنا. عند الوصول كان المشهد مأساوياً، بدءاً من جثث الضحايا العائمة، مروراً بأنقاض الطائرة المتناثرة وصولاً الى الأهالي المنكوبين المنتشرين على الشاطئ.

 

■ كيف باشرتم تنفيذ المهمة؟ ­ بعد إبعاد الجميع عن المنطقة بدأنا تحضير العتاد والبحث عن ناجين في أجزاء الطائرة القريبة من الشاطئ حيث كانت المياه ممزوجة بوقود الطيران. نفذنا عمليات غطس تحت أجزاء الطائرة المتناثرة وفي الأعماق. وبعد البحث الدقيق، بدأت مرحلة إنتشال أجزاء الطائرة الى الشاطئ بعد أن أحضرت آليات ضخمة كان هدفها إخلاء المياه قدر الإمكان وتسهيل سحب الضحايا الى البرّ. عند الساعة السادسة مساءً انتهى يومنا الأول مع غياب الشمس، وبعد نهار طويل كان بدأ مع تباشير الفجر.

 

من يجرؤ فلينضم

صباح اليوم التالي عدنا الى الشاطئ بعد أن قضينا الليل نعيد تعبئة قوارير الأوكسيجين وترتيب العتاد. وتم تقسيم العمل على مجموعتين: الأولى بإمرة ضابط مجهزة بزورقين مطاطيين مع محركاتهما، قدمهما لنا الفرنسيون، وذلك بهدف مسح سطح الماء على مسافة 10 كلم وسحب الجثث ونقلها الى الشاطئ. أما المجموعة الثانية فتألفت من سبعة غطاسين، ثلاثة منهم فرنسيون غطسوا على عمق 600 متر للقيام بمسح لقعر الماء والبحث عن جثث وعن الصندوقين الأسودين للطائرة المحطمة. عملت المجموعتان طوال النهار مع مساعـدات وامدادات ماء وطعـام قدّمهـا لنا أعضـاء الجاليـة اللبنـانية. ونحـو الساعـة الواحدة ظـهـراً عثرنـا على غطاء برتقالـي هو غطـاء الصنـدوق الأسود، واستمـر البحث الى أن عثـرنا على الصندوقـين، وهما بشكـل أنبـوب عريض برتقالي اللـون، أحدهمـا مسجل للصوت       (Voice recorder) أما اللاخر فهو مسجل لوقائع الرحلة(Flight recorder). كما استمر انتشال الجثث حتى المساء.

 

مراسم ورسميون وأصداء

اليوم الثالث، كان مخصصاً لاجتماع في قاعدة مطار كوتونو حضرته أهم الشخصيات في بينين وأخرى فرنسية ولبنانيـة لتقييم الوضـع، ثم أقيمـت جنـازة رسميـة للضحايا قبل نقل النعوش الى الطائرة الفرنسية التي أعدت لحملها في رحلة العودة الى لبنان. وفي تمـام الواحـدة وعشـر دقـائـق ظهـراً انطلقـت الطائرة من كوتـونو حاملة النعوش والوفد الرسمـي، ووصلـت الى مطـار بيروت نحـو التاسعـة ليلاً حيـث كان بانتظـارهـا الرؤساء الثلاثة، وعدنا الى مراكزنـا في لبنـان لتقديـم تقريـر بنتائج المهمـة.

 

■ ما هي الصعوبات التي اعترضت المهمة؟ ­ نحن جاهزون دائماً لأي ظرف أو وضع قد يطرأ، كما أن تدريباتنا تؤهلنا للعمل في أي مكان أو زمان. لقد استطعنا التغلب على الصعوبات كافة ومنها العمل في مياه محيط مليئة بالتيارات المائية القوية ما يتطلب قوة بدنية من قبل الغطاسين. كما أن هذه المياه كانت مليئة بوقود الطيران الذي انتشر بكثافة بعد سقوط الطائرة، وكان مهدداً بالاشتعال في أية لحظة. مشهد الأهالي المفجوعين كان محزناً، لكنه شكّل دافعاً إضافياً لتحفيز طاقاتنا العملية. لقد كانت مهمة نتمنى ألا نكون مضطرين الى القيام بمثلها، لكننا بالطبع على أتم الإستعداد لتنفيذ الأوامر.

 

■ لا شك أن صدى عملكم كان إيجابياً؟ ­ كانـت ردات الفعل على عملنا جيدة ومرضية، وأولها مواكبة القائد لعملنا وإتصـاله الدائم بنا لتشجيعنا والإطلاع على آخر التطورات. بدورها الجالية اللبنانـية هناك استقبلتنا بالترحاب، وعندما رأوا بذلة الجيش اللبناني راحوا يبكون تأثراً، وأدركوا أن جيشهم الى جانبهم في غربتهم ومحنتهم وظروفهم الصعبة التي يمرون بها. أما في الأوساط الأجنبية فقـد فوجئ الفرنسيـون بالمستوى العالي من التدريب الذي يتحلى بـه أفراد الجيـش اللبنـاني إن على مستوى الغطس أو التدريبات أو المناقبية، وسعوا لمساعدتنا وعاملونا معاملة الندّ وعبّروا مراراً عن إعجابهم بمستوانا التدريبي واندفاعنا. كذلك اثنت السلطات في بينين على تدخل الجيش، ونوّهت بفعالية التدخل السريع وبمدى الإهتمام الكبير الذي يوليه البلد لأبنائه المهاجرين، وبصلابة وتعاضد أهالي بلد صغير كلبنان في الملمات. وقد تلقـينا التهاني من الملحق الفرنسي في بينين الذين أثنى على المستوى العالي للمجموعة، ومن قائد جيش بينين الذي أعرب عن تقديره للجهوزية والكفاءة وسرعة التدخل.

 

الألم كبير أما الفخر فأكبر!

■ كيف كانت معنوياتكم وشعوركم لتنفيذ مهمتكم على هذا النحو؟ ­ شعرنا بفخر كبير لقدرتنا على خدمـة أبنـاء الوطن في الخارج، فهذه كانـت المرة الأولى التي ينفّذ فيها الفـوج عملـية إنقاذ خارج الوطن، تطلبت دقة وجهوزية وكفاءة عالية. كانت معنوياتنا عالية جداً، خصوصـاً مع الإستقبال الذي قابلتنـا به الجاليـة اللبنانيـة التي قدمت لنا تسهيلات كبيرة، تضمنـت كل ما طلبنـاه وبسرعـة قياسية. فقد كنا بالنسبة لهم المنقـذ الوحيد وقد حرصنا على أن نكون عند حسن ظنهـم وألا نخيّـب آمالهـم الكبيرة بنـا. وختم بالقول: كانت المهمـة التـي عملـنا على تنفيذهـا ناجحـة بشكـل كامـل، لكن ألمـنا كان كبـيراً للفاجـعة التي أصابت مواطنـينـا الذيـن لهـم عليـنا حـق مساعـدتهـم في كل الظـروف.

 

من هم؟

 مجموعة الإنقاذ التي توجهت الى كوتونو في مهمة رسمية تكوّنت من عشر عناصر من الجيش اللبناني:

 4 ضباط و6 عسكريين وهم: ­ قائد فوج مغاوير البحر العقيد الركن جورج شريم. ­ النقيب فادي مخّول.

 ­ النقيب حيدر سكيني.

 ­ النقيب فادي كفوري.

 ­ الرقيب الأول أحمد حسين.

 ­ الرقيب الأول محمد مراد.

 ­ الرقيب الأول سيمون مخلوف.

 ­ الرقيب الأول طلال الزين.

 ­ الرقيب الأول محمد مشيمش.

 ­ العريف انترانيك يوسف.

 

 مغاويرنا الأبطال

إميل نون: أمين سر نقابة الشعر اللبناني

 اسمحلي يا قايد جيشنا حيّيك               وفي بطولة جيشنا هنّيك

 مغاويرنا الأبطال بالغربة                  كانو عا أعلى مستوى التبريك

 وخففو من قوّة النكبة                       ومن القيادة تلقّنو التحريك

 برفع الضحايا هونّو الضربة              ووقفو بموقف جوهري بيرضيك

 جيشنا وجودو رأس حربة                 بصرح الوطن بيعمّر مداميك

 ووين ما اندعى الواجب عميلبّي          وإيدو بشعبو ثابتة التشبيك

 الأبطال المغاوير هالكانو                  ينشلو الغرقى بكوتونو

 هودي وجوه بلادنا الحلوين               عطيو الدني متيلة عبر بينين

                       ابن الأرز شو كبير ميدانو

 جيشنا بظروفنا المرّة                       بلبناننا أو بالدول بَرّا

 متأهب وواقف على سلاحو                بيفتدي شعبو بأرواحو

                        وعا راحة بلادو بيتحرّى