محاضرة

قاصوف تحاضر في الحربية
إعداد: روجينا خليل الشختورة

كيف نحمي الأحداث المخالفين القانون أو المعرّضين للخطر؟

أتت الساعة سأمثُلُ أمام القاضي، ولكن ماذا أقول له؟!
إنني لبناني أعيش داخل مخيم لللاجئين، والدي اختفى، والدتي تنقلت من زوج الى آخر، جدتي طردتني من منزلي الأبوي، شقيقي الأكبر يعاني مرضاً مزمناً، لدي إخوة وأخوات من والدي ومن والدتي لا أعرف عددهم، لا أتقن القراءة والكتابة، لا مهنة لديّ ولا هواية، لا أحسن سوى السرقة والنشل و«الخبط»، تمكنت من بلوغ السابعة عشرة من عمري بفضل قبضة يدي التي كانت تشوه وجه كل ولد يقف في طريقي، لساني الذي لم يوفر أي كلمة تجعل مَن أمامي يرتجف خوفًا، مهارتي التي جعلتني أنتقي سرقات توفر لي الربح السريع، غنائمي التي أحاطتني بأشخاص يخدمون رغباتي...
 

ماذا أقول أيضاَ؟
إنني أكبر ضحية للسرقة: الحياة سرقت والدي، والازواج سرقوا والدتي، والطمع سرق منزلي، والمرض سرق شقيقي، والتشرد سرق إخوتي، والجهل سرق مدرستي، والحاجة سرقت براءتي، والخوف سرق بسمتي...
فتح القاضي ملف دعواي المؤلف من صفحات بعدد أيامي السوداء التي عشتها وسألني:
هل تعترف بالجرائم المنسوبة إليك؟
فأجبته:
أعترف بكل ما نُسب إليّ.
سألني: هل أنت نادم؟
أجبته: نعم،
إنني نادم لأنه ليس لدي أب وأم،
إنني نادم لأنه ليس لديّ منزل عائلي،
إنني نادم لأنه ليس لديّ ذكريات من مدرستي،
 إنني نادم لأني ناضلت للبقاء حيًا.
سألني: ماذا تطلب؟
أجبته: أطلب .... الـعـــدالــة.
بهذه القصة المعبرة استهلت الآنسة جانين قاصوف (إختصاصية في العمل الإجتماعي وفي العلوم الإجتماعية ومندوبة إجتماعية في محافظة بيروت وفي المحكمة العسكرية) المحاضرة التي ألقتها في المدرسة الحربية – حضرها تلامذة ضباط السنة الثالثة - والتي تمحورت حول قانون حماية الاحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر.


من هو الحدث؟
عرّفت قاصوف الحدث بحسب القانون على أنّه كل من كان عمره أقل من 18 سنة وبالتالي فهو بحاجة إلى مساعدة خاصة تؤهله لتأدية دوره في المجتمع، كما يجب مراعاته لحمايته من الإنحراف. في حال حصول الإنحراف, لا يلاحق جزائيًا من لم يكن قد أتم السابعة عشرة من عمره حين اقترافه الجرم.
وتحدثت قاصوف عن مراحل متابعة الحدث المخالف القانون، من التحقيق الأولي إلى قاضي التحقيق فجلسات الإستجواب.
عند إحضار الحدث أمام النيابة العامة أو الضابطة العدلية في الجرم المشهود للتحقيق معه، يتوجب على المسؤول عن التحقيق أن يعلم فورًا أهله أو أولياءه أو المسؤولين عنه، إذا كان ذلك متيسرًا، وأن يتصل كذلك بالمندوب الاجتماعي المعتمد ويدعوه إلى حضور التحقيق. ويجب على هذا الأخير أن يباشر بإجراء بحثٍ اجتماعي ويقدّم نتائجه إلى من يقوم بالتحقيق مع الحدث. وشددت على حضور المندوب الإجتماعي، فلا يجوز البدء بالتحقيق ما لم يكن حاضرًا وذلك تحت طائلة الملاحقة المسلكية.
وأشارت إلى أنّ محاكمة الأحداث تُجرى سرًا وينحصر دور المحكمة العادية بتحديد نسبة الجرم إلى الحدث ومسؤوليته والوصف القانوني والإلزامات المدنية، على أن يعود إلى محكمة الأحداث بعد ابرام حكم المحكمة العادية بحق الحدث، الإستماع إليه وفرض التدابير والعقوبات بحسب ما يقتضيه هذا القانون. تصدر المحكمة حكمها في جلسة علنية وتحاط إجراءات الملاحقة والتحقيق بالسرية التامة.
وتراوح العقوبات بين «غير مانعة للحرية» مثل اللوم، الوضع قيد الإختبار، الحماية، المراقبة الإجتماعية، العمل للمنفعة العامة والعمل تعويضًا للضحية، وأخرى «مانعة للحرية» كالإصلاح والتأديب والعقوبات المخفضة.
في الأحوال كافة يتعين على القاضي أن يعلل قراره بشكل وافٍ وأن يبين سبب إتخاذ التدابير من وجهتي مصلحة الحدث وظروف ارتكاب الجرم.   
في ما يتعلق بحماية الأحداث المعرضين للخطر، قالت قاصوف، إنّ أحكام هذا الباب تطبق على الأحداث مهما بلغ سنهم، وكل حدث يعتبر مهددًا في الأحوال الآتية:
- إذا وُجد في بيئة تعرضه للاستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته.
- إذا تعرض لاعتداء جنسي أو عنف جسدي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب غير المؤذي.
- إذا وُجد متسولاً أو مشردًا.
وبالتالي، يجب حماية هذا الحدث على اعتباره ضحية، ما يستوجب التقدم بشكوى.
 

من هي الجهة المخولة التقدم بالشكوى؟
توضح قاصوف: الحدث نفسه أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الإجتماعي أو النيابة العامة وهذه يمكن أن تتحرك بناءً على إخبار. وقد يتم  الإخبار بمبادرة من الولد نفسه - عبر اتصال هاتفي بالجهات المختصة بحمايته - أو من أي شخص آخر.
بعدها، يأمر قاضي الأحداث بإجراء تحقيق إجتماعي ويستمع إلى الحدث ووالديه أو أحدهما أو الوصي الشرعي أو الأشخاص المسؤولين عنه، وذلك قبل اتخاذ أي تدبير بحقه ما لم يكن هناك عجلة في الأمر، فيكون ممكنًا إتخاذ التدبير الملائم قبل استكمال الإجراءات السالف ذكرها.
ويمكن الاستعانة بالضابطة العدلية لتقصي المعلومات في الموضوع.
بعد الإستماع إلى الوالدين أو أحدهما، يُبقي القاضي الحدث قدر المستطاع في بيئته الطبيعية، على أن يعين شخصًا أو مؤسسةً اجتماعية للمراقبة وإسداء النصح والمشورة للأهل والأولياء ومساعدتهم في تربيته، على أن يقدّم هذا الشخص أو المؤسسة إلى القاضي تقريرًا دوريًا بتطور حالته.
وعلى القاضي، إذا قرر إبقاء الحدث في بيئته، أن يفرض عليه وعلى المسؤولين عنه موجبات محددة، كأن يدخل مدرسة أو مؤسسة اجتماعية أو صحية متخصصة أو أن يقوم بعمل مهني ما.
في جميع الحالات السابق ذكرها وأيًا كان التدبير المفروض على الحدث، يبقى والدا هذا الأخير، ومن كان غيرهما ملزمًا بالنفقة تجاهه، مسؤولين عن تأديتها، ويكون للقاضي الذي فرض التدبير، بعد أن يستمع إلى الشخص المعني، أن يقرر ما يجب عليه تأديته من نفقة لتغطية تكاليف التدابير المقررة وقراره لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة. وهو ينفذه وفق الأصول المرعية في قضايا النفقة بما في ذلك اللجوء إلى الحبس الاكراهي.
إلى ذلك، يحظر نشر صورة الحدث ونشر وقائع التحقيق والمحاكمة أو ملخصها في الكتب والصحف والسينما، وأية وسيلة إعلامية أخرى. ويمكن نشر الحكم النهائي على أن لا يذكر من إسم المدعى عليه وكنيته ولقبه إلا الأحرف الأولى. وكل مخالفة لهذه الاحكام تعرّض المخالف لعقوبة السجن من ثلاثة أشهر إلى سنة وللغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة أو لإحدى هاتين العقوبتين.

 

تأهيل  في المراكز
ختامًا، عددت قاصوف مراكز توقيف الاحداث وما تقدمه لهم من متابعة تربوية، مهنية، إجتماعية ونفسية. وهذه المراكز هي: معهد اصلاح الاحداث (حتى عمر 15 سنة)، مركز المبادرة (يستقبل القاصرات على خلاف مع القانون) وسجـن روميـه مبنى الاحداث (الأحداث ≤  15 سنة).
وتتضمن المتابعة الإجتماعية والنفسية تصحيح علاقة القاصر بنفسه، جعله يكتشف قيمًا لم يكن يعرفها من قبل، توطيد علاقته مع أسرته، تعليمه كيفية تحسين تصرفاته مع نفسه ومع المجموعة، مساعدته على إنماء شخصيته، تحضيره لإعادة الإندماج في المجتمع.
أما المتابعة التربوية - المهنية، فترتكز على برنامجٍ تربوي لمحو الأمية وعلى برامج رياضة وتسلية (كرة قدم، طائرة، سلة، البينغ بونغ, رحلات، مخيمات، زيارات...)
وأخيرًا البرنامج المهني الذي يشمل التدريب على عدة مهن في مجالات: الكهرباء، النجارة، الخياطة الصناعية وفن الطبخ، بالإضافة إلى دورات كمبيوتر.