قانون دولي

قانون الحرب وقانون اللجوء إلى الحرب
إعداد: الرائد علي إبراهيم
ضابط في الجيش اللبناني، طالب دكتوراه في الحقوق / الجامعة اللبنانية - مجاز في إدارة الطيران المدني من الجامعة الأميركية في بيروت.

يعتقد البعض أنّ قانون الحرب لا يختلف عن قانون اللجوء إلى الحرب. في الواقع هذا الاعتقاد خاطئ فبموجب القانون الدولي هناك طريقتان للنظر إلى الحرب: أسباب القتال وكيفية القتال. ولهذا السبب فإنّ القانونين مستقلان الواحد عن الآخر تمامًا.

يُميّز القانون الدولي المعاصر بين الأسباب التي تجيز اللجوء إلى الحرب وبين النظام القانوني الذي يحكم النزاع المسلح ذاته عن طريق الفصل بين الأول والثاني. ومُؤدّى ذلك أنّه مهما كانت عدالة الغاية الدافعة إلى شن الحرب، فالأطراف المتحاربة تُعامل على قدم المساواة من ناحية التزام القواعد المُنظّمة للنظام المسلح، ومن دون التمييز بين الطرف المعتدي والطرف المُعتدى عليه. ويكتسي هذا الفصل أهمية بالغة في حماية المدنيين في النزاعات المسلحة عن طريق ضمان تنفيذ المبادئ التي تحكم سير العمليات العدائية كمبدأ حماية المدنيين ومبدأ التناسب ومبدأ الضرورة(١).
 

قانون اللجوء إلى الحرب
يحدد قانون اللجوء إلى الحرب Jus Ad Bellum(٢) الأسباب المشروعة لدولة ما في خوض الحرب، ويرتكز على معايير معينة تجعل الحرب عادلة. ووفق هذا القانون، فإنّ الحرب مُحرّمة دوليًا إلا في ثلاث حالات(٣):
١- الدفاع المشروع عن النفس.
٢- تفويض استخدام القوة من قبل مجلس الأمن في حالة وجود تهديد أو خرق للسلم أو عمل من أعمال العدوان (الفصل السابع).
٣- استخدام القوة من قبل حركات التحرر الوطني.
ويستند هذا القانون إلى المادة الثانية - الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة(٤) للعام ١٩٤٥ التي تنص على أنّه: «يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة»... وكذلك المادة ٥١ منها التي تنص على أنّه: «ليس في هذا الميثاق ما يُضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فُرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالًا لحق الدفاع عن النفس تُبلّغ إلى المجلس فورًا، فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق - الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه».
 

مبادئ قانون اللجوء إلى الحرب
يقوم قانون اللجوء إلى الحرب على المبادئ الآتية:


١- السلطة الشرعية والإعلان العام:
يشير هذا المبدأ إلى أنّ الحرب يجب أن يتم إعلانها من قِبل سلطة شرعية مُعترف بها دوليًا. وهذه السلطة متأصّلة ضمن مفهوم سيادة الدولة(٥). وبذلك يرى Thomas Aquinas أنّه لكي تكون الحرب عادلة، لا يكفي إعلانها فحسب، بل يجب إعلانها بواسطة السلطة المناسبة(٦).
 

٢- الهدف من الحرب:
وفق هذا المبدأ، يجب أن لا يكون هدف الحرب هو السعي وراء مصالح وطنية ضيّقة Not To Pursue Narrowly Defined National Interests، بل إعادة السلام العادل. ويجب أن تكون حالة السِلم أفضل من الظروف التي كانت سائدة لو لم تحدث الحرب، وبالتالي لا يمكن خوض الحروب لمجرد ضم الممتلكات أو لتغيير نظام.
 

٣- التناسب:
ينص هذا المبدأ على أنّ العنف المُستخدم في الحرب يجب أن يتناسب مع الأهداف العسكرية، وعلى منع اعتماد سياسة «الأرض المحروقة». ويجب أن يتناسب مستوى النصر العسكري مع مستوى الدمار الذي أعقب ذلك.
 

٤- الملاذ الأخير Last Resort:
ينص هذا المبدأ على أنّه يجب أولًا استنفاد جميع الخيارات والوسائل الأخرى غير العنيفة قبل تبرير استخدام القوة، منها مثلًا الطُرق الدبلوماسية، العقوبات وغيرها من الأساليب غير العسكرية. وفي حالة الحرب، يجب التدخل بأقل قوات ممكنة ثم تتصاعد، بدلًا من بدء الحرب بقوة هائلة أو اعتماد الهجمات النووية(٧).
 

قانون الحرب
قانون الحرب Jus In Bello أو ما يعرف حاليًا بالقانون الدولي الإنساني أو قانون النزاعات المسلحة هو مجموعة من القواعد القانونية المطبقة خلال النزاعات المسلحة، وبغض النظر عن مشروعية الحرب (مثال غزو العراق للكويت في العام ١٩٩٠). وهذا القانون يعتمد على القانون الدولي العرفي استنادًا لممارسات الحرب المعترف بها، وقوانين المعاهدات (لاهاي ١٨٩٩ و١٩٠٧) والتي تنص على قواعد سير العمليات العسكرية(٨)، اتفاقيات جنيف الأربعة (١٩٤٩) والتي تحمي ضحايا الحرب المرضى والجرحى (الأولى)، والغرقى (الثانية)، وأسرى الحرب (الثالثة)، والمدنيين (الرابعة)، والبروتوكولين الإضافيين (للعام ١٩٧٧) اللذين يحددان المصطلحات الرئيسية كالمقاتلين، وتحتوي على أحكام مفصلة لحماية المدنيين غير المقاتلين والنقل الطبي والدفاع المدني، كما تحظر الهجوم العشوائي(٩).
 

مبادئ قانون الحرب أو القانون الدولي الإنساني
يقوم القانون الدولي الإنساني على المبادئ الآتية:


١- المعاملة الإنسانية:
يُعتبر هذا المبدأ جوهر القانون الدولي الإنساني ومضمونه، إذ يؤكد وجوب تجنّب أعمال القسوة والوحشية في القتال، بخاصة إذا كان استعمال هذه الأساليب لا يجدي في تحقيق الهدف من الحرب، وهو إحراز النصر وهزيمة العدو(١٠).
 

٢- الضرورة العسكرية:
يقوم هذا المبدأ على استعمال وسائل العنف والقسوة بالقدر اللازم لتحقيق الغرض من النزاع، أي إرهاق العدو وإضعاف مقاومته وحمله على التسليم في أقرب وقت ممكن. فإذا ما تحقق الهدف من الحرب امتنع التمادي والاستمرار في توجيه الأعمال العدائية ضد الطرف الآخر(١١).
 

٣- التناسب:
تُلزم قواعد القانون الدولي الإنساني الأطراف المتنازعة الامتناع عن شن الهجمات العشوائية ضد الممتلكات المدنية والأعيان الثقافية، واتخاذ الاحتياطات اللازمة قبل تنفيذ عملياتها، ومراعاة مبدأ التناسب في أثناء القيام بعمليات عسكرية ضد العدو. ويسعى هذا المبدأ إلى إقامة توازن بين مصلحتين متعارضتين: الأولى، هي الاعتبارات العسكرية الضرورية، والثانية، هي المقتضيات الإنسانية حتى لا تكون هناك حقوق أو محظورات مطلقة(١٢).
 

٤- التمييز:
يُعتبر مبدأ التمييز حجر الأساس لأحكام البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف للعام ١٩٧٧، إذ نصت المادة ٤٨ من البروتوكول الأول على أنّه: «تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجّه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية»(١٣).
وموجز القول، فإنّ قانون اللجوء إلى الحرب هو القواعد القانونية الدولية التي تنظم اللجوء إلى القوة، أما قانون الحرب فهو القواعد القانونية التي تحكم العلاقة بين المتحاربين.
 

مراجع:
(١) أحمد خضر شعبان، الحماية الدولية والشرعية لضحايا النزاعات المسلحة، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ٢٠١٥، ص ٢٤ وما يليها.
(٢) Jus ad bellum: In the Traditional English pronunciation of Latin: Right to war.
(٣) محمد غازي ناصر، الفرق بين قانون الحرب وقانون اللجوء إلى الحرب، محاضرة أُلقيت في جامعة بابل، كلية الحقوق، قسم القانون الدولي، بغداد، ٣٠-١١-٢٠١٨.
(٤) وُقّـع ميثاق الأمم المتحدة في ٢٦ حزيران ١٩٤٥ في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأميركية في ختام مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بنظام الهيئة الدولية. وأصبح نافذاً اعتباراً من ٢٤ تشرين الأول ١٩٤٥، ويُعتبر النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية جزءاً متمماً للميثاق.
(٥) Don Hubert and Thomas G. Weiss: «The Responsibility to Protect: Supplementary Volume to the Report of the International Commission on Intervention and State Sovereignty», Canada: International Development Research Centre, 2001.
(٦) Rochester, J. Martin: The New Warfare: Rethinking Rules for an Unruly World. Taylor & Francis, 19-2-2016.
(٧) «Just War Theory and the Last of Last Resort Ethics & International Affairs», Ethics & International Affairs, 12 June 2015 available on: https://en.wikipedia.org/wiki/Jusv_ad_bellum#cite_ref-6
(٨) محمد المجذوب وطارق المجذوب، القانون الدولي الإنساني، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، ٢٠٠٩، ص٣٣ وما يليها.
(٩) اسماعيل عبد الرحمن، الأسس الأولية للقانون الدولي الإنساني، دراسات في القانون الدولي الإنساني،منشورات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، ٢٠٠٣، ص ٣٣.
(١٠) https://en.wikipedia.org/wiki/Jus_ad_bellum.
(١١) عامر الزمالي، مدخل إلى للقانون الدولي الإنساني، الطبعة الثانية، المعهد العربي لحقوق الإنسان، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المغرب، ١٩٩٧، ص ٧٣.
(١٢) Jean-Mary Henckaerts and Louise Doswald-Beck, Customary international Humanitarian Law, United kingdom, Cambridge University Press, Vol. 1, 2005, p. 43.
(١٣) البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف للعام ١٩٤٩، الباب الرابع، القسم الأول، الفصل الأول، المادة ٤٨.