ذكراهم خالدة

قداس في حريصا لراحة أنفس شهداء البارد
إعداد: جان دارك أبي ياغي

الرقيم البطريركي:لا يموت وطن يفديه أبناؤه بدمائهم

قيـادة الجيــش:مع شهادتهم سطع فجر الحق

 

برعاية قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري ممثلاً بالعميد الركن بيار حاكمة، وبدعوة من ذوي شهداء الجيش الـ171 وشهيدي الصليب الأحمر اللبناني الذين سقطوا في معركة مخيم نهر البارد، ولمناسبة مرور سنة على استشهادهم أقيم قداس وجناز لراحة أنفسهم في بازيليك سيدة لبنان في حريصا، ترأسه النائب البطريركي الماروني المطران سمير مظلوم ممثلاً البطريرك مار نصرالله بطرس صفير وعاونه الأب يونان عبيد نائب رئيس الجماعة الديرية في مزار سيدة لبنان والأب إيلي اندراوس، وتولّت جوقة المزار بقيادة الأستاذ جوزف مراد خدمة القداس، ورنّمت السيدة لور عبس الأداء المنفرد، ونُقل الاحتفال مباشرة على شاشتي تيلي لوميار ونورسات.

حضر القداس النائب العميد شامل موزايا ممثلاً العماد ميشال عون، والنائب أنطوان زهرا ممثلاً الدكتور سمير جعجع، والعميد روبير جبور ممثلاً المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، ورئيس بلدية جونية جوان حبيش، وحشد كبير من ضباط ورتباء وأفراد قطع ووحدات الجيش الى ذوي الشهداء وجمع غفير من المواطنين.

 

الرقيم البطريركي

بعد الإنجيل المقدس ألقى الأب يونان عبيد الرقيم البطريركي وهنا نصه:

البركة الرسولية تشمل أبناءنا وإخواننا الأعزاء

قيادة الجيش اللبناني، وذوي الشهداء المحترمين

 

أردتم أن يصير الاحتفال بالذبيحة الالهية في هذه الكنيسة المريمية وفي ظل سيدة لبنان، استمطاراً لمراحم الله على نفوس شهداء الجيش اللبناني، من ضباط ورتباء وجنود، الذين سقطوا في معارك نهر البارد من شمال لبنان، منذ سنة. وهذا عمل يدل على إيمان برحمة الله، وبالتضحية الكبيرة التي قدّمها من فقدتم، حرصاً منهم على كرامة الوطن ومقوماته. وهذه أكبر تضحية بإمكان الإنسان أن يقدّمها لوطنه، على ما يقول السيد المسيح في إنجيله المقدس: «هل من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن احبائه»؟(يو 15/13).

وإن وطناً يفديه أبناؤه بدمائهم لهو وطن لا يموت. وإنّا نأمل أن تكون هذه التضحية الكبرى التي بذلها المائة والسبعون شهيداً في سبيل وطنهم سبيلاً لشدّ أواصر الأخوة بين اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم الدينية والإجتماعية. ومعلوم أن شجرة الوطن لا تنمو وتبسق وتبسط ظلها على ما حولها إلا إذا سقاها أبناء الوطن بالنجيع من دمائهم، وهذا ما فعله الشهداء الذين نذكرهم اليوم أمام مذبح الرب.

وإنّا نصلي معكم ليقبل الله برحمته الوافرة هذه القرابين الحيّة التي قدّمها الشهداء الشجعان، وهي أرواحهم الغالية، فداء عن وطنهم لبنان. وإنّا نسأل الله أن يسكب بلسم تعزيته الإلهية على ما تركه استشهادهم في نفوس ذويهم من جراح بليغة، آملين أن تكون تضحيتهم الغالية بنفوسهم السبيل الى توحيد القلوب وجمعها حول لبنان وقيمه وتاريخه ومستقبله، وهو الذي أراده آباؤنا وأجدادنا واحة حرية وكرامة لهم ولأبنائهم وأحفادهم من بعدهم، ليعيشوا على أرضه عيش الطمأنينة والكرامة.

وعلى هذا الأمل، وإكراماً لذكراهم، وإعراباً لكم عن تعازينا الحارة نوفد اليكم سيادة أخينا ونائبنا المطران سمير مظلوم السامي الاحترام، ليرأس حفلة الصلاة لراحة نفوسهم، ولينقل اليكم جميعاً تعازينا القلبية، وبخاصة الى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الذي كان يومذاك قائداً للجيش وسقط الشهداء على عهده دفاعاً عن الوطن.

رحم الله الشهداء الأبرار واسع الرحمة، وشملكم جميعاً برضاه وبركاته.

 

الكردينال نصرالله بطرس صفير

بطريرك أنطاكية

وسائر المشرق

 

كلمة قيادة الجيش

وبعد الانتهاء من مراسم القداس الجنائزي ألقى العميد الركن بيار حاكمة كلمة قائد الجيش بالنيابة، قال: «بقلب واحد يخفق بالمحبة والإيمان ويفيض بمشاعر وطنية جياشة، تتخطى أي انتماء فئوي أو مناطقي أتيتم اليوم من كل أرجاء الوطن للصلاة على أرواح شهدائنا الأبرار الذين سقطوا في أحداث نهر البارد، فتكتسب المناسبة سمو المعاني بحضوركم، وبتعانق قدسية هذا المكان المعلق بين البحر والسماء، الشاهد على تاريخ وطن وحضارة شعب، مع قدسية الشهادة التي استحقها رجالنا الأبطال، بعد أن سطّروا بدمائهم السخية أروع ملاحم البطولة، ذوداً عن سلامة الكيان وانتصاراً لكرامة الجيش دفاعاً عن القيم الوطنية والانسانية».

بعد مرور نحو عام على معركة نهر البارد التي خاضها الجيش في مواجهة الارهاب نستذكر بكل فخر واعتزاز نخبة من الرجال الرجال، هالهم أن ترتفع فوق أرض أجدادهم وآبائهم راية الحقد الأسود، وأن تتمادى العقول المظلمة والأيادي المجرمة في النيل من استقرار الوطن والعبث بتاريخه وهويته ومصيره، فمضوا الى ساحة الشرف والواجب، يواجهون كيد الأعداء بقَسـَم أكبـر من الحياة، وإرادة لا تهون ولا تهان، وحين ضاق بهم ميدان التضحية والعطاء، ارتفعوا شهداء أعزاء كرماء ومع شهادتهم سطع فجر الحق ناضحاً بأريج السيادة والحرية، وعلا جبين الوطن مزهواً بأكاليل الغار والعنفوان.

وفي حضرة الشهادة والشهداء نتطلع بعيون ملؤها الكبر والتقدير تجاه من كان يقف خلف هؤلاء الكبار، يمدّهم بالقوة، يشد أزرهم في أوقات الصعاب، يحيط أيامهم بأجواء الطمأنينة والراحة، ويبث في نفوسهم روح الانتماء الوطني الخالص، أعني أنتم أيها الأهل، أهل الشهداء يا من قدّمتم فلذات أكبادكم فداء للبنان راضين قانعين، وحوّلتم بإيمانكم الراسخ صبركم على الآلام والجروح أعراس الشهادة الى أعراس وفاء وانتصار، فكنتم بحق الوجه الآخر للشهداء والذي نستقي منه معاني النبل والتضحية والاخلاص، مجسّدين بكل ما للكلمة من معنى، شجرة الوطن الدائمة الإخضرار بجذورها الضاربة في الأعماق وأغصانها الشامخة نحو السماء.

إن شهداءنا المئة والواحد والسبعين الذين نحتفي بذكراهم اليوم قد رسموا لنا بتضحياتهم الجسام ومآثرهم المشرقة الطريق نحو الخلاص المنشود، وقدّموا بدمائهم الزكية التي امتزجت معاً في ساحة القتال، شهادة حياة للجيش الذي بات أكثر قوة ومناعة في مواجهة الأخطار والتحديات ومنارة هدي للشعب الذي ترسّخت وحدة أبنائه وتحصّنت إرادته الوطنية الجامعة، وتعزّزت ثقته بمستقبل الوطن ورسالته التاريخية التي جعلت منه قبلة شعوب العالم قاطبة.

بإسم قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري، أحيي عائلات الشهداء فرداً فرداً وأتوجه بتحية شكر وتقدير الى السادة المطارنة والأباء الأجلاء على رعايتهم الطيبة لهذا القداس كما أشكر كل من أسهم في اإقامته وشارك في حضوره. ألف تحية إكبار وإجلال الى أروح شهدائنا الأبرار في عليائها وعهدنا لهم الوفاء لدمائهم ومبادئهم وقيمهم، وإكمال مسيرة تضحياتهم للوصول بسفينة الوطن الى شاطىء الأمن والاستقرار والسلام. لشهدائنا المجد والخلود، ولذويهم وأحبائهم طول البقاء، وجميل الصبر والسلوان. وفي الختام، استمع الحاضرون الى نشيدين خاصين بالمناسبة الأول بعنوان «أولاد الشهداء»، وهو بمبادرة من «جمعية فرح العطاء» والثاني بعنوان «الإيمان والرجاء والمحبة»، وهو خاص بالرائد المغوار الشهيد ميشال مفلح كانت قد أعدّته عائلته.

 

الزينة... وكأنها يوم عرسهم

الى التحضيرات اللوجستية والأمنية والبروتوكولية، كان لافتاً الزينة التي ازدانت بها الطرقات المؤدية الى بازيليك سيدة لبنان - حريصا بدءاً من مجمّع فؤاد شهاب الرياضي في جونيه.

أما داخل البازيليك فكان الجو مؤثراً جداً إذ ارتفعت فوق المذبح لوحة عملاقة جمعت الشهـداء الضباط والرتبـاء والأفـراد الـ171، حملت شعـار «فـجر الشهادة لا يغيـب» وأشـرفت على تمثال السيدة العذراء ترمقهم بحنانها وعطفها. وقد انتصبت صورهم الشخصية على جانبي الممر الرئيس للبازيليك باقات ورد في يوم عرس الشهادة.

واحتلت سلة ورد بيضاء تتضوّع عطر محبة وتقدير واحترام لتضحيات شهداء نهر البارد من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي غاب وإنما بالجسد عن المناسبة، فهؤلاء عزيزون على قلبه وهو خيرُ مَن قاد المؤسسة العسكرية.

 

نشيد أولاد الشهداء

 

نحن، نحن أولاد الشهداء

نحن أبناء البطولة

نحن ضمانة للوحدة

ضمانة وحدة لبنان

 

يا أبي... يا أبي... لا تبكِ أبداً يا أبي

نحن لا نبكي يا أبي

دموعنا لا تنهمر

وإن لا بد من بكاء

فنحن نبكي مع الوطن

يا أبي... يا أبي... لا تبكِ أبداً يا أبي

 

أنت رويتَ أرضنا

أنت رفعتَ عزّنا

حيّ أنت في قلبنا

لا تنسَ وطني يا أبي

 

يا أبي... يا أبي... لا تبكِ أبداً يا أبي

نسأل حيناً دموعنا

لمَ استشهدت يا أبي

ليحيا لبنان تجيبنا

فافرح فافرح يا ولدي

يا أبي... يا أبي... إفرح إفرح يا أبي

 

 

 

كلمات وألحان: أنطوان نصّار

توزيع: أنطوان نصّار

طوني ديب

سيتو بغداساريان

إعداد الموسيقى: سيتو بغداساريان

الكورس: سيدة لورد - غدير

تسجيل: ستديو جامعة سيدة اللويزة - ذوق مصبح

هندسة الصوت: ماريو ناكوزي

إدارة وإشراف فني: نادين نصّار

 

 

تصوير: نايف درويش

الرقيب بلال صالح