هو وهي

قد يصبح الرجل ولدًا ولا ينفصل عن أمّه عاطفيًا!
إعداد: ريما سليم ضوميط

فماذا يحصل؟
 

تعلّق الولد بوالديه وبأمّه تحديدًا، أمر طبيعي. لكن ماذا لو استمر هذا التعلّق بعد مرحلة البلوغ، خصوصًا عندما نتحدّث عن علاقة الرجل بأمّه؟
هذا الوضع، يتم وصفه في لغة علم النفس بالتبعيّة العاطفيّة للأم، الناتجة عن عدم انفصال الولد عاطفيًّا عن أمّه في مرحلة البلوغ، ما يؤدّي إلى عدم قدرته في مرحلة النضوج، على تأسيس علاقة زوجية سليمة تقوم على العاطفة المتبادلة بين الزوجين. ففي هذه الحالة، تشعر الزوجة وكأنها دخيل على علاقة زوجها وأمّه، وترى نفسها في موقع منافسة، خاسرة سلفًا، مع حماتها!
أسباب هذه الحالة، ونتائجـها السلبيـّة على الزواج، في حديث مع المعالج النفسي إيلي غزال.


عوامل اجتماعيّة
يشير السيد إيلي غزال إلى عدّة عوامل إجتماعيّة تساهم في تمسّك الشاب بذويه، لافتًا إلى أن هذا الارتباط نجده في المجتمعات الشرقية أكثر منه في المجتمعات الغربيّة، والسبب أن العائلة الغربيّة تسعى إلى تنمية «جناحي» الولد بمعنى أنها تربّيه على فكرة مغادرة المنزل عند بلوغه سن الرشد وبالتالي الاستقلال عن الأهل. في المقابل، تحرص العائلة الشرقيّة على «قص جناحي الولد» لأنها تتوقّع منه التشبّث بجذوره والتمسّك بأقربائه وعائلته وأهله. من هنا نلاحظ أن الشاب الشرقي متجذّر في عائلته ويجد صعوبة في الإنفصال عنها.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى بعض الأهل إلى التمسّك بإبنهم الشاب نتيجة شعورهم بعدم الأمان، وذلك لغياب الضمانات الصحيّة والإجتماعيّة بعد سن التقاعد، ما يجعل الولد الضمان الوحيد لأهله.

 


عوامل نفسيّة وعاطفيّة
ويوضح السيد غزال أن تعلّق الشاب بأمّه بشكل خاص، مردّه إلى أسباب نفسية وعاطفيّة مرتبطة بالأم. ويفسّر أنّه على الرغم من التطوّر الإجتماعي في المجتمعات الشرقيّة، فإن المرأة في بعض المواقع، ما زالت تنظر إلى نفسها كعنصر ضعيف تابع للرجل. فهي إما إبنة فلان أو أخت فلان أو زوجة فلان، إلخ.. وهذا ما يجعلها بحاجة دائمة إلى سند ذكوري، يتمثّل عادة بالزوج. فإذا كان الأخير لا يلبّي هذه الحاجة لأسباب مختلفة، منها السفر، أو الوفاة، أو إذا كان ضعيف الشخصيّة أو متسلّطًا أو أنانيًّا، فإن المرأة تجد في ابنها البديل العاطفي عندما تعجز عن الإستثمار عاطفيًّا في زوجها. ويؤكّد السيد غزال أن هذه الحالة لا تنطبق على جميع النساء اللواتي يعانين غياب الزوج أو الحرمان العاطفي، وإنما فقط على الضعيفات منهن. فالمرأة الواثقة من نفسها، المتصالحة مع ذاتها، لا تحتاج إلى سند خارجي ليعوّض لها إحباطها مع زوجها أو يلبّي حاجاتها النفسية أو الماديّة ويمنحها الشعور بالأمان، فهي قادرة على الإكتفاء من خلال قوّتها الذاتيّة.

 

كيف تترجم الأم رغبتها في الاحتفاظ بابنها؟
يقول السيد غزال أنّه في مرحلة العلاقة الأوديبيّة المعروفة، يزداد تعلّق الصبي بأمّه بدءًا من عمر الثلاث سنوات تقريبًا وحتى حوالى السادسة من العمر. ويؤكّد أن هذه العلاقة طبيعية جدًا، لا بل أنها ضروريّة للنمو العاطفي والإجتماعي له، ولكنه يوضح في الوقت نفسه، أنّه من شروط الصحّة النفسيّة للولد أن تنتهي مرحلة الأوديبيّة في السن المحدّدة لها. فالصبي يجب أن ينفصل عن أمّه، وهذا الأمر يمكن أن يتم بصورة طبيعيّة وتدريجيّة عندما يلاحظ الإنسجام العاطفي أو التوافق الزوجي بين والديه. وقد يكون الإنفصال أكثر صعوبة في ظل غياب الأب، ولكنّه ليس مستحيلًا شرط أن تقتنع الأم أن ابنها ليس موضوع استثمار لها وإنمّا هو ابن الحياة التي يجب أن ينطلق إليها باستقلالية تامّة. ويضيف: تقع المشكلة عندما ترفض الأم التخلّي عن ابنها لأحد الأسباب التي تم ذكرها سابقًا، فتحول دون استقلالها عنه، وتجهد من خلال إغراقه بالعاطفة والإفراط في رعايته والعناية به، على استمرار العلاقة الذوبانية بينه وبينها، وهو ما يبقيه في حالة من التبعية الطفليّة على الصعيد العاطفي، حتى ولو تقدّم في مراحل النضج الإجتماعي.

 

إشكاليّة الزوجة-الأم
ويضيف السيد غزال أن هذه العلاقة الأوديبيّة ستؤثّر على علاقات الشاب العاطفيّة لاحقًا في مرحلة النضوج وذلك وفقًا لحدّة الذوبان (خفيف، متوسّط، أو شديد). فكلّما اشتدّت الحالة، انخفضت في المقابل قدرة الشاب على إقامة علاقة عاطفيّة سليمة، لذلك نجد أن بعض الرجال يرفضون الزواج، على الرغم من تيسّر أمورهم الماديّة، وقدرتهم على إنشاء عائلة حيث يختارون البقاء في حضن الأم. ومن يتزوّج منهم، فسوف يبحث بشكل لا واعٍ عن زوجة على صورة والدته، أو أن تمثّلها في خصائصها وسلوكها. وبالتالي فإن الرباط الزوجي يظل في هذه الحالة رهنًا لذلك التعلّق اللاواعي بالأم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى سوء التوافق العاطفي-الجنسي، حيث لا يمكن للبديل أن يحل فعلًا محل الأصيل. سوف تشعر الزوجة في نقص في العاطفة، وستكون دائمًا محط مقارنة بالوالدة، كون زوجها ينظر إليها، في لاوعيه، على أنها والدته. وفي هذه الحالة قد يعجز بعض الرجال عن إقامة علاقة جنسيّة مع نسائهم، أو أنهم بالكاد يمارسون الجنس. حتى أن البعض منهم يمتنع عن الجنس بعد حمل المرأة وإنجابها انطلاقًا من نظرتهم إليها كأم، فالأم مقدّسة بالنسبة إليهم. وهم والحالة هذه، ينظرون إلى المرأة، نظرة ثنائيّة: المرأة الأم وهي القديسة، والمرأة التي تمارس الجنس وهي «إبنة الهوى» لذلك لا يمكنهم استيعاب فكرة أن تكون الزوجة مهذّبة ومحترمة وقادرة في الوقت نفسه على ممارسة الجنس. ولهذا السبب، يبحث البعض منهم عن علاقة جنسيّة خارج المنزل لأن الزوجة في نظره هي مثال الأم التي لا تمس.

 

كيف يمكن للزوجة أن تتعامل مع الوضع؟
عندما يكون تعلّق الشاب بأمّه مرضيًّا، لن تستطيع المرأة، مهما كانت ذكيّة وحكيمة، من منافسة حماتها. فالأم في مرحلة التربية، تعطي بلا مقابل وتبذل الكثير من التضحيات في سبيل أولادها. أما الزوجة فتتوقع علاقة قائمة على الأخذ والعطاء، الأمر الذي يعتبر طبيعيًّا وأساسيًّا في نجاح العلاقات الزوجية الطبيعيّة، ولكنّه لا يساعدها في «معركتها» لكسب قلب زوجها في الحالة المذكورة.
أما عن مواجهة الزوج بالمشكلة، فيرى السيد غزال أنه لن يفيد الزوجة بشيء، لأنّ الزوج سينكر وجود المشكلة كونه غير واعٍ لها في الأصل، وسيعتبر أن كلام زوجته ناتج عن كره لوالدته وأنه تحريض ضدّها. ويؤكد السيد غزال أن الحل لهذه المعضلة هو اللجوء إلى العلاج النفسي، لأن علاقات زوجيّة كثيرة باءت بالفشل من جرّاء هذا التعلّق المرضي. ويضيف: المشكلة أن الرجل لا يعي هذا الصراع الموجود في رأسه. فهو يعتقد أنه يتصرّف بناءً على قيم أخلاقيّة واجتماعيّة. فأمّه ضحّت الكثير من أجله، وتفانت في تربيته، وهذا أقل ما يمكنه القيام به تجاهها.
إكرام الأهل واجب توصي به جميع الأديان السماويّة، وهو أمر مطلوب بشدّة على الصعيدين الاجتماعي والأخلاقي. لكن السيد غزال يوضح أن المقصود بالإكرام، الاهتمام بالأهل والعناية بهم وخصوصًا عندما يصبحون في سن متقدّم، حيث يفترض دعمهم ماديًّأ وعاطفيًّا.
أما أن تحل الأم في لاوعي الشاب مكان الزوجة، فأمر آخر يؤدّي إلى اختلاط الأدوار، وخسارة المرأة حقّها كشريكة، في حين تحصل الأم على العاطفة التي يفترض أن تكون ملك الزوجة. فعندما يتم إهمال الزوجة لصالح الأم، وعندما يعجز الزوج عن توزيع عاطفته باتزان، يصبح إكرام الوالدة حالة مرضيّة تستوجب العلاج.