من هنا وهناك

قراءة أخرى في تاريخ لبنان واللبنانيين
إعداد: جان دارك أبي ياغي

الذاكرة المدَنيَّة للحـرب في لبنان
في سلسلة المحاضرات حول تراث لبنان في جميع وجوهه، أقام مركز التراث اللبناني في الجامعة اللبنانية الأميركية  لقاء حول «الذاكرة المدنية للحرب في لبنان» قراءةٌ أُخرى لتاريخ لبنان واللبنانيين - حالات ونماذج وتوجهات وطنية وتربوية»، مع عضو المجلس الدستوري الدكتور أنطوان مسرّة الذي هو أيضًا عضو مؤسس في «المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم».
حضر اللقاء الذي افتتحه الشاعر هنري زغيب العقيد الركن البحري جوزف الغريب ممثلا قائد الجيش العماد جان قهوجي، وعدد من الشخصيات.
استهل المحاضر كلامه باستعارة من الكاتب الفرنسي ألبير كامو يوم تسلّمه جائزة نوبل العام 1960: «كان عليهم في زمن الكارثة سن نمط حياة ليولدوا ثانية فيناضلوا حاسري الوجوه ضد غريزة الموت الضالعة في تاريخنا»، واستشهد بعبارة للخضر الإبراهيمي (العراق في 14 شباط 2004): «قلت لأصدقائي في مجلس الحكم، وللمسؤولين العراقيين الذين التقتيهم، إنني منهمك قليلا في لبنان. وإذا كان في هذا الجزء من العالم بلد لا يتخيل أحد أن يكون مسرحًا لحرب أهلية، فهو لبنان».
وضع مسرّة محاضرته في 15 نقطة بدءًا من حادثة الجندي اللبناني خالد كحول الذي رفض في كانون الأول 1979 أن يخطف مسلحو حاجز على مستديرة البربير زملاءه الجنود المسيحيين، فاصطدم مع المسلحين حتى انتهى الأمر بأن مرّت الحافلة بجنودها المسيحيين والمسلمين معًا بفضل وطنية هذا الجندي اللبناني البطل. وتحدَث عن «ميثاق جبيل» (21/9/1975) وفيه تنادى رؤساء البلديات والمخاتير في قضاء جبيل وأعلنوا تضامنهم مسيحيين ومسلمين على العيش الواحد وعدم الإنقسام والإختلاف في ما بينهم».
واستشهد مسرة باعتصام الإمام موسى الصدر (28 حزيران 1975) في مسجد العاملية (رأس النبع) حيث تضامن معه رؤساء روحيون من الطوائف اللبنانية جميعها. وذكّر بيافطة «لا للحرب، نعم للسلم» التي وقّع عليها 70 ألف مواطن رافضين الحرب ساعين إلى السلم.
وتذكّر أيضًا عناد الأمير موريس شهاب (سنة 1976) وبقاءه في المتحف الوطني محافظًا على الآثار فيه، كما تذكر صمود النواب في المجلس النيابي (25/10/1975) وكيف رفضوا الخروج بعدما حاصرهم المسلحون خارج المجلس وصرَّحوا يومها للصحافة: «نحن هنا باقون ولن ننقسم ولن نتجزأ».
وفي سياق ذكره أحداثًا إيجابية قام بها المجتمع المدني خلال الحرب ذكر المحاضر أغنية «تعال إلي» لأمل ديبو، وعناد الهيئات الشعبية (خصوصًا في زحلة) التي رفضت إقفال المدارس. كما ذكر زحمة السير على خط التماس بين المتحف والبربير عند انحسار أعمال القنص، وتظاهرة المقعدين من أجل السلام وحقوق الإنسان، والعمل الكبير الذي كانت تقوم به، ولا تزال، جمعية «فرح العطاء»...
وختم بالقول: «إن المجتمع المدني أظهر مقاومة حقيقية خلال هذه الحرب التي سماها غسان تويني «حرب الآخرين على أرض لبنان»، وأشار إلى أن هذه المقاومة المدنية جديرة بأن تكون برنامجًا تربويًا ثقافيًا للجيل الجديد، فكتب التاريخ تذكر أخبار الحكّام ولا تذكر أخبار الناس العاديين في يومياتهم وعائلاتهم وأخبارهم البسيطة، والمقاومة المدنية هي التي أبقت التواصل بين اللبنانيين.