قضايا إقليمية

قراءة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

مزيد من السنوات العجاف

يُحمِّل المراقبون والنخب السياسية الإسرائيلية النظام الانتخابي المسؤولية الاولى عن إخفاق الحكومات المتعاقبة في كيان العدو، في الحفاظ على ائتلاف مستقر. وعلى الرغم من أن هذا النظام يعكس تعدد التيارات السياسية في المجتمع،
فإنّ ستة برلمانات فقط (من أصل 19) تمكّنت من إكمال ولايتها القانونية.

 

النظام الانتخابي
 يعتمد النظام الانتخابي الإسرائيلي على التمثيل النسبي، كما أن عدد المقاعد الذي تحصل عليه كل قائمة في الكنيست (مجلس النواب) يتناسب مع عدد الناخبين الذين صوتوا لها. ويجب على أي حزب أو قائمة تخطي نسبة الحسم أي عتبة 3،25% على الأقل من مجموع الأصوات الصالحة (الحد الأدنى للتأهل لدخول الكنيست). ووفق هذا النظام يصوت الناخبون لقائمة الحزب وليس لشخص بذاته في القائمة.
يتألف الكنيست من 120 مقعدًا، وهو الهيئة التشريعية التي لها سلطة سنّ القوانين في إطار النظام السياسي الذي يفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. تحصل القوائم التي حققت حدّ التأهل الآنف الذكر، على عدد من مقاعد الكنيست يتناسب مع حجمها الانتخابي. ويتم هذا بقسمة الأصوات القانونية الممنوحة للقوائم (التي بلغت الحد المذكور)، على 120 لتحديد عدد الأصوات التي تخول قائمة ما الحصول على مقعد واحد.
تجري انتخابات الكنيست عادة، مرّة كل أربع سنوات، لكن يحق لهذا المجلس قانونًا أن يقرر بموجب غالبية عادية حلّ نفسه والدعوة لانتخابات مبكرة، كما ويمكنه أن يستمر لأكثر من أربع سنوات أيضًا. في هذا السياق قرر الكنيست تبكير الانتخابات ثماني مرات منذ تشكيله، كان آخرها الدورة الـ19 التــي انتهــت بفــوز نتنياهــو خلافًا لما كان متوقّعًا.
 

الأجواء التي جرت فيها الانتخابات
خاض نتنياهو الانتخابات في ظل اتهام المعارضة له بافتقاد المؤهلات القيادية اللازمة لمواجهة التحديات التي تعصف بإسرائيل. واعتبر معارضون له أن كل ما يعنيه هو ضمان مستقبله السياسي والبقاء في ديوان رئيس الحكومة. ووصل الأمر برئيس الموساد السابق مئير دغان (الذي يوصف بأنه «بطل إسرائيل» بسبب سجله الإجرامي الضخم ضد الفلسطينيين والعرب)، إلى حدّ الإجهاش بالبكاء خلال إلقائه كلمة في مهرجان نظّم في تل أبيب، وهو يحاول إقناع الرأي العام الإسرائيلي بعدم منح نتنياهو الفرصة «لكي لا يقضي على المشروع الصهيوني»، وفق تعبيره. لقد تم تحميل نتنياهو مسؤولية الفشل في الحرب على غزة والعجز عن «ردع» حركة حماس، مع العلم أن هذا الاتهام وجّهه إليه أيضًا شركاؤه في اليمين، وخصوصًا وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان. واتهم نتنياهو بأنه المسؤول المباشر عن تعاظم المشروع النووي الإيراني بشكل كبير، حيث زعمت النخب الأمنية، التي سبق لها أن عملت معه، أنّه خلال السنوات الست الأخيرة من حكمه تعاظم المشروع النووي الإيراني خمس مرات. والأكثر من ذلك، أنه تمّ تحميل نتنياهو المسؤولية عن الأزمة غير المسبوقة في العلاقات مع الولايات المتحدة، الحليف الرئيس لإسرائيل، مع العلم أن رئيس الوزراء الليكودي الأسبق إسحاق شامير فشل في انتخابات 1992 بعد اتهامه بتخريب العلاقات مع واشنطن. وفي الوقت ذاته، زخرت وسائل الإعلام بقصص وروايات حول مظاهر الفساد في بيت نتنياهو، ولا سيّما تلاعب زوجته سارة بالأموال العامة المخصصة للمقر الرسمي للعائلة، ناهيك عن إيراد الكثير من الأدلة على تدخلها في شؤون الحكم. فكيف فاز في الانتخابات؟

استغلال الدوافع العنصرية
عندما أعلن نتنياهو تقديم موعد الانتخابات التشريعية كان يدرك أن الاستحقاقات الخارجية والداخلية الداهمة ستفيض بتراكماتها وتداعياتها عليه، ما يعني المخاطرة بالسقوط في فشل ذريع في هذه الانتخابات. لذا فضل استباق الجميع وتوجيه ضربته الخاطفة لخصومه وأخذهم على حين غرة، مستغلًا الدوافع العنصرية التي تحرّك الإسرائيليين، فخاطبهم قائلا: «استيقظوا، العرب (يقصد فلسطينيي 48) يندفعون كالبركان إلى صناديق الاقتراع، هل تقبلون أن يتم إسقاطي لتتشكل حكومة يسار بدعم من العرب فتتنازل عن القدس وتفرّط بحقنا الوطني في هذه البلاد»؟ واستغل نتنياهو تصريحات صدرت عن بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية الذين أكدوا رغبتهم في فوز اليسار الصهيوني، وصاغ شعارًا عنصريًا دغدغ مشاعر الغالبية اليهودية، قائلًا «إن ما يخدم الفلسطينيين لا يمكن أن يخدم اليهود».
على ضوء ما تقدم أدلى الإسرائيليون في 17 آذار الماضي، بأصواتهم لاختيار (الكنيـــست) العشــريـــن. وانتــهـــت الانتخابات بفوز الليكود بزعامة نتنياهو بـ23.4% من الأصوات مما أعطاه ثلاثين مقعدًا من أصل 120. وحقّق بالتالي فوزًا عريضًا على «المعسكر الصهيوني» الذي حصل بشقّيه (العمل بزعامة إسحاق هرتسوغ والحركة بزعامة تسيبي ليفني) على 24 مقعدًا. واكتسبت هذه الانتخابات أهميتها الخاصة لكونها مثّلت اختبارًا لشعبية نتنياهو وقدرته على حشد معسكر اليمين الإسرائيلي بقضه وقضيضه خلفه، إضافة إلى أنها شهدت أول مواجهة بين حزبي الليكود والعمل منذ خسارة الأخير الانتخابات -عندما كان يتزعمه إيهود باراك في العام 2000- لمصلحة الليكود بزعامة أرييل شارون.
نتنياهو هو حفيد حاخام وابن مؤرخ صهيوني متشدد، والدعاية الانتخابية الخاصة به أظهرته كمدافع أمين عن أمن إسرائيل العسكري بوجه إيران أولًا، وما يسمى «الإسلام المتطرف» ثانيًا.
ونتنياهو -القريب من مدرسة المحافظين الجدد في اميركا- كان قد أمضى فترة شبابه كلّها في الولايات المتحدة، وكان في العام 1996 أصغر رئيس وزراء لإسرائيل، ومن أوائل من ولدوا فيها بعد إعلانها دولة (1948).

خداع وتضخيم وتضليل
معلوم أن نتنياهو اعتاد على اتّباع أساليب الخداع والتضخيم والتضليل في الدورات الانتخابية الماضية حيث كان يقدّم نفسه، كما فعل سابقوه من قادة العنف وسفك الدماء في إسرائيل، مثل ديان ورابين وشارون وبيغن وباراك، الذين ظهروا بوصفهم الأقوى والأقدر على حماية مواطنيهم الخائفين المرعوبين. فهو رافع الشعار الشهير (1996): «زعيم قوي لأمة قوية»، وهو القائل في العام 2003: «رئيس وزراء قوي لـ«إسرائيل» قوية»، وفي الحملة الأخيرة رفع شعارًا مماثلًا: «إما نحن وإما هم».
 

لا مكان للأوهام
ما يهمنا في هذه اللحظة من التطورات بعد حصول ما حصل في الانتخابات الإسرائيلية، أن سنوات أربعًا عجافًا، تنتظر الفلسطينيين والعرب داخل «الخط الأخضر» وخارجه... فالرجل الفائز كشف في معركته الانتخابية عن جوهر برنامجه ومعتقداته التي سبق له أن عرضها في كتابه العنصري «مكان تحت الشمس». فلا مكان في قاموسه السياسي لدولة فلسطينية ذات سيادة، والقدس هي العاصمة الأبدية الموحدة لما يسميه الدولة اليهودية، ولا قيود على الاستيطان، ومن باب أولى لا مجال للتّفكير في حق العودة للّاجئين الفلسطينيين المشردين في أربع رياح الارض.
للأسف، ثمة من راهنوا من منطلق خداع الذات وتسلية النفس بأوهام اليقظة على «تغيير ما» قد يحصل في سياسة إسرائيل الخارجية بنتيجة الانتخابات المصحوبة بأزمة في العلاقات مع واشنطن، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام سنوات صعبــة من المواجهــة مع شرذمــة عاتيــة من الغـلاة والمتطرّفين الرّافضين للسلام العادل ولحلّ الدولتين وخيـار المفاوضـات.