قضايا دولية

قرار مجلس الأمن حول الاستيطان
إعداد: د. أحمد سيف الدين
ضابط متقاعد

اسرائيل لم ترفض وحسب بل فرضت أمرًا واقعًا مرّة أخرى


أصدر مجلس الأمن قرارًا يحمل الرقم 2434 (تاريخ 23/12/2016) أدان فيه سياسة الاستيطان التي تتبعها سلطات الاحتلال في القدس الشريف وأراضي الضفة الغربية. وطلب من دولة العدو التوقف عن إجراءاتها الهادفة إلى قضم الأراضي الفلسطينية وتغيير جغرافيتها وديموغرافيتها. كما أعلن القرار بطلان جميع الأعمال التي يقوم بها العدو، وعدم اعتراف المجتمع الدولي بها، وطلب من فريقي النزاع، الفلسطينيين ودولة العدو، التفاوض لحلّ المسألة بالوسائل السلمية، وعلى قاعدة قيام دولتين .

 

قبل أن يجفّ الحبر
كان لافتًا صدور القرار بغالبية أربعة عشر صوتًا من أصل خمسة عشر، هم مجموع أعضاء مجلس الأمن، وذلك بامتناع الولايات المتحدة عن التصويت. وقد جاء مشابهًا تمامًا لمضمون القرار الرقم 446 الصادر عن مجلس الأمن خلال العام 1979. وأوجه الشبه لم تقتصر على المضمون، بل شملت أيضًا ظروف الإصدار، والدول التي تقدمت بمشروع القرار، كما أن القرارين استندا إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة. ومعلوم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أصدرت عشرات التوصيات في هذا المجال، لكن دولة العدو رفضت تنفيذها.
الردّ الإسرائيلي لم يكن مختلفًا عمّا درج عليه العدوّ من مخالفة القواعد الدولية، فقبل أن يجفّ الحبر الذي كُتب فيه القرار، بادرت دولة العدو إلى إعلان عزمها على بناء عشرات المستوطنات الجديدة، وقدمت إلى الكنيست اقتراح قانون يرمي إلى مصادرة أراضي الفلسطينيين من دون أن يكون لهم الحق بمراجعة المحاكم الإسرائيلية. ووصفت دولة العدو القرار بأنه «سخيف ومشين وقالت إنها ستعمل مع أصدقائها على محو آثاره الضارة»، فيما اعتبره الفلسطينيون «نصرًا للقانون الدولي» و«صفعة للسياسة الاسرائيلية»، أمّا بقية دول العالم فقد رحبت به بمعظمها. إذًا لم يكتف العدو برفض القرار وحسب، بل عمد إلى تنفيذ ما يخالفه تمامًا، وهذا إثبات آخر على تعنته ورفضه لقرارات الشرعية الدولية وعدم التزامه إياها، وصولًا إلى الاستهزاء بالإرادة الدولية.

 

ملزم أم غير ملزم؟
يعتبر القرار غير ملزم إلا إذا قبلت به الدولة الموجه إليها (دولة العدو) فرفضها له يجعله قرارًا غير ملزم. لكن ثمّة رأي يقول إن القرار ملزم للعدو استنادًا إلى المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، إلّا أن نصّ هذه المادة جاء في سياق عام، بينما يتطلب الطابع الإلزامي لقرارات مجلس الأمن الاستناد إلى مواد الفصل السابع، والتي تتضمن اتخاذ إجراءات رادعة في مواجهة الدولة التي ترفض تنفيذ القرارات المسندة إلى هذا الفصل، بما فيها استخدام القوة العسكرية لردع الدولة المتمردة على الشرعية الدولية. ومعلوم أن قرارات مجلس الأمن المتعلّقة بالصراع العربي - الإسرائيلي جاءت بمعظمها استنادًا إلى الفصل السادس، تلافيًا لاستعمال أي دولة كبرى وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركية حق النقض (الفيتو) وبالتالي إبطال القرار وإجهاضه قبل صدوره .
في المقابل، إنّ رعاية أي إقليم يقع تحت الاحتلال وإن كانت الأعمال التي تقع فيه تتحمل مسؤوليتها الدولة المحتلة، تبقى على عاتق الشرعية الدولية الممثلة بمنظمة الأمم المتحدة. فقيام المنظمة كان بالأساس لحفظ السلم الدولي، وقد كفل ميثاقها حق تقرير المصير، ونبذ سياسة العدوان والقوة في العلاقات الدولية.
إنّ تكرار مضمون القرارات الدولية سواء صدرت عن مجلس الأمن أو أوصت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو كانت فتاوى لمحكمة العدل الدولية، يمنحها قوة إلزامية، لأنها تعبّر عن توجّه المجتمع الدولي وإرادته.
فالمواثيق الدولية والقانون الدولي الإنساني وغيرها من القوانين الدولية، تقضي بالتزام الدولة المحتلة قواعد وأعرافًا تؤدي مخالفتها إلى تطبيق قواعد القضاء الدولي الجزائي، مما يتيح ملاحقة كبار المسؤولين في سلطة الاحتلال عن أفعالهم الجرمية وفق قواعد المسؤولية الفردية. ومن هذه الأفعال، الاستيطان ونقل السكان والتهجير والقتل والجرائم الأخرى التي يعاقب عليها القانون الدولي .

 

الاستيطان في القوانين الدولية
إنّ الاستيطان مخالف لنصوص الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والإعلان العالمي للحقوق السياسية، والإعلان الخاص بمبادىء القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودّية والتعاون بين الدول، ولاتفاقيات جنيف الأربعة المؤرخة في 12 اب 1949، وخصوصًا الاتفاقية الرابعة. وتسري أحكام هذه الاتفاقية فور نشوب حالة الحرب، وهي تفصّل القواعد الواجب اتباعها، وتنصّ على حماية الأرض والبشر، وعدم هدم منازل سكان الإقليم المحتل. ويضاف إلى الاتفاقيات السابقة، البروتوكولان الملحقان بها (6، 10، 1977).
كما ينصّ نظام المحكمة الدولية الجنائية الدائمة المعروف اختصارًا بنظام روما، على اعتبار الاستيطان جريمة حرب معظم الاحيان، وهو يعتبر جريمة ضدّ الإنسانية إذا جاء في سياق جرائم الاضطهاد التي تحصل في حالات السلم.
أخيرًا، وعلى الرغم من رفض دولة العدو له، يبقى هذا القرار في غاية الأهمية وتترتب عليه نتائج إيجابية، فهو صكّ تجريم دولي لسلطات الاحتلال، ويمكن البناء عليه في المحافل الدولية، وتطويره لاستثماره في مواجهة جرائم العدو، وفق الآليات القانونية التي نصّت عليها القوانين الدولية .

 

المراجع:
• موقع الجزيرة الالكتروني، 24/12/2016 .
• موقع وكالة معًا الإخبارية، 23/11/2016، وموقع جريدة الخليج، 2 كانون الثاني 2017.
• جاء في المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، الآتي: «يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق».
• الدكتور محمد المجذوب، التنظيم الدولي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2005، صفحة 201.
• اتفاقية جنيف الرابعة (12 آب 1949) المادة 49: «لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل سكانها إلى الأراضي المحتلة».
• نظام المحكمة الدولية الجزائية الدائمة (نظام روما) المادة 8-2-ب-8: تعتبر جريمة حرب الجرائم التالية ... «قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها ...».