متاحف في بلادي

قرية بدر حسون البيئية
إعداد: جان دارك أبي ياغي

رسالة عطرة من قلب الشرق لبنان إلى كل العالم
والصابون من حرفة يدوية إلى صناعة ماسية

 

قرية من نوع آخر، «صديقة للبيئة» تصنع مختلف أنواع الصابون العطري والعلاجي والزيوت، وصولاً إلى الكريمات ومستحضرات العناية بالبشرة، وجميعها منتجة من «روح الطبيعة» ومن دون أن تدخل في تركيبتها أي مادة كيميائية.
إنها قرية بدر حسون البيئية التي بناها «حجرًا حجرًا» منذ ما يقارب خمس سنوات، وبالأشكال التراثية التقليدية حتى باتت قبلة لمحبي التراث والمواد الطبيعية.


حكاية مكان
في محلة ضهر العين (الكورة شمال لبنان)، تقع قرية بدر حسون البيئية التي بدأ العمل على بنائها منذ العام 2012، وهي مبنية وفق معايير منظمة الصحة العالمية، وحائزة على ترخيص من «ايزو» للجودة والنوعية.
عندما وصلنا إلى القرية، كان في استقبالنا مدير الاستقبالات والتشريفات محمود مطر الذي رافقنا في جولة استكشافية للتعرّف إلى أقسام القرية وموجوداتها. البداية كانت من الأقسام الخارجية والمباني، إذ تمتدّ القرية على مساحة 30 ألف متر مربع، وتضمّ بناءً أثريًا، إدارة الجودة والمختبرات حيث تجرى كل الأبحاث والتجارب، قسم الانتاج- المصنع، حيث تصنّع منتجات خان الصابون، وتصدّر إلى بقاع الأرض، معصرة الزيتون حيث تعصر أنواع الزيوت التي تستخدم في منتجات خان الصابون، مكاتب إدارية، مطبخ الصابون، مطعم قروي يقدم مأكولات عضوية طبيعية، فرن الضيعة ومناقيش على الصاج. هذا ليس كل شيء، فثمة منتجع صحي مؤلّف من 3 مغاور في أسفل كعب الوادي صحيح أن العمل به لم يبدأ بعد، لكنه سيبدأ عن الانتهاء من وضع الخرائط الهندسية. يعيد هذا المنتجع قاصديه إلى الحياة الطبيعية التي كان الأجداد يعيشونها قبل مئتي عام. الوصول إليه سيكون بواسطة الحمير لا المركبات، الزائرون سيرتدون الملابس اللبنانية التقليدية، ويقيمون في مغاور وليس في غرف. أما الطعام فعضوي مئة في المئة من مزارع القرية (تضم أبقارًا وخرافًا ودجاجًا) وحدائقها (إكليل الجبل، بابونج، شاي أخضر تستعمل في منتجات القرية، إلى جانب أنواع أخرى من أشجار الفواكه والخضار العضوية). أمّا المتحف، فهو الأكبر من نوعه في العالم، حيث الصابون أشكال وأنواع وعطور، وتضم القرية أيضًا مباني سكنية لحسون وأبنائه، ولبقية عائلته المكوّنة من 61 شخصًا يعملون معًا كـ «خلية نحل».
في مكتبه، روى لنا بدر حسون (حائز على دكتوراه فخرية في «علاج المساج» من جامعة FIMA في لندن)، حكايته وكيف بنى قريته البيئية حجرًا حجرًا. يتحدث عن الجهود التي بذلها مع أبنائه. وعن المعاناة التي واجهته قبل أن يتحول الحلم إلى حقيقة، فأنبتت وتتحول القرية معلم سياحي لبناني.
بهذه المواصفات احتلّت هذه القرية المركز الأول في العالم، كأوَّل قرية بيئية عربية نموذجية تعنى بالصناعة والسياحة البيئية، وتستثمر في الاقتصاد الأخضر.
 

تاريخ طويل
تعود صناعة الصابون لدى آل حسون إلى العام 1480، وقد توارثتها أجيالهم عبر 15 جيلًا وقد تطور هذه الصناعة وحوَّلها إلى صناعة صديقة للبيئة، متخليًا من أجل ذلك عن عالم الذهب: «لعب القدر دورًا في وصولي إلى ما أنا عليه اليوم. فبعد سرقة معمل ومتجر الذهب الذي ورثته عن والدي، نصحني أحد أقاربي بالعودة إلى حرفة أجدادي. فخلعت الثوب الذي كنت أرتديه لأعوام، وبدأت من الصفر في المادة وليس في المعرفة بصناعة الصابون». وأضاف: «في البداية اعتمدت الطريقة الأهلية التقليدية في محترف خان الصابون الشهير في طرابلس، فوجدت إقبالاً من التوّاقين للصابون البلدي المفقود، ما شجّعني على المتابعة والابتكار».
إذا كان البعض يتغنّى بحبه للطبيعة، فإنّ ابن سير الضنية عمل على حمايتها، وقد أعلن مرارًا «أنا بيئي حتى العظم، وأعشق المحافظة على الطبيعة من خلال مهنتي التي جعلت الدورة الاقتصادية بيئية. فالجميع يستفيد من البيئة، المزارع الذي يزرع أو يربي الحيوانات، والمصنع الذي ينتج. وأنا أعلف البقر بطعام عضوي كي ينتج حليبًا صحيًا. علاقتنا مع أمنا الطبيعة لا تضرّ، فهل من أم تضرّ بولدها»!
وعن سبب تسميته لمصنعه بـ «القرية» قال: «لأنه يحتوي على كل مقوماتها. مبدأ صناعتي هو مبدأ القرية التي تعتمد على إنتاج سكانها، وهدفي العودة إلى الطبيعة الأم ولغتها».

 

«ابن عيلة»
تلقى منتجات القرية رواجًا كبيرًا في الأسواق الخارجية لجودتها العالية، وفق ما يؤكد بدر الذي يقول: «نحن أول من صدّر الصابون إلى مرسيليا، وها هي منتجاتنا تغزو الصين وأميركا وأوروبا بالإضافة إلى الدول العربية، ولدينا 1400 صنف من الزيوت الطبيعية العضوية المنتجة من الأعشاب، كالخزام والمرمية وأكليل الجبل، ونحو 700 نوع من الصابون». ويضيف: «صابوننا ابن عيلة». عطره يدوم على الجسم 24 ساعة، سواء كان من المسك أو العنبر أو الياسمين وغيره الكثير. والصابونة التي تخرج من مصنعنا تحوّل الاستحمام من روتين يومي إلى متعة.
لا يخفى على أحد ما للعطور الشرقية من تأثير على نفسية الإنسان. من هنا، تبحث عائلة حسون دائمًا عن الابتكارات لتطوير منتجاتها، وهي لذلك تعقد اتفاقات مع الجامعات لتطوير المختبر ومراكز الجودة، ولديها أطباء واختصاصيون في الأعشاب يضعون كل طاقاتهم لإنتاج الأفضل.

 

مراحل التصنيع
أولاً، يتم تقطير الأعشاب التي تدخل في صناعة الصابون، من بعدها يطبخ الصابون على طريقة الطبخ الحامية، ثم يتم إدخال ماء الأعشاب الطبيّة العطرية.
وتستغرق عملية الطبخ من 8 الى 16 ساعة، تعقبها عدة أيام يترك خلالها الصابون لينشف، ثم يطبخ على البخار وتدخل إليه الأعشاب ثم يضاف العسل. وأخيرًا يتم التغليف بالطريقة اليدوية، وتختّم كل صابونة حفاظًا على هويتها.
تخضع المواد الأولية للفحوصات في مختبرات خاصة بما في ذلك المياه، وكذلك المنتج بعد نهاية عملية تصنيعه.
 

أكبر متحف لصناعة الصابون في العالم
يحتوي المتحف على أكثر من 1400 صنف من الصابون والزيوت العضوية (كريمات، شامبو، مستحضرات العناية بالبشرة، زيوت لمعالجة الشعر، وأخرى لعلاج المشاكل الجلدية...)، والعطرية المعروفة في الشرق (كالليالي العربية، العود السلطاني، سحر الحب ودهن العود). وقد اعتمد في تطوير هذا الإنتاج أحدث التقنيات التي حوّلت الصابون إلى أسطورة، وجعلت المتحف الأكبر في طريقة تصنيعه وتحضيره للصابون في العالم.
من الأنواع التي ينتجها حسون:
• صابون العلاج العطري: وهو في 3 فئات، لكل منها خليط مكوناته الخاصة وطريقة تصنيعه وتحضيره.
• صابون الأعشاب الطبية: هو خليط ينتج رغوة غنية ورائحة طبيعية، مكوّن من الأعشاب والزهور الطبيعية التي قد تصل إلى 200 نوع.
• الصابون التقليدي وصابون الزفاف.
• الصابون العلاجي: هو مجموعة من التراكيب الدوائية. اعتاد الحكماء استخدامه من أجل علاج مشاكل البشرة.
• الكريمات العطرية، وكريمات العناية بالبشرة.
قبل أن تخرج من المتحف، نمّر في قسم خاص حيث وضعت كركة تقطير الأعشاب والزيوت، وهي فريدة من نوعها إذ لا مثيل لها في العالم سوى واحدة في فرنسا.

 

أغلى صابونة في العالم
تراوح أسعار منتجات بدر بين 10 إلى 2800 دولار، وهو سعر أغلى صابونة في العالم صنعتها عائلة حسون. تحتوي هذه الصابونة على 17 غرامًا من بودرة الذهب الصافي (عيار 24)، وثلاثة غرامات من بودرة الألماس، ممزوجة بخيرات الطبيعة، من زيت الزيتون النقي، وعسل النحل العضوي إلى العود المعتّق والبلح وغيرها، وقطعة من الذهب تحمل اسم قطر، ويمكن الاحتفاظ بها بعد استخدامها. استغرق تصنيع هذه الصابونة 6 أشهر، ودخلت في موسوعة الأرقام القياسية العالمية «غينيس» في قطر.
وعندما تعود من جولتها على المتاحف في العالم، سوف تقيم في برج خاص صنع لها.
ويؤكد حسون «أن هذه الصابونة ليست مصنوعة للـ«فانتزي»، بل لها فوائد عضوية ونفسية وروحية. فهي تزيد من أنوثة المرأة وتحافظ على جمال بشرتها. ومن المعلوم أن معدن الذهب يزيد من هرمون الأنوثة، ولهذا السبب، تعشق المرأة الذهب لأنه يُحسّن نوعية الجلد ويعالج الأكسدة». أما الهدف من صناعتها، فيقول: «بعد أجواء الاقتتال في لبنان، قررنا أن نبعث رسالة معطّرة إلى العالم، وهي أن بلدنا بلد الحضارة والثقافة، وبإمكانه أن يصدّر رائحة طيبة وليس فقط رائحة التفجيرات».
بعد مسيرة 18 عامًا، يؤكد بدر حسون أن الجودة سفيرة عائلة بدر حسون الذي مثّل وأولاده لبنان في مختلف أصقاع الأرض.
وفي الختام، وجّه بدر حسون عبر «مجلة الجيش» دعوة إلى ضباط الجيش وعناصره لزيارة القرية البيئية، وأشاد بالدور الوطني للجيش العمود الفقري لكيان الدولة، مثمّنًا تضحيات شهدائه.