تحقيق عسكري

قسم التعاون العسكري – المدني (CIMIC)
إعداد: روجينا خليل الشختورة

إطار جديد لتراث راكمه أداء الجيش منذ مطلع تأسيسه

 

ترد عبارة التعاون العسكري - المدني (Civil Military Cooperation - Cimic)، في كثير من أخبار القطع العسكرية وفي معرض الإشارة إلى نشاطات يقدم الجيش من خلالها خدمات للمجتمع تقع خارج نطاق مهماته الدفاعية والأمنية.


قسم جديد
منذ فترة، أنشأت قيادة الجيش قسم التعاون العسكري - المدني، وهو قسم منظم وفاعل، يتبع لأركان الجيش للعمليات- مديرية الإستعلام، وقد باشر تنفيذ عدة مشاريع بدعم وتمويل من الولايات المتحدة الأميركية (وزارة الدفاع والسفارة الأميركية في لبنان). عن القسم ومهماته، يحدثنا مدير الإستعلام العميد الركن خالد طربين ورئيس القسم العقيد يوسف مشرف.
بداية يوضح العميد الركن طربين أنه وفق قانون الدفاع الوطني الرقم 102 (16/9/1983)، يمكن استخدام القوى المسلحة في الحقول الإنمائية والإجتماعية شرط ألا يعيق ذلك مهماتها الأساسية. يقرر هذا الاستخدام بموجب مرسوم بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني والوزير المختص. وعليه، يمكننا الاستنتاج بأنّ القانون اللبناني قد أفسح المجال أمام الجيش اللبناني في المساهمة بالعمل الإنمائي والاجتماعي إنّما بشرطين:
أولاً: ألاّ يعيق ذلك مهمته الأساسية وهي الدفاع عن الوطن وصيانة حدوده.
ثانيًا: أن يحدّد هذا الاستخدام ومدته بمرسوم بناء على اقتراح وزير الدفاع والوزير المختص، أي إن هذا الاستخدام مرتبط ومحدّد بمرسوم صادر عن الجهات الرسمية المختصة.
في الواقع، شارك الجيش اللبناني منذ تأسيسه في مساعدة المواطنين مستفيدًا من كفاءة عناصره وتجهيزاته وانتشاره. فقد ساهم في مكافحة الجراد بين العامين 1928 و1930، وفي فتح الطرقات الجبلية التي كانت تقفلها الثلوج وفي إنقـاذ المواطنين العالقين، وكان لوحداته دور كبير إثر الزلزال الذي ضرب لبنان في خمسينيات القرن الماضي، كذلك عمل على شق الطرقات وإيصال العمران إلى الأطراف النائية...
وبعد العام 1990، برز دور الجيش اللبناني بشكل فاعل في مسح آثار الحرب عن المدن والقرى، ونزع الألغام وفتح الطرقات، كما أنه ساهم في بناء مؤسسات الدولة المدنية التي كانت شبه مشلولة. فساعد وزارة البيئة في تنظيف الشواطئ ووزارة السياحة في تنظيف الآثار وتأهيلها، كما ساعد وزارة الصحة من خلال إنشاء المستوصفات في القرى النائية وتقديم أطباء عسكريين المعالجة المجانية للمواطنين في هذه القرى.
ومن خلال الدورات العسكرية التي تابعها الضباط في الولايات المتحدة الأميركية وفي الدول الأوروبية وغيرها، ووجود قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، دخل مصطلح التعاون العسكري - المدني إلى الجيش اللبناني، وبدأ يستعمل منذ العام 2009 مع التركيز على تحديد أطره وآلياته.
والعام 2011، تم إعطاء هذا الموضوع دفعًا جديدًا من خلال اجتماعات منسقة بين الجيش اللبناني وفريق من الأمم المتحدة. وقد أنشأت قيادة الجيش بناءً على نتائج هذه الاجتماعات قسم التعاون العسكري - المدني في أركان الجيش للعمليات - مديرية الاستعلام، وحددت له مهماته.

 

إستراتيجية حصرية قيد الصياغة
تعددت نماذج أقسام التعاون العسكري - المدني في الجيوش الغربية، فكل دولة إعتمدت ما يتناسب مع إمكاناتها، ومع تنظيم جيشها، والمهمات المناطة به خارج حدودها، خصوصًا أن حجم هذا القسم يرتبط إرتباطًا وثيقًا بسياسة الدولة العسكرية الخارجية. فإذا كانت الدولة ذات طموحات عسكرية خارجية (وقائية أو عدائية) نجد أن قسم التعاون العسكري - المدني فيها يكون كبيرًا من حيث العدد والعتاد الموضوع بتصرفه. وفي الولايات المتحدة الأميركية هو عبارة عن فوج من الوحدات الخاصة.
أما إذا كانت الدولة ذات طموحات عسكرية خارجية مضبوطة تحت مظلة الأمم المتحدة في مهمات حفظ سلام أو قوات إغاثة، فنجد أن هذا القسم لديها يكون صغيرًا الى حدّ ما، يراوح ما بين مجموعة صغيرة واحدة تعمل مع الوحدة المنتشرة في الخارج، وتوزع عملها بين مختلف وحداتها كفرنسا مثلاً، وبين مجموعات صغيرة عضوية من مستوى كتيبة وما فوق كإيطاليا.
إعتمد الجيش اللبناني نموذجًا خاصًا به يتوافق مع تنظيمه ومهماته. فالجيش قسم لبنان إلى خمس مناطق عسكرية ولكل منها مركز قيادة وقائد، تحدد القوانين المعمول بها في الجيش واجباته ومهماته كما تحدد أصول إرتباط الوحدات المنتشرة ضمن النطاق الجغرافي للمنطقة مع مختلف إداراتها.وقد خصص لكل منطقة مكتب تعاون عسكري  - مدني.
 

مهماته
يرتبط قسم التعاون العسكري - المدني بأركان الجيش للعمليات - مديرية الاستعلام ويتولى المهمات الآتي ذكرها:
- التنسيق مع وزارات الدولة المعنية والهيئات المانحة لتقديم خدمات (إنسانية، إجتماعية وإنمائية).
- الاتصال بالسلطات المحلية (بلديات، هيئات أهلية...) لدرس الحاجات الحياتية، الإنمائية وغيرها.
- الإشراف على تنسيق الأعمال الإنمائية لقطاعات القوى المنتشرة عملانيًا.
- رفع تقارير دورية عن الأعمال المنفذة ومدى تأثيرها على المدنيين.

 

المشاريع المنفّذة عمليًا
شرح العقيد مشرف أنه وعلى الرغم من عدم انتهاء العمل في استراتيجية التعاون العسكري – المدني، قامت وحدات من اللواءين السادس والثاني عشر المنتشرة في بعض مناطق محافظتي الشمال والبقاع، بتوزيع 2500 حقيبة مدرسية تتضمن كميات من القرطاسية على تلامذة المدارس الرسمية. هذا المشروع كان الأول للـ CIMIC وبلغت كلفته 50.000 دولار أميركي. وقد شملت عملية التوزيع 21 مدرسة في منطقة الهرمل وبلدات عرسال والقاع ورأس بعلبك والجديدة، و7 مدارس في مناطق بعل محسن والتبانة والقبّة.
أما المشروع الثاني (بكلفة 75.000 دولار أميركي)، فكان حملة تلقيح واسعة ضد جرثومة الأنفلونزا لتلامذة المدارس الرسمية في محافظات الشمال والجنوب والبقاع، قامت بها الطبابات العسكرية في المناطق، وقد شملت نحو 9600 تلميذ موزعين على 52 مدرسة في 30 بلدة من المحافظات المذكورة.
وفي الإطار نفسـه قامت وحدات من فوج الحدود البرية الثاني في شدرا، بتوزيع ألبسة شتوية على المواطنين في عدد من بلدات منطقة وادي خالد (بكلفة 125.000 دولار أميركي)، وكان هذا المشروع الثالث في إطار التعاون العسكري – المدني بين الجيش ووزارة الدفاع الأميركي.

 

... ومستقبليًا
خلال إعداد استراتيجية التعاون المدني – العسكري، وضعت خطة عمل لمدة خمس سنوات، بدأت من آب 2012 بإدخال مفهوم CIMIC في الجيش كهدف أولي. وبعد جهوزية الخطة واكتمالها وموافقة القيادة عليها وتعيين العديد للتنفيذ، سيتم العام 2013 تفعيل عمل قسم الـCIMIC وتطبيق نموذج تجريبي PILOT PROJECT (نشاط طبي في منطقة الشمال مثلًا).
والعام 2014، سيتم تفعيل عمل القسم في قطاع جنوب الليطاني وإنشاء قسم آخر في منطقة الشمال من خلال إطلاق حملات توعية (منشورات + كتيبات + مذكرات خدمة...) لشرح مفهوم CIMIC، إضافةً إلى تدريب العناصر وإجراء محاضرات في معهد التعليم، معسكر عرمان، الكلية الحربية، كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان وجامعات مدنية.
أما للأعوام 2015، 2016 و2017 فتتمثل الأهداف بإنشاء قسم في منطقة البقاع وآخر في منطقة جبل لــبنان، والقيام بعدة نشاطات حملات تشجير، مباريات رياضية، رش مبيدات، ونشاطات طبية مختلفة تحدد في حينه وفق الحاجة.