وجوه وأسماء

قصاصة ورق تحفظ تاريخاً
إعداد: ريما سليم ضوميط

طوابع تخلّد اسماء نخبة من المبدعين اللبنانيين


في أواخر حزيران الماضي شهد لبنان حدثًا ثقافيًا إخترق جدار الواقع السائد، وأعادنا في الذاكرة إلى لبنان الثقافة والحضارة الذي نفتقده بشدة.
الحدث هو تخليد أسماء نخبة من أعلام الفن والثقافة ممن خلدوا اسم لبنان في العالم، وذلك بإصدار طوابع بريدية تحمل أسماءهم وصورهم. المكرّمون هم السيدة فيروز ومعها «الشحرورة» صباح والكبير وديع الصافي، إضافة إلى الممثل الكوميدي الراحل حسن علاء الدين (شوشو) والشاعر سعيد عقل وفرقة «كركلا» والراحل نبيه أبو الحسن (أخوت شانيه)، بالإضافة إلى مؤسستين هما «لبنان واضع الأبجدية» و«اللجنة العربية الدائمة للبريد».
الواقع أن وطننا هو الذي كُرّم إذ استعاد صورته الجميلة ووجهه الثقافي والحضاري، من خلال هذه الخطوة.

 

تراث وأصالة
إطلاق الطوابع الذي تم ضمن احتفال في وزارة الاتصالات هو ثمرة فكرة أطلقها وزير الاتصالات اللبناني السابق شربل نحاس قبل أشهر تحت عنوان جزئي هو «طابع فيروز»، الذي أعقبه إصدار تسعة طوابع صمّمتها هبة مكداشي، لشخصيات ومؤسسات لبنانية مؤثرة في الوعي الثقافي. وقد طرحت الوزارة في التداول مليوناً ونصف مليون نسخة من كلّ طابع من هذه المجموعة.
هذه الخطوة التي اتخذتها وزارة الاتصالات لاقت أصداءً إيجابية لدى اللبنانيين الذين يحنّون الى لبنان التراث والأصالة، ويحلمون بلبنان الثقافة والفن والحضارة، والذين ما زالوا يؤمنون بلبنان السلم والمحبة... فجميل جدّاً أن تستعيد الدولة اللبنانية ذاكرتها الثقافية، ومفرح جدًّا أن نخرق جدار التفرقة التي نعيشها ونجتمع في تكريم من ساهموا في صنع تراث وطننا، منشدين مع سفيرتنا الى النجوم «اذا نحنا تفرقنا بيجمَعنا حبّك».
 ويبقى الأمل في أن تلحق هذه المبادرة خطوات اخرى يؤكد المسؤولون من خلالها تقديرهم لمبدعيهم، إذ من المخجل أن يكرَم مبدعونا في مختلف أصقاع الأرض قبل أن يكرّموا في وطنهم.
السيدة فيروز قبل أن تكرّم في لبنان حازت تكريمات وجوائز عالمية من كبرى دول العالم منها على سبيل المثال لا الحصر: وسام برتبة كوموندور من وزارة الثقافة الفرنسية، مفتاح سيدني، مفتاح نيويورك ولاس فيغاس والقدس وغيرها... هي التي غنت لبنان على أعظم مسارح العالم كالأولمبيا في باريس أو كارنيجي في نيويورك، وحطمت في حفل الرويال فستيفال هول في بريطانيا كل الأرقام القياسية السابقة (من حيث الحضور وسعر التذاكر)، والتي بعد أن غنت في لاس فيغاس في الولايات المتحدة الأميركية سمّي الخامس عشر من أيار بإسمها (يوم فيروز).
هذه السيدة العظيمة التي جسدت بفنها قيماً إنسانية وفلسفية ووطنية، كما غيرها من المبدعين، كرّمهم لبنان أخيرًا...
وللمفارقة يطالعنا خبر نشرته مجلة الجمهور العام 1967، ويفيد أن هيئة البريد في أريزونا قررت إصدار مجموعة طوابع يحمل كل منها رسمًا لواحد من كبار الفنانين العالميين ومن بينهم فيروز...

 

الطابع البريدي تاريخ محفوظ في قصاصة ورق
تكريم المبدعين والمميزين بطابع بريدي عادة عرفتها مختلف دول العالم. فالطابع يحفظ على مساحته الصغيرة تاريخ أمة ومختلف مراحل نهضتها.
في تعريفه البسيط، طابع البريد هو قطعة صغيرة من الورق يطبع عليها رسم تختاره الدولة التي أصدرته، والغرض منه ان يبين قدر المبلغ الذي يجب أن يدفع مقابل الرسالة المبعوثة من مكان الى آخر، أي أنه خدمة مدفوعة الأجر مسبقًا. هذا في المفهوم العام، إلا أن لطابع البريد دلالات أعمق وأشمل كونه ينقل عبر الرسم الصغير الذي يحمله ثقافة دولة وتاريخها وحضارتها الى مختلف دول العالم.
قبل ظهور الطوابع البريدية بشكلها الحالي، كانت الرسائل تدمغ بأختام الحبر، حيث يذكر في الختم تاريخ وصول الرسالة الى مكتب البريد باليوم والشهر، وهي فكرة أوجدها الإنكليزي هنري بيشوب للحد من التأخير في توزيع الرسائل، الأمر الذي كان مألوفًا في تلك الفترة. واستخدمت أختام بيشوب البريدية للمرة الأولى في مكتب البريد في لندن العام 1661.
لم يعرف الطابع البريدي كملصق مطبوع حتى العام 1840، وكان فكرة المدرّس الإنكليزي رولاند هيل الذي قدمها العام 1838. وقد ظهر الطابع البريدي في أول إصدار في انكلترا، مطبوعًا باللون الأسود ويحمل صورة جانبية للملكة فيكتوريا، وحددت قيمة هذا الطابع الذي يعرف اليوم بالطابع الأسود ببنس واحد.
بعد انكلترا انتشرت الطوابع البريدية في مختلف دول العالم، وهي كانت تحمل في السابق رسم الملوك خصوصًا في أوروبا في زمن الملكية، وأصبحت في ما بعد تحمل صورًا مختلفة عن الدول التي تصدرها كصور المدن والمعالم الأثرية، أو الشخصيات البارزة فيها، أو أهم أحداثها من مهرجانات واحتفالات ومناسبات كبرى، مثل إصدار اليونان طابعًا لمناسبة أول ألعاب أولمبية في العصر الحديث العام 1896.
في لبنان هناك عرف لصدور طوابع تحمل رسم رئيس الجمهورية منذ الاستقلال، وهو أمر معمول به في معظم دول العالم. الرئيس اللبناني الوحيد الذي لم يصدر طابع بإسمه في السابق هو الرئيس سليمان فرنجيه، إلا أن وزير الاتصالات اقرّ في نهاية العام المنصرم، وبناء على طلب «جمعية الميدان» اصدار اكثر من مليون وخمسمئة الف طابع بريدي عادي للرئيس فرنجيه من فئة 1000 ليرة لبنانية.

 

جمع الطوابع الهواية الأكثر انتشارًا
مع تزايد الطوابع وتنوّع مواضيعها، باتت النظرة إليها تختلف بين شخص وآخر. فبينما ينظر إليها البعض باستخفاف على أنها مجرد قصاصة ورق لا تستحق الإهتمام، قد يدفع آخرون مبالغ طائلة لشراء طوابع نادرة تكمّل مجموعتهم.
وتعتبر هواية جمع الطوابع من أكثر الهوايات انتشارًا في العالم. العامل المشترك بين الهواة هو حب المعرفة، حيث أنه لكل طابع بريدي هدفاً أو قصة من ورائه. طوابع البريد تكرّم شخصيات، تدوّن قصصًا، تحتفل بذكريات، وتخلّد مناسبات من خلال طبع هذه المعلومات على الطابع نفسه. هناك بعض الجامعين الذين يهمهم أن يكون الطابع مختومًا من دوائر البريد المختلفة. بعضهم يفضل شراء الطوابع من مصدرها غير مستعملة وبدون أختام، أي من مصلحة البريد، حيث تباع الطوابع، ان كانت حديثة الإصدار، بسعرها المدون عليها. وهناك عادة قسم خاص لهواة جمع الطوابع في مصالح البريد حول العالم، حيث يتم عرض الطوابع القديمة والحديثة وبيعها على حد سواء. تقام أيضًا في مختلف البلاد مؤتمرات ومعارض ومزادات علنية لتبديل الطوابع البريدية وبيعها. كما أن هناك صحافة خاصة بالطوابع وأخبارها في بعض الدول الأوروبية.

 

الطوابع البريدية في لبنان
في لبنان هناك نوعان من الطوابع البريدية: العادي والتذكاري. الاول يصدر بقرار من وزير الاتصالات وبناء على اقتراح المديرية العامة للبريد وجهات أخرى، ويتم ذلك من دون الحاجة الى طرحه على طاولة مجلس الوزراء، بينما لا يمكن اصدار الثاني إلا بعد طرحه على مجلس الوزراء والتصويت عليه لأنه يتضمّن شيئًا من السياسة. ويمكن الوزير أن يقرر نوع الطابع نظرًا الى السلطة الاستنسابية التي يتمتّع بها. وعندما يتم وضع الطابع العادي في التداول، يُباع في الوكالات البريدية وفي المكاتب المعتمدة، وخصوصًا في فروع «ليبان بوست» المنتشرة على كل الاراضي اللبنانية. ويبقى مطروحًا في الاسواق الى أن ينفد، أو الى أن يُسحب لسبب أو لآخر، إما لتغيّر التعرفة، أو بعد كشف تزوير معيّن لهذه الاوراق.
تطرح الدولة اللبنانية اصدارات جديدة من الطوابع التذكارية لتكريم عدد من الشخصيات السياسية والثقافية والفنية، أو لمناسبة احياء ذكرى أو حدث وطني أو دولي مهم. وعلى سبيل المثال فقد أصدرت الحكومة اللبنانية في عهد الرئيس اميل إده العام 1937 طابعًا تذكاريًا يمثّل البيت اللبناني التقليدي للدلالة على صورة لبنان الثقافية، سعيًا الى نشرها في العالم أجمع. والعام 1944 وبعد سنة من نيل الاستقلال من سلطات الانتداب الفرنسي، أصدرت الحكومة عشرة طوابع تذكارية كتب عليها الرئيس بشارة الخوري بخط اليد تاريخ الاستقلال. وتباعًا، أصدرت الحكومات اللبنانية المتعاقبة مئات الطوابع التذكارية والعادية التي لخصت أبرز المحطات التي مرّ بها «وطن الأرز». من مؤتمر الطب العربي الذي عقد في بيروت أواسط الثلاثينيات، مرورًا بمؤتمر سان فرنسيسكو الذي أنهى الحرب العالمية الثانية، وافتتاح مطار بيروت الدولي، ومؤتمر القمة العربية غداة الاعتداء الثلاثي على مصر العام 1956، ودورة الالعاب الاولمبية التي نظمت في ميونيخ، إلى طوابع الفنانين والشعراء وملكات الجمال والفلاسفة.

 

المراجع: جريدة النهار - جريدة اللواءWikipedia.com