كتاب ولقاء

قصة الإعلان في الشرق الأوسط: رواية شخصية لتجارب مؤسسين روّاد

في كتاب صدر حديثًا باللغة الإنكليزية، يروي رمزي رعد الاسم الكبير في عالم صناعة الإعلان «قصة الإعلان في الشرق الأوسط». وهو إذ يؤكد أنّ هذه الصناعة بطل قصته، ينفي أن تكون القصة سيرة ذاتية، مؤكدًا أنّها روايته الشخصية لما رآه وعاشه خلال نصف قرن في عالم مهنته الواسع.

الكتاب ليس كتاب تاريخ، ولم يُكتب بترتيب زمني منهجي، هو يروي قصص الأسواق والعملاء وأنظمة التواصل بشكلٍ مستقل، مركّزًا على كلٍ منها، من بداية القصة حتى نهايتها. وقد تم إطلاقه في احتفال أُقيم في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، وحضره عدد كبير من الرسميين والأكاديميين فضلًا عن العاملين في مجالي الإعلام والإعلان.

 

علاقة الكاتب المميزة مع الجامعة الأميركية في بيروت التي تخرّج منها، كانت محور كلمة عميد الكلية الدكتور يوسف صيداني الذي تحدّث في الاحتفال وركّز على أهمية الكتاب الذي يؤرّخ تاريخ صناعة الإعلان في المنطقة.

كما ألقت الأستاذة سلمى عويضة، مساعد نائب الرئيس لشؤون التطوير في الجامعة الأميركية كلمة تناولت فيها تاريخ المؤلف ودوره الرائد في صناعة الإعلان، منوهة بالإنجازات والجوائز والتقديرات التي حاز عليها من أنحاء العالم.

أما المؤلف فتحدث عن ما يطمح إليه من خلال هذا الكتاب، موضحًا أنّ فكرة إعداده ولدت في العام ٢٠١٠ بعد انتهائه من كتابه الأول «عقد من الاضطراب» الذي يحكي قصة السنوات العشر الأولى من شركة TBWA-RAAD. يومها سأله أحد الأصدقاء: «لمّا تكتفِ بتناول خبرة السنوات العشر الأولى من مهنتك فقط، من دون مشاركة خبرة الفترة السابقة؟».

ويروي رعد أنّه بدأ في تلك المرحلة تدوين الأحداث التي تخطر على باله: «على ظهر المغلّفات، وبطاقات الطيران، وإيصالات بطاقات الائتمان، وأي سطح متوافر قابل للكتابة»... لينصرف بعد ذلك إلى جمع ما كتبه وتنظيمه في فصول.

وهو يوضح أنّ الكتاب لم يكتبه كاتب محترف أو محرر، قائلًا: «أنا كتبته، وما ستقرأه هو لغتي الخاصة…ولأنّها قصة، اسمحوا لي أن أذكر أنّ العديد من الأشخاص قد يشاهدون الحدث نفسه، لكنّ كلًا منهم يبلّغ عنه بالطريقة التي يراها مناسبة».

 

الكتاب

تبدأ قصة الإعلان التي يرويها هذا الكتاب، مع انتقال عاصمة الإعلام العربي من القاهرة إلى بيروت في العام ١٩٥٢ والتطور الذي حصل في عالم النشر والبث الإذاعي والتلفزيوني منذ ذاك الحين وصولًا إلى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في العام ١٩٧٥ وبدء الهجرة الإعلامية الثانية منه.

وتتابع القصة رجال الإعلام اللبنانيين في قواعدهم الجديدة التي توزعت بين لندن وباريس وروما لتكون شاهدًا على ولادة فئة جديدة من الوسائل الإعلامية، وهي الفئة الإقليمية التي اكتسبت اسم Pan Arab Media. فضلًا عن ذلك تتابع القصة تموضع عدد كبير من الصحافيين في الدول الخليجية حيث أدخلوا تغييرًا جذريًا على وسائل الإعلام الكويتية والإماراتية والقطرية. 

ويروي الكتاب قصة التحوّل في الأسواق التجارية بسبب تطوّر الإعلام والتغيّرات التي أحدثها هذا التطوّر في طبائع الاستهلاك ومستوى المعيشة. وذلك ليس فقط في الأسواق الثلاث المذكورة آنفًا، بل في العديد من الأسواق العربية الأخرى، بما فيها سوق المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ومملكة البحرين وصولًا إلى اليمن. 

كما يتطرق الكتاب إلى قصص بعض الشركات العالمية التي دخلت أسواقنا، و«زمن» كارلوس غصن المسيطر على أسواق السيارات في العالم، وبداية عمل الجمعية الدولية للإعلان في العالم العربي، وهجوم وكالات الإعلان العالمية على منطقة الشرق الأوسط وشرائها لكل الوكالات العربية تقريبًا. 

في نهاية الحفل تسلم كل شخص من المدعوين نسخة من الكتاب مع إهداء شخصي بتوقيع رمزي رعد الذي قدم أيضًا نسخًا من كتابه لمكتبات الجامعة الأميركية وللجامعات والكليات التي تدرّس مادة الإعلان في مناهجها. 

يُذكر أنّه في عز أزمة الورق، صدر هذا الكتاب، متضمنًا ١٤١ فصلًا تمتد على ٥٤٠ صفحة، وهو يشكل مرجعًا مهمًا للطلاب وللعاملين في حقل التسويق والإعلان.

 

رمزي رعد: نجحنا في تطوير صناعة تواصل قوية

رمزي رعد صاحب مسيرة رائدة في مجال صناعة الإعلان، وهو يضع كتابه بين أيدي أهل الاختصاص والطلاب خلاصة تجارب غنية خاضها الرواد المؤسسون لهذه الصناعة في لبنان والمنطقة. «الجيش» سألت المؤلف عن الأهداف التي يطمح إلى تحقيقها من خلال كتابه، والتحديات التي تواجهها مهنته في عالم اليوم.

يقول السيد رعد، «نُطلق هذا الكتاب اليوم لنُثبت للعالم أنّنا نجحنا في تطوير صناعة تواصل قوية -في الشرق الأوسط- وهي ديناميكية بما يكفي لدعم الأسواق المحلية والعلامات التجارية، والعديد منها رائد في الساحة العالمية».

ويوضح أنّ «قصة الإعلان في الشرق الأوسط «تهدف إلى تدريب طلاب الإعلام والوافدين الجدد إلى مجال الإعلان حول التحدّيات التي واجهها أسلافهم - الرواد - لإيصال الصناعة إلى مستواها الحالي».

يهدف الكتاب أيضًا إلى عرض الخيارات المتوافرة للمعلنين متعددي الجنسيات والتي طالما توافرت وكان من الممكن أن تجنّبهم الفشل في تحقيق نتائج مرضية وعدم الوقوع في التصنيف الخاطئ لسوقٍ ذات إمكانات واعدة.

علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أنّ المشهد في القصة قد يشير إلى ثقافة ولغة وتاريخ وتراث مشتركين، يقدم الكتاب أيضًا برهانًا للمسوّقين العالميين على أن الحقيقة الأساسية هي واحدة مع وجود العديد من الاختلافات داخل المنطقة الجغرافية نفسها.

وبالنسبة للتحديات التي يواجهها الإعلان اليوم، يرى رعد أنّ «الإعلان، كوسيلة لإيصال معلومة تعرف بسلعة أو خدمة أو منتج، يعاني الكثير من التحديات في جميع أسواق العالم. هذه التحديات الوجودية اليوم، ليست محصورة بالإعلان كمهنة، بل كأسلوب حياة وظاهرة من ظواهر الزمن الحالي ومن تطورات الإنسانية التي بدأت بعد الحرب العالمية وغزت العالم انطلاقًا من أميركا».

وهو يلفت إلى أنّ «الإعلان الذي عرفناه منذ البداية أخذ شكل فكرة إبداعية انتشرت عبر الوسائل المقروءة والمسموعة والمصوّرة التي بدت لنا كأول علامات التغيير في النصف الأخير من القرن الماضي. تهاوت الصحف الواحدة تلو الأخرى، وكأنّ البشر قد توقفوا عن القراءة في كل دول العالم. غابت الصحف والمجلات وغاب معها الإعلان المقروء. الإذاعات انخفض صوتها وحلّ محلّها التلفزيون الذي واجه بدوره تحدّيًا جديدًا تمثّل بانتشار القنوات المشفّرة المملوكة غالبيتها من شركات تجارية غنية برأس المال ومنتِجة للبرامج، ما ساعدها في استقطاب المشاهدين. وسرعان ما تكاثر عدد هذه القنوات، ما جعل المعلن ووكالات الإعلان في حيرة حول أي وسيلة أو مجموعة قنوات هي الأكثر فعالية لإصابة المستهلك المستهدف. تعددت التجارب واختلفت الخيارات فكانت النتيجة ارتفاع فاتورة الإعلان. وهكذا تحوّل المعلن إلى الوسائل الإلكترونية الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت محمولة في كل يد، موفّرة للمستهلك حرية اختيار ما يشاهده وفي الوقت الذي يناسبه».

ويضيف: «هذا كان أوّل التحديات الذي ترافق مع متغيرات طرأت على المادة الإعلانية، إذا ظهر على الساحة الإعلانية في لبنان مثلًا، دخول عدد كبير من شباب جيل الحرب على مطبخ الابتكار الإعلاني وغيروا المقاييس واستبدلوا القيم. طموح العديد من هؤلاء الشباب لتسلّق قمّة الإبداع وللفوز بالجوائز في المباريات الإعلانية العالمية، أصبح الهدف المسيطر الذي استبدل العملية الإبداعية التي كان هدفها الأول ترويج السلع وخدمة المعلن في بيع منتجاته وترسيخ علاماته التجارية في الأسواق، بدلًا من إنفاق الميزانيات الإعلانية على الأفلام السخيفة التي أصبح العديد منها حديث البلد لكونها قد أُنتجت لتروّج مبتكريها وسماجتهم». 

 

ثورة المعلومات والفرص

وعن الفرص التي يقدمها لسوق الإعلانات اليوم التحوّل الذي شهده الإعلام في ظل ثورة المعلومات، يقول رعد: «وسّعت ثورة المعلومات رقعة تلقّي الرسالة الإعلانية وسرّعت إيصالها إلى الجمهور، كما أسهمت في التغلب على العديد من العوائق التي واجهناها قبل غزو الهاتف المحمول والكمبيوتر الشخصي والفايسبوك والإنستغرام والتويتر وغيرها من وسائل التواصل لأسواقنا.

رقعة الانتشار ساعد في توسيعها الهاتف المحمول الذي أصبح متوافرًا للجميع في القرى النائية قبل المدن لكون كلفة اقتنائه بمقدور الجميع مع انخفاض أسعار الأجهزة المصنّعة في الصين وكوريا. ومن المدهش أنّ استعماله قد تحوّل كليًّا من المكالمات العادية إلى البرامج التي وفّرت اتصالات أقلّ كلفة كالواتس أب وغيرها.

ثورة المعلومات ساعدت على تخطي حاجز الأميّة، ممّا أدى إلى توقّف العديد من الصحف والمجلات عن الصدور لأنّ الأخبار المكتوبة والمصوّرة أصبحت منشورة عبر شبكات التواصل والهواتف النقالة، كذلك فإنّ ثورة المعلومات وفّرت للمعلن نتائج فورية في العديد من الأحيان مما سمح له بضبط إيقاع الإنفاق».

في النهاية صحيح أنّ التحديات كما الفرص تتغير على وقع التطورات التي يشهدها المجتمع، لكنّ الإبداع يبقى الجذوة التي تنتصر على التحديات وتخلق الفرص.

 

رمزي رعد هو مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة  TBWA-RAAD  انطلق من لبنان في بداية  الحرب الأهلية وأسس شبكة وكالات إعلان وشركات علاقات عامة في العديد من العواصم العربية وشمال أفريقيا بالشراكة مع وكالة TBWA العالمية المعروفة بإطلاق أشهر العلامات التجارية كـ Apple وNissan والعديد غيرها.

ووكالة TBWA-RAAD كانت وراء حملة «أهلا بهل طلة» التي ساعدت في جلب أكثر من مليون ونصف زائر للبنان هذا الصيف وأدخلت ٤،٥ مليار دولار. كذلك، فازت وكالة الإعلان نفسها بإحدى عشرة جائزة إبداع عالمية على الحملات الإعلانية التي نفذتها للجيش اللبناني.