مناورة ختامية

قصة النجاح والتميز...
إعداد: الرقيب أول كرستينا عباس

درب النجاح والتميز في الحياة مسيرة تستمر طويلًا إذا لم نقل لمدى الحياة. مسيرة طويلة لا توقفها الصعوبات ولا تعيقها الانحدارات الضارية ولا تنهيها التحديات. في مسيرتهم نحو تسلّمهم مسؤولياتهم في المؤسسة العسكرية، خاض التلامذة الضباط امتحانات وتجارب عديدة، نجحوا في تخطّيها جميعها وتغلّبوا عليها حتى أصبحوا في السنة الثالثة، سنة تخرّجهم ليصبحوا ضباطًا في الجيش. كلّلوا جهودهم بمناورةٍ بالذخيرة الحية تضيء على أهم التدريبات والدروس التي تلقّوها. فكيف وصلوا إلى هذا اليوم الكبير؟


خاضوا التدريبات الأكاديمية على مدى ثلاث سنوات، لذلك أصبح من الضروري الانتقال إلى التطبيق العملي على الأرض. فكانت المناورة التكتية Fire Fist 2022 التي نفّذها التلامذة الضباط في السنتَين الثالثة والثانية في منطقة جرود العاقورة. يوضح قائد لفيف التدريب في الكلية الحربية العقيد الركن جورج فريفر أنّه في كل عملية مشتركة بين جميع الأسلحة والقوى، كما في هذه المناورة، يتم تدريب كل العناصر ذات الاختصاص الواحد كل على حدة ثم يجتمعون لاحقًا قبل المناورة في تدريب مشترك لهم معًا. فسيناريو هذه المناورة واشتراك الأسلحة والقوى جميعها معًا هو واقع أي معركة قد تطرأ في ما بعد، وعليهم أن ينجحوا فيها لكي يفوزوا في الميدان على العدو لاحقًا.
 
من التدريب إلى الأرض
أظهر المشاركون في المناورة مدى احترافهم في التعامل مع مختلف أنواع الأسلحة، وأهمية التدريب الذي تلقّوه منذ بداية مسيرتهم في الكلية الحربية. وهنا بيت القصيد، فالتدريب بنى قدراتهم ذكورًا وإناثًا على السواء. فقد كانت الأنثى، مثل الذكر، تناوِر في الدبابة، ترمي من المدفع، وهي موجودة على الطوافات والراجمات وتستخدم الأسلحة كافة. وفي هذا الإطار يلفت مدرّب السنة الثالثة المقدم أنيس معوض إلى أنّ مشاركة الإناث في المناورة هدفها تحفيز الذكور متخطّين كل أشكال التمييز، ومؤكّدين مرة جديدة أنّ لا فرق بين الجنسَين في الدفاع عن الوطن.


تخبرنا التلميذ الضابط جويل الكلاسي – اختصاص مدرعات عن دورها في المناورة فتقول: «كان يجب أن أهجم بالدبابة M60 مع طاقم جميعه من الذكور تحت إمرتي، لندمّر الأهداف ه3 المتمركزة في العمق. لقد كان التعاطي مع الطاقم احترافيًـا ويسوده الارتياح والاحترام المتبادل بيننا. وهذا الاحترام سببه ثقتي بنفسي وثقتي بفريقي». لم يقف صوت القذائف المرتفع عائقًا في وجهها، فهي عندما بدأت مسيرتها في الكلية الحربية خضعت للكثير من التدريبات بحيث أصبح من غير الممكن أن يمنعها أي شيء من تنفيذ مهمتها مهما كانت صعوبتها، وبات باستطاعتها تخطّي حاجز الخوف في أرض المعركة وقبول التحدي والتغلب على العدو مهما بلغت قوته. وتقول في هذا الصدد: «إذا نحن فقدنا ثقتنا بأنفسنا وبقدراتنا، ماذا سيحدث مع مرؤوسينا في ما بعد؟ كيف سنبقي معنوياتهم عالية لتخطي الصعوبات؟»
 
حتى وإن كانت أثقل مني!

كانت مسيرة التدريب في الكلية الحربية تحضيرًا فاعلًا وجذريًا من أجل تدريب عسكريين ليصبحوا ضباطًا ويتخطوا الصعوبات الجسدية والمعنوية التي يمكن أن تصادفهم خلال مهماتهم العملانية لاحقًا. فالتلميذ الضابط ماريا عبد البجاني آمر مجموعة المدفعية، تشدّد على أنّ الرياضة والتدريبات التي تلقّتها في الكلية سمحت لها بأن تحمل القذائف «حتى وإن كان وزنها أثقل مني» من دون تذمّر وبطريقةٍ صحيحة تجنّبها الإصابة وبحرفيةٍ عالية. تقول عن دورها في المناورة: «كنت آمر مجموعة المدفعية التي تتألف من سرية M198 عيار 155 ملم، سرية راجمات ومدفعَين أنموذج M46 عيار 130 ملم. نفّذنا رمايات دقة بالقذيف copperhead على الأهداف ذات الأفضلية ورمايات تمهيدية بالأسلحة كافة على الأهداف جميعها بما فيها تلك التي في العمق، وبقينا على جهوزية لمعالجة أي هدف طارئ في أوانه. كانت مجموعتنا تحت مسار رمايات القوات الجوية أيضًا وقد تم ذلك عبر التنسيق بيننا وبينهم عبر عنصر يسمى لاغي يهتم بتنسيق مسالك الرمايات الجوية لئلا تتعارض مع الرمايات على الأرض».


«الخطوة الأولى هي الخطوة الأهم وبمجرّد أن تخطوها لا يوقفك شيء» تضيف التلميذ الضابط عبد البجاني معبّرةً عن تجربتها حينما وقفت بكل ثقة أمام قائد الجيش العماد جوزاف عون وشرحت مهمة المجموعة التي تحت إمرتها قبل بدء المناورة. فبعد تدريب لسنواتٍ أصبح بإمكان التلامذة تخطّي التوتر والتحدث بطلاقةٍ أمام الحضور الرسمي في أي مكان يوجدون فيه. هذه التدريبات ستسمح لهم بالتأقلم مع أي ظرف يمكن أن يواجهوه بعد التخرّج. وفي هذا الصدد، تقول التلميذ الضابط نورا ونوس: «كوننا الدفعة الأولى من الإناث اللواتي سيتخرّجن من الكلية الحربية قد نواجه بعض الصعوبات».... ولكنّها متأكدة من أنّ هذه العقبات لن تستمر طويلًا وأنّ المحيطين سينجحون في التعامل معهنّ من دون تمييز بين ذكر وأنثى. وتضيف: «إذا كان لدى الشخص الإرادة الصلبة، والمؤهلات الجسدية والنفسية والفكرية المناسبة، لن يكون أمامه أي عائق. فالتدريب المستمر سوف يؤدي بالتأكيد إلى تحقيق الهدف والوصول إلى المكان المنشود».
 
«لا شيء يوقفنا»
هل من صعوبات لوجستية واجهت تنفيذ المناورة؟ يؤكد المقدم معوض أنّ الأزمة التي نعيشها حاليًا لم تكن عائقًا أمام الوحدات التي شاركت في المناورة سواء لناحية عسكرييها أم لناحية آلياتها أيضًا، مع العلم أنّ طبيعة الأرض في المنطقة شديدة الوعورة. «كلها أمور يجب تخطّيها لأن هذه الظروف سيصادفها الضباط في المهمات العملانية الحقيقية، وقد يواجهون أصعب منها. ولذلك فإنّ قضاء التلامذة الضباط فترة طويلة خارج الكلية الحربية في أرض طبيعتها صعبة ومعزولة، يدرّبه على التأقلم مع مختلف الظروف ويحضّره لتنفيذ مهماته مهما كان نوعها».


يتعامل اختصاصيو هندسة قتال بشكلٍ مباشر مع الألغام والذخائر غير المتفجرة، ويواجهون خطورة كبيرة في أثناء قيامهم بعملهم الميداني. ويؤكّد التلميذ الضابط شربل اليحشوشي آمر فصيلة الهندسة أنّه «على الرغم من الخطر الذي نواجهه نؤدي واجبنا على أكمل وجه. فنحن المنوط بنا تأمين الحرَكية للوحدات المهاجِمة عن طريق فتح الثغرات بسدّادات ألغام في النقاط المشبوهة، والتخلص من النثريات والتفريغات خلال تنفيذ الهجوم». وشدد على أنّ الدقة في العمل واتباع الخطوات الصحيحة تخفض نسبة تعرّض عناصر فصيلة الهندسة والوحدات المهاجِمة على السواء للخطر. كما يلفت إلى أنّ وجود إناث يعملن في اختصاص الهندسة لا يؤخّر عمل الفصيلة، بل على العكس يزيده دقة واحتراف. «لأنّ الإناث الثلاث اللواتي نفّذنَ المهمات في الفصيلة كن يقمنَ بالعمل الرئيس خلال المناورة: تذخير المتفجرة ونقلها. وبالتالي لا أتردّد في توكيلهنّ بالمهمة الأمنية مهما كانت صعوبتها» يقول التلميذ الضابط اليحشوشي.
 
بثقةٍ... نكمل الدرب
يسير تلامذة السنة الثانية على الدرب المؤدية إلى تحمل مسؤولياتهم في المؤسسة العسكرية، وهم كانوا إلى جانب رفاقهم في السنة الثالثة في هذه المناورة التي تُعدُ بمثابة تحضير لما سيواجهونه في السنة المقبلة. نفّذوا كمرؤوسين، وفي السنة المقبلة سينفّذون كآمرين. ويوضح مدرب السنة الثانية الرائد علي محفوظ أنّ تلامذة هذه السنة بدل أن ينفّذوا رماية عادية على نوع أسلحة معين، اشتركوا مع السنة الثالثة لينفّذوا سيناريو يشمل جميع أنواع الأسلحة. ويضيف: «عندما يعمل تلميذ السنة الثانية على الأرض مع تلميذ السنة الثالثة في ميدان واقعي مستخدمًا الذخيرة الحية، يكسر حاجز الخوف، ويتحضر لما سيواجهه في السنة الثالثة». من ناحيته، يرى آمر فصيلة في السنة الثانية الملازم أول نزار أحمد أنّ هذه التجربة جيدة جدًا على صعيد تحضير تلامذة السنة الثانية لسنة تخرّجهم المقبلة. كما أنّ تطبيق التراتبية بين السنتَين على أرض الميدان تجعل العمل متكاملًا وتؤدي إلى نجاح المناورة، الأمر الذي لمسه الحاضرون جميعهم.
شكّلت هذه المناورة دليلًا قاطعًا على أنّه بالإرادة والتعلّم والتدريب يمكن للمرء أن يصل إلى كل ما يتمناه ولن يوقفه أي عائق كان. فقبل الوصول إلى الهدف دربٌ طويل عليه اجتيازه، ومسيرةٌ لا تنتهي إلا بعدما تنتهي الحياة!