جندي الغد

قصة
إعداد: ريما سليم ضوميط
تصميم غرافيكي: الرقيب كريستل عيد

انتظرني يا ربيع...

كان جاد يلعب مع صديقه ربيع في منزله حين سمعا صوت تحطّم زجاج وصرخةً شبه مكتومة. ارتعب جاد وركض للاختباء في خزانة الملابس ثم نادى صديقه قائلًا: "تعال يا ربيع، يجب أن نختبئ بسرعة، ألا تسمع صوت تحطّم الزجاج، إنّه انفجارٌ آخر". في هذه اللحظة، أتى صوت أمّ ربيع من المطبخ مطمئنًا: "لا تخافوا يا أولاد، لقد سقط منّي طبق  زجاجي وتحطّم فيما كنت أضعه على الطاولة".
ما إن سمع ربيع كلام أمّه حتى غرق في الضحك، وراح يسخر من جاد قائلًا: "ماذا دهاك يا صديقي، لم كلّ هذا الخوف، ومن أين جاءتك فكرة الانفجار هذه؟ إنّ الحادث المروّع الذي حصل في مرفأ بيروت لن يتكرّر، فلا تخف"! تنهّد جاد بارتياح، ونظر إلى صديقه بعينين مغرورقتين بالدموع ثم قال له: "آسف يا صديقي، ربّما أكون قد بالغت في ردّة فعلي، ولكنّني في الحقيقة أعيش حالة خوفٍ وهلع منذ حصول الانفجار، لا سيّما وانّني خسرت منزلي الذي تهدّم جزءٌ منه أمام ناظري".
وصل حديث جاد إلى مسامع أمّ ربيع، فدخلت الغرفة وجلست إلى جانب الطفل الخائف ثم حضنته بمحبّةٍ قبل أن تطمئنه  قائلةً: "إسمع يا صغيري، انا أتفهّم مخاوفك، فحالة الخوف التي تعيشها الآن سبق ان مرّ بها جميع أفراد عائلاتنا. صديقك ربيع مثلًا عانى عدّة أوجاعٍ في مختلف أنحاء جسمه، وقد شرح لنا الطبيب انّ سببها هو حالة الخوف والقلق التي لازمته منذ وقوع الانفجار. أمّا أخوه فؤاد، فقد كان يرفض أن ينام في سريره في الأسبوع الذي تلا الحادثة، وظلّ لعدّة أيام ملتصقًا بي أينما ذهبت".
هنا تدخّلت رنا شقيقة ربيع التي تبلغ السادسة عشرة من عمرها، والتي كانت تقرأ كتابًا في الغرفة نفسها، وقالت لجاد:" إسمع يا صديقي، صحيحٌ أنّ الكارثة التي حلّت بوطننا الحبيب كانت فظيعة، وأدّت إلى وقوع ضحايا وخسارة أرزاق، لكنّها في المقابل، أظهرت مدى تكاتف اللبنانيين ومحبّتهم لوطنهم ولبعضهم البعض". وتابعت بعد أن لاحظت اهتمام الصبيّ: "ألم ترَ كيف نزل الجميع إلى السّاحات لإزالة الركام وتنظيف المنازل المتضرّرة؟ لقد شاركت بنفسي في حملات التنظيف وشاهدت بأمّ عيني مدى الاندفاع الذي عمل به الصبايا والشباب لمساعدة أبناء وطنهم".
قاطعت أم ربيع ابنتها قائلةً:" لقد شاركت بدوري في حملات المساعدات الغذائيّة وكم كبر قلبي حين شاهدت الصبايا في مثل سنّك يا رنا يوضّبن الصناديق التي تحتوي المواد الغذائيّة، ويتساعدن في حملها وتسليمها إلى العناصر الذين يتولّون نقلها إلى العائلات المتضرّرة".
كان جاد يستمع بإصغاء وقد نسي مخاوفه لأنّ شيئًا آخر بات يُشغِل باله، فتساءل بصوتٍ عالٍ وكأنّه يحدّث نفسه:" هل يجوز أن يساهم الجميع في بناء الوطن، فيما أنا جالسٌ مكتوف اليدين"؟
ضحك الجميع بفرحٍ، وردّ ربيع قائلًا: " لقد تبرّعت في الأسبوع الماضي ببعض المال الذي ادّخرته سابقًا لمساعدة العائلات المتضرّرة من خلال الحركة الكشفية التي أنتمي إليها، فربّما تفعل مثلي إذا كنت ترغب في ذلك."
"بالطّبع أرغب في ذلك". ردّ جاد وهو يخرج مسرعًا باتجاه منزله.
في الطريق، راح الصبيّ يراقب العسكريين الذين يحملون المعاول ويزيلون الركام عن الطريق، مشهدٌ كان يراه كلّ يومٍ منذ حادثة المرفأ ولم يكن يعره أهميةً، لكنّه هذه المرّة راح يراقب سواعد الجنود التي تعمل من دون كلل، فيما ترسم قطرات العرق خطوط الإصرار والتصميم على جبينهم. حينئذٍ، انقشعت غمامة الحزن من أمام وجهه، وتجلّت أمام ناظريه صورة بيروت الجديدة، بيروت التي تبنيها سواعد أبنائها، الشبّان منهم والعجزة والأطفال، كلٌّ يعمل من موقعه ويقدّم على قدر استطاعته لإعادة بناء ما تهدّم. وإذ وقف يتأمّل بفخرٍ مشهد مدينته وهي تنتفض من تحت الركام، راح يردّد في نفسه: بيروت لن تموت، هي سحابةٌ سوداء وسَتَمُرّ…

أصدقائي القرّاء،
قصّة هذا العدد تتوجّه إلى كلّ طفلٍ أو مراهقٍ لبناني عانى وجع انفجار المرفأ. نريدكم أن تعلموا أنّ لبنان كلّه يشعر بألمكم وخيبتكم، وأنّ اللبنانيين جميعهم ملتفّون حولكم لدعمكم ومساندتكم..
تعالوا أصدقائي، لنمسح دمعة الحزن عن وجوه المتضرّرين من الانفجار، ونزرع مكانها ابتسامة الأمل والرجاء. أرسلوا إلينا رسومًا  أو فيديوهات قصيرة (دقيقة أو أقل) تعبّرون من خلالها عن دعمكم للعائلات المتضرّرة، ليتم نشرها في العدد القادم.