متاحف في بلادي

قصر الأحلام في بخعون
إعداد: جان دارك أبي ياغي
تصوير: المجند فارس أبو شقرا

الصاعد الى بخعون ­ قضاء الضنية ­ تستوقفه تحفة معمارية يحتار في وصفها وفي تسميتها. أهي بدعة في التشييد أو حداثة أو ابتكار فطري؟ "قصر الأحلام"، المطل على مناظر غير متوقعة في أعالي جرود الضنية، يجمع حضارات مختلفة، متنوّع الأذواق والزخرفة الحجرية، على مدخله أرزة ترتفـع خمسة أمتار، أما مساحته فتبلغ 5000 متر مربع. هذا الكنز الإبداعي هو نتيجة جهد وعمل متواصل لثلاثة أشخاص. مجلة "الجيش" زارت "قصر الأحلام" فكانت الزيارة حلماً من الصعب أن يتبدد.

 

"قصر الأحلام أو قلعة الأحلام"، معلم ضخم يقع وسط حقول خلابة. ففي أعالي بلدة بخعون، يربض القصر، مع أروقته ومحيطه، على ,(ONIX) رابية يراها الزائر كيفما اتجه، وهو تحفة فنية، بأسواره الثلاثة، المنحوتة من حجر "الأونيكس" ، والمزينة بمحاريب وأبواب. وقد تحوّل الى معلم سياحي ضخم ­ مع أنه لم يكتمل بعد ­ فيه كل الحضارات القديمة، من الفرعونية والفينيقية والرومانية الى العربية...

 
 حلم 40 عاماً... تحقق

 القصر ثلاثي التواقيع: محمد هوشر، محمد الفران، وداليدا محمد هوشر. وقد بدأ العمل بتشييده قبل تسعة أعوام، وهو حلم راود مشيديه منذ أربعين عاماً. بدأت ورشته بخريطة لم تطابق مخيلة هوشر والفران فاستغنيا عن الأكاديمية بعد استحصالهما على ترخيص، وعادا الى الفطرة لأنهما وجدا فيها إبداعاً حقيقياً. لقد أقام محمد هوشر بالإشتراك مع ابنته داليدا ومحمد أحمد الفران، موقعاً سياحياً تمثل في هذا الصرح الممتد على مساحة 5200 متر مربع في العام 1994، وظل البناء يتوسع ويكبر، وهو حتى اليوم لم ينته بعد. بداية كان بيتاً يأوي هوشر وعائلته، ولكن الأفكار التي راودته بعد ذلك مع ابنته كانت لبناء غير عادي، يمتد على نحو20 ألف مترمربع، إذا قيضت له رعاية محبي الفن والثقافة أو إذا ما التفتت وزارة السياحة الى أهميته. إذاً، ثلاثة أشخاص اشتغلوا بعقل واحد. تشاوروا، تباحثوا، وتفننوا، وكانت مهارات يدوية وحرفية معمارية في هذا البناء من دون تصاميم مسبقة ولكن بأفكار مبتكرة.

 

 معالم أثرية وتحف معمارية

 يجمع القصر رموز الأديان المختلفة، والحضارات القديمة، إضافة الى التراث اللبناني، وهكذا نجد فيه: الأرزة، الرماح، السيف والترس، البنادق، القارب البدائي، الطاحونة، الخيمة العربية، الديوان، الأباريق، الخيول، المغارة، جرن الكبة، قلعة بعلبك، قلعة عنجر، قلعة المسيلحة، صخرة الروشة، والنقوش والكتابات وغير ذلك. وكل ما سبق ذكره صنع من حجر لبنان، وبالأحرى من حجر بخعون وجوارها، وهو حجر طبيعي اسمه "أونيكس" وتسميته العامة "ملح القاق". وهو حجر رقيق وشفاف له صلابة الصخر لونه عسلي ولكنه يتلألأ ويلمع إذا ما قاربته الشمس بنورها، أو انعكس عليه ضوء القمر فيأخذ ببصر ناظريه متوهجاً متألقاً بومضات ألوان قوس قزح. الى الـ"أونيكس" استعملت أحجار أخرى كحجر الصوان والغرانيت وغيرها من الحجارة الصفراء والسوداء والحمراء... ولقد تم بناء هذا المعلم مع أعمدته التي ستلبس من الحجر نفسه مع ثلاثة أسوار تحيط به، الى سور رابع، سيرتفع قريباً ومطعم وسط حرج السنديان. يقول الفران: "كل ابتكار في هذا المنزل وجدت فكرته في جلسة على فنجان قهوة". وتضيف داليدا، وهي فنانة وهاوية رسم، ليس لدينا ثروات لننفقها عليه، إنه عصارة جهدنا وغنى مخيلتنا وترجمة لكل القراءات والمشاهدات". وتوقعت أن تمدد ورشة القصر وتصل الى عشرين سنة. وتخوفت من رتابة قد تصيب والدها وصديقه نظراً لطول الوقت الذي صرفاه على تشييده. أما محمد هوشر فيقول، إن المنزل هو ملك الناس والسياحة... إنه مثل الأهرامات وقصر فرساي لكل السياح واللبنانيين من كل الطوائف والمناطق. وقد زار وزير السياحة علي حسين العبدالله المشروع، مستغرباً إقامته بهذه الضخامة بجهد فردي وأعجب به شديد الإعجاب. ولفته ما يحتويه من الداخل من رسوم على الجدران ومقتطفات من أحداث تاريخية جرت في العالم، كما شاهد 36 أرزة وضعت داخله وتم صنعها من الحجارة المحلية، واعداً بوضعه على خريطة وزارة السياحة في إطار ما يسمى "الإنماء المتوازن". صاحب المشروع الذي يأمل إنجازه خلال مدة عامين إذا ما تيسرت له الإمكانات والمساعدة، يناشد المسؤولين على كل مستوياتهم وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، لاستكمال ما تبقى من المشروع الضخم، لاستثماره أو تحويله الى متحف أو معلَم سياحي عام، علماً أن أبواب القصر بكل ما فيه من كنوز مفتوحة لكل زائر مهتم، وسصبح ثروة لا تقدّر بثمن لوطننا.