متاحف في بلادي.

قصر فريد سرحال المتحف
إعداد: جان داراك ابي ياغي

حجارته من حلب وأفغانستان والهند، تحفة معمارية في جزين تلتقي فيها الحضارات

هو قصر متحف أو متحف قصر؛ متحف فريد سرحال في جزين, صرح معماري جسّد حلماً لصاحبه فكان تحفة في التراث المعماري الذي استوحى الحضارات مجتمعة, من الرومانية الى العربية والإسلامية والإيرانية والهندية وسواها.
صاحب القصر, النائب الراحل الذي عشق الهندسة المعمارية, لم تستطع السياسة كما لم يستطع الطب صرفه عن حبه لها. تجوّل في أرجاء المعمورة وقصد أقاصي الأرض جامعاً مستلزمات بناء المتحف الذي حلم به. متحف تلتقي فيه الحضارات ويضم عطاءات الطبيعة بأحجارها الفريدة, ونتاج المبدعين في كل حدب وصوب.

 

الهواية صارت حلماً

بدأت القصة هواية, فالنائب الطبيب الذي يحب الأرض والطبيعة أقام مزرعة في قطعة أرض في الجهة الجنوبية لجزين, عند مفترق طرق يؤدي إما الى عين مجدلين عند سفوح التومات أو الى كفرحونة. حصل ذلك في العام 1965, لكن بعد سنتين كبرت الهواية وصارت حلماً بإنشاء متحف لا مثيل له في لبنان والشرق.
وإذا صحّ القول بأن آل سرحال هم بالأصل فرع من عائلة قطّار إحدى أكبر العائلات الجزينية “والتي جاءت الى جزين من القطارة في بلاد جبيل, وسميت كذلك نسبة الى العين الشحيحة التي كان الأهالي يشربون منها إذ كان الماء يتساقط منها قطرة قطرة”, فإن فريد سرحال الطبيب والملاّك والنائب وهاوي التراث والمتاحف, ورّط نفسه في مشروع متحف للتراث الشرقي “بالقطارة” وكتب في أعلى مدخله الجنوبي الرئيسي: “شيّده الطبيب فريد سليمان سرحال القطّار من سنة 1967 الى سنة ... 19”, ولم يكن مدركاً أن الموت سيداهمه أو أن تنال منه ضيق الأحوال. وتوفي الطبيب الجزيني صاحب الإرث الإنساني الإجتماعي وبقي المتحف الذي يحلو للجزينيين تسميته “القصر” ينتظر من يكمله, وهو آية في التراث المعماري.


متحف تخطى حدود جزين ولبنان

صيـت “القصر” الذي توقفت ورشته منذ وفاة فريد سرحال, تخطى جزين ولبنان؛ وما كادت المنطـقة تستعيد حريتـها وتواصـلها حتى بـدأ المهـتمون يتوافـدون إلـيه.
نال “القصر” حصته من الرصاص وشظايا القذائف التي تركت بصماتها في أنحاء عدة منه.
وعـند ولوج “القصر ­ المتحـف” من المدخـل الرئيـسي يطالعـك بيـت من الشـعر يرحّـب بكـل زائـر كتـب بخـط عربي فـوق العتـبة المؤدية الى داخل القصر ويقول:

ألا يا دار لا يدخلك حزنٌ                       
                                                            ولا يغدُ بصاحبك الزمانُ

فنِعمَ الدارُ أنتِ لكل ضيفٍ
                                                           إذا ما ضاق بالضيفِ المكانُ

 

30 عاماً في جمع التحف

تطغى الصفة الإسلامية على المتحف بقاعاته المزدانة بالأشعار العربية والمنمنمات اليدوية التي برع فيها الجزينيون وتدرّب مزارعون على خوض غمارها, بإشراف مباشر من الطبيب الذي كان حلمه الأساسي أن يكون مهندساً معمارياً, إلا أنه إتجه نحو الطب متأثراً بخاله الطبيب فبرع في المجالين.
أمضى فريد سرحال ثلاثين عاماً يجمع تحفاً من كل أنحاء العالم, ومن أجل هذا المتحف زار الشرق الإسلامي كله واشترى الكثير من الأنتيكا والأثاث. ومن منطقة البسطة في بيروت اشترى الأراكيل... وزار أوروبا الشرقية والهـند والشام وسوريـا ومصر, وجلب منها “الأوبالين”, والخشبيـات من تركـيا, أما السجاد العجمي والنحاسيات فمن إيران وطهران... حجـارة القصر (Bazalth)

من حلـب, والحجر الأزرق من أفغانستان, والحجر الأحمر والمرجان من الهند...

 

فرصة لا تفوّت

من يزور جزين في هذه الأيام, عليه ألا يفوّت فرصة زيارة متحف فريد سرحال الذي أصبح بحـق من القصور العالمية الفخمة, تشهد على ذلك القاعات والردهات والمداخل والنوافذ والأروقة والسقوف التي تمثل الحضارات الرومانية والعربية والإسلامية والإيرانية والهندية والأندلسية والأموية وغيرها... والأمل في أن ينجز الأبناء ما بدأه الآباء فيحوّلون القصر في غضون سنوات قليلة الى متحف من أعرق المتاحف العربية ومركز لإقامة معارض متنـوعة ومكتبة كبيرة يغلب عليها الطابع الأثري والتاريخي, وهـذا ما هم عازمون عليه على حـد قـول الطبـيب بيار فريد سرحال.