متاحف في بلادي

قصر ومتحف أبو وليد الحداد: التاريخ في أعالي ببنين
إعداد: جان دارك أبي ياغي
تصوير: العريف مارون بدر

تقسو الحياة أحيانًا فتجرّد الإنسان من كل شيء إلّا الأحلام. والأحلام قد تصنع ما يشبه المعجزات. قصر أبو وليد الحداد في أعالي ببنين - عكار يروي قصة حلم وإرادة...

 

حرمه الفقر الجلوس على مقاعد الدراسة، لكنّه تعلّم «فك الحرف» من رفاق له وبات يجيد القراءة والكتابة بخطٍ جميل. إنّها بداية قصة حافلة بمقارعة الحياة أوصلت محمد مصطفى الحداد المعروف بـ«أبو وليد» إلى قمة جبل تكنّى باسمه. هناك يُقيم هذا الرجل مملكته الخاصة: قصر كأنّه طالع من حكايات ألف ليلة وليلة، متحف، مزرعة للطيور وإسطبل للخيل. عالم قائم بذاته يمتد على مساحة آلاف الأمتار، ويجمع في أنحائه عبق التاريخ وجماليات التحف والطبيعة.

 

أسلحة قديمة تزيّن القصر
على مدخل القصر كما في البهو الداخلي، أنت في حضرة التاريخ. الصور، اللوحات وديكور القصر، كلها تعود بالزائر عشرات لا بل مئات السنين إلى الوراء. ففي صدر البهو الرئيسي مجموعة من الأسلحة كانت تُستعمل أيام الجيش الفرنسي: بندقية 36 (فرنسية الصنع) مع جعبة الخرطوش الخاص بها، وأخرى يطلق عليها اسم إم زر (تطلق عشر طلقات معًا)، مجموعة سيوف تعود إلى حوالى 400 سنة، رمح، مجموعة خناجر عمرها ما بين 50 و200 سنة، درع عسكري قديم (حوالى 1000 سنة)... في زاوية أخرى من الدار، واجهة زجاجية تضمّ مجموعة كبيرة من مسابح المرجان والعقيق والكَوْرَبة (حوالى 1000 مسبحة)، قد يصل سعر الواحدة منها إلى 15000 دولار أميركي. هذه القطع وغيرها اشتراها أبو وليد على مدى 40 سنة من مختلف المناطق اللبنانية.
أنجز أبو وليد منذ اثني عشر عامًا، بناء قصره مستوحيًا أحلام ألف ليلة وليلة، وجمع فيه كل ما استطاع الحصول عليه من تحف أثرية، وهو ما زال إلى اليوم يشتري ما يجده مناسبًا لديكور القصر. يخبرنا أنّه يحاول أن يجمع التاريخ كله في بيته الذي يحتوي مكتبة قيّمة.

 

المتحف : مجسّمات ونواويس
إلى جانب القصر بنى أبو وليد متحفًا جمع فيه عددًا كبيرًا من المقتنيات الأثرية والتراثية التي تعود إلى مئات السنين من الزمن، وهي الهواية الأحبّ على قلبه. يبلغ طول المبنى المشيّد عليه المتحف 60 مترًا، جمع فيه كل ما مَلَكَت يداه من مجسّمات ونواويس وأحجار قديمة وغيرها الكثير من الأثريات والتحف النادرة التي تعود إلى العهود البيزنطية واليونانية والإسلامية والفينيقية.
مجموعة من الفخاريات تعود إلى العهد الإسلامي وأخرى أكثر قِدَمًا من العهدَين الفينيقي واليوناني، وقد يصل سعر الواحدة منها إلى 3000 دولار أميركي. في زاوية أخرى، قطع من المجوهرات مصنوعة من الفضة، أحجار مزخرفة، تماثيل فينيقية، جرار يونانية، وغيرها.
القصر مفتوح أمام الطلاب والباحثين في التاريخ والحضارات، والسيّاح. وصاحبه يتمنّى تشجيع الأجيال الصاعدة على زيارة المتاحف واكتشاف الكنوز الحضارية التي تحتويها .
في طريق العودة نعرّج على مزرعة الحيوانات والطيور لنكتشف أنواعًا غريبة جمعها أبو وليد ليكتمل بها عالم خاص بناه في مخيّلته أولًا، ثم حوّله إلى حقيقة.