جندي الغد

قصّة وعبرة
إعداد: ريما سليم ضوميط
رسومات: غدير صبح

رائحة أمّي

 

وقفت معلّمة الصف الخامس ذات يوم وقالت لتلامذتها: إنني أُحبّكم جميعًا وهي تستثني في نفسها تلميذًا يدعى تيدي. فملابسه دائمًا شديدة الاتساخ، ويبدو في حاجةٍ دائمة إلى الاستحمام، بالإضافة إلى أن مستواه الدراسي متدنٍّ جدًا، وهو منطوٍ على نفسه، لا يلعب مع الأولاد ولا يتحدّث إليهم. كان هذا الولد يزعج  المعلّمة لحدّ أنّها كانت تجد متعة في تصحيح أخطائه بقلمٍ أحمر، ووضع عبارة راسب في أعلى الصفحة.

ذات يوم طلبت الإدارة من المعلّمة مراجعة السجلّات الدراسيّة للتلامذة، وبينما كانت تراجع ملف تيدي فوجئت بأمرٍ غريب! لقد كتب عنه معلّم الصف الأوّل: تيدي طفلٌ ذكيٌّ يؤدّي عمله بعناية وبطريقة منظّمة. وأكّد معلّم الصف الثاني أنّه تلميذٌ نجيبٌ، محبوبٌ لدى زملائه ولكنّه منزعج بسبب إصابة والدته بمرض السرطان. أمّا معلّم الصف الثالث فكتب: لقد كان لوفاة والـدة تيـري وقـع صعب عليـه، لا سيّما وأنّ والـده لا يبـدي اهتمامًا به، وبـرأيي إنّ هذا الوضع سيؤثّر سلبًا على نتائجه المدرسيّة. وأخيرًا قرأت ملاحظات معلّم الصف الرابع: تيدي تلميذٌ منطوٍ على نفسه لا يبدي رغبة في الدراسة وليس لديه أصدقاء، كما أنّه ينام في أثناء الدرس. هنا أدركت المعلّمة المشكلة وشعرت بالخجل من نفسها!

وفي يوم عيد المعلّم، أحضر جميع التلامذة هدايا أنيقة، ما عدا تيدي الذي كانت هديته ملفوفة بكيس بقالةٍ. حزنت المعلّمة وهي تفتح هدية تيدي فيما كان التلامذة يضحكون، فوجدت عقدًا مؤلّفًا من ماسات ناقصة الأحجار وقارورة عطرٍ ليس فيها إلا الربـع. ووسط ذهـول التلامذة، ارتدت العقد ووضعت شيئًا من العطر، مبديةً إعجابها الشديد بالهديّة.

في ذلك اليوم، انتظر تيدي معلّمته خارج الصفّ ليقول لها قبل مغادرتها المدرسة «إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي». لقد أهداها الطفل عقد والدته وزجاجة عطرها!

منذ ذلك اليوم أولت المعلّمة اهتمامًا خاصًا بالولد، وساعدته على استعادة نشاطه إلى أن أصبح أكثر تلامذتها تميّزًا في صفّه. وقد ترك لها في نهاية العام الدراسي رسالةً كتب فيها: أنت أفضل معلّمة قابلتها في حياتي.

بعد عدّة سنوات، فوجئت معلّمة تيدي بتلقّيها دعوة من كلية الطب لحضور حفل تخرّج دفعة من الطلّاب موقّعة بإسم «إبنك تيدي»، فحضرت وهي ترتـدي عقـد والدته وتفـوح منها رائحة عطرها.

لقد تخرّج تيدي ستودارد ليصبح في ما بعد طبيبًا مشهورًا يملك مركزًا هامًّا لعلاج السرطان!