جندي الغد

قصّة وعبرة
إعداد: ريما سليم ضوميط
رسومات: غدير صبح

حوارٌ مع الضمير


استيقظت ريتا في الصباح الباكر على صوت أمها تعاتب الدجاجات وتهدّدها بالذّبح ما لم تعطها ما يكفي من البيض كي تبيعه وتشتري بثمنه دواءً لزوجها المريض. ارتدت الفتاة ملابسها بسرعةٍ وانطلقت دامعة إلى المدرسة من دون أن تتناول طعام الفطور.
خلال الاستراحة الأولى، لم تشعر ريتا بالرغبة في الجلوس مع زملائها، فراحت تتمشّى وحيدةً في الملعب، تفكّر تارةً  في والدها المسكين الذي طرحه المرض في الفراش منذ عامين، وطورًا في والدتها البائسة التي أرهقها العمل المضني لتأمين لقمة العيش لعائلتها بعد مرض زوجها. وفيما كانت تحاول إيجاد حلٍّ لمشاكل أسرتها، لفت انتباهها ما كان يدور بين زميلتيها ليال وسارة اللتين كانتا تتمشيان بالقرب منها. كانت عينا ليال ترقصان فرحًا وهي تُخرج من جيبها ورقة المئة دولار وتلوّح بها لزميلتها قائلةً: «لقد عاد والدي من السفر مساء البارحة وأعطاني مئتي دولار كي أشتري ما أرغب به، وحين قلت له أنني أملك كل شيء، ابتسم وقال لي أن أصرفها كيفما أشاء، كما وعدني أن يعطيني المبلغ نفسه في نهاية كلّ أسبوع». ضحكت الفتاتان واتّفقتا أن تذهبا بعد المدرسة إلى السينما ومن بعدها إلى مطعمٍ مجاور. في تلك اللحظة، قُرع الجرس معلنًا نهاية الاستراحة. وفيما كانت الفتاتان تركضان بسرعةٍ إلى الصف، وقعت ورقة المئة دولار من يد ليال وشاهدتها ريتا التي كانت تسير وراءها.
حملت الفتاة المال بيدٍ مرتجفة وهي تفكّر في نفسها: لقد أتى الفرج من تلقاء ذاته! سوف تؤمّن المئة دولار هذه مصروفنا طوال الأسبوع، ومن بعدها يدبّر الله أمرنا. ما إن خطت خطوتين حتى راح ضميرها يوبخها بصوتٍ عالٍ: «أنت يا ريتا تفكرين هكذا؟ أين القيم التي تربّيت عليها، الأمانة، والصدق، واحترام حقوق الآخرين...؟ هل نسيت ما أخبرك إياه والدك في ذلك اليوم عن خلافه مع ربّ العمل لأنّه كان يرفض أن يجاريه في الغش والخداع؟» في هذه اللحظة، انتفضت الفتاة وأجابت ضميرها بغضبٍ: «كلا، لم أنسَ، وربما نسيت أنت أنّ والدي طُرد من عمله بسبب أمانته، وأنّه حزن لذلك حزنًا شديدًا كان سببًا في مرضه!» لم يستسلم ضمير ريتا، بل تابع دفاعه قائلًا: «صحيحٌ ما تقولينه، لكنّ ذلك لم يدفع بوالدتك إلى الاستسلام، بل إنّها راحت تشقى في الشّمس طوال النّهار، لتزرع الحقل وتبيع محصوله، كي تتمكنّوا من العيش بكرامةٍ! والآن أخبريني يا ريتا، كيف ستبرّرين لوالدتك وجود المال معك؟ ستقولين لها إنّك سرقته، أليس كذلك؟!»  ألقت ريتا رأسها بين يديها بعد أن أنهكها وجع الضمير، وراحت تفكّر بوالديها اللذين ربّياها على القيم والمبادىء، وتمكّنا من الحفاظ على مبادئهما على الرغم من التحدّيات الكبيرة التي واجَهَتهما. في تلك اللحظة، شعرت الفتاة بقوّةٍ غريبةٍ تجتاحها فجأةً، فصرخت مؤكّدةً لنفسها: «لن أقع في فخّ التجربة، قد أكون فقيرةً ومحتاجةً، لكنّني أملك ما يكفي من الكرامة وعزّة النفس كي لا أمدّ يدي لأحدٍ، كما أنّني أملك من الأمانة والصدق ما يكفي لكي أعيد المال لأصحابه». عندئذٍ، أسرعت في مشيتها، ودخلت الصف، ثم نادت صديقتها بثقةٍ: «ليال، لقد أوقعتِ هذه الورقة في الملعب، تفضّلي خذيها». نظر الطلّاب إلى زميلتهم بإعجابٍ فيما كانـت ليــال تستعيــد مالهــا وتشكرهــا بامتنــان.