كلمات

قنطار شهامة خير من درهم عزّام نذالة
إعداد: العميد الركن الياس فرحات

أن يحصل تبادل أسرى أو معتقلين أو محكومين بين دول أو جهات متنازعة، أمر طبيعي شهدته النزاعات والحروب عبر التاريخ، وليس آخر ذلك إطلاق الجاسوس عزّام عزّام المتهم بالتجسس على مصر لصالح العدو الإسرائيلي.

يمكن أن نفهم أن إسرائيلياً أو أجنبياً يتجسس لصالح إسرائيل على دولة عربية ليهدد أمنها وسلامتها. ويمكن أن نفهم أن خائناً يدفعه خضوعه وحقارته ونذالته الى التجسس. أما ما حصل في حالة الجاسوس عزام فهو أمر في منتهى القذارة. فما أن أطلق سراح هذا الخائن حتى سارع الى الإشادة بدولة إسرائيل وإعطائها شهادة المساواة بين جميع "مواطنيها". عزام هذا من عرب 1948 الذين بقوا في أرضهم رغم الاضطهاد الإسرائيلي ومجازر دير ياسين وكفر قاسم ومصادرة الأراضي والتمييز العنصري المكشوف. وعزّام هذا مكث في سجن مصري ثماني سنوات وهي فرصة كبيرة له ليراجع حساباته الشخصية والعائلية والقومية، ويستعد للتخلص من لوثة العار التي لحقت به جراء خيانته لشعبه والتجسس لمصلحة العدو التاريخي. كان بإمكانه أن يتعلم درساً من خيانته وهو قابع في سجن عربي بتهمة الخيانة، لكنه ما أن خرج حتى عبّر عن كل ما يمكن أن يحصل من عمالة ودناءة نفس.

ما أبشع منظر عزّام هذا وهو يعانق وزيراً إسرائيلياً ما جاء الى هذه الأرض إلا ليطرد شعب عزّام ويضطهده! ما أبشع منظر عزّام هذا وهو يعانق السفاح شارون أكبر جزاري العصر ويشكره على اهتمامه به. ما أبشع منظر عزّام هذا عندما التقط العلم الإسرائيلي وقبّله، هذا العلم الذي رفع عنوة وبالقوة الغاصبة على أرض آباء وأجداد عزّام! ما أبشع منظر عزّام هذا عندما رفع ذلك العلم على كتفه ليحل مكان الكوفية العربية! خرج عزّام من أسر السجن ليدخل أسر الخيانة والعار. إن سجن التاريخ لا يرحم ولا فكاك منه ولا خلاص من قضبانه! ولنتذكر الفيلم السينمائي المصري الذي روى قصة شاب من سيناء تعامل مع المخابرات الإسرائيلية وتجسس على بلاده، ولما علم والده طعنه بخنجر حتى الموت ليغسل عار الخيانة، هذا العار الذي سوف يظلل حياة عزّام ومن يؤيد عزّاماً من الآن والى الأبد.

تذكرت وأنا أشاهد فرحة عزّام وإقباله على العلم الإسرائيلي يلتف به ويقبّله، تذكرت الأبطال الأحرار المعتقلين في السجون الإسرائيلية. آلاف الشبّان الفلسطينيين يقبعون في سجون الاحتلال بجرم انتفاضتهم ضد المحتل ونضالهم من أجل تحرير شعبهم وأرضهم. آلاف الشبان الفلسطينيين يتعذبون من أجل قضية سامية وأخلاقية، فيما يفرح عزّام هذا بمكسب غير أخلاقي ودنيء وخسيس. وتذكرت أيضاً البطل اللبناني سمير القنطار الذي يقبع في السجن الإسرائيلي منذ نحو ربع قرن، وما يزال، صامداً بطلاً لم تهزه مغريات العدو ولا عذابات سجنه. سمير هو العربي الأصيل، وهو الحر الحقيقي مع رفاقه الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بينما عزّام هو سجين حقيقي في سجن التاريخ. ما أروع سمير حين عرض البقاء في السجن مطالباً بتحرير غيره، وما أسماه من إنسان! وما أروع ذوي سمير حين غلّبوا القضية الوطنية على عودة ابنهم، وابنهم البطل هذا ليس إلا ابن لبنان في الحقيقة، وابن العرب وابن الإنسانية! شتان ما بين العودة العار لعزّام، وبين البقاء في الأسر الفخر والبطولة لسمير!

بقي أن نقول للعدو: لا تبتهج بعرض صور عزّام، فإن ردود الفعل ستكون مزيداً من التمسك بالمواقف الوطنية والقومية. هذه الصور لن تزيل إرهاب إسرائيل وطبيعتها العدوانية وممارساتها اللاأخلاقية، ولن تغفر مجازر إسرائيل التي لا تحصى ولا تعد، ولن تغير شيئاً من صفات شارون جزار صبرا وشاتيلا.

إن حالة عزّام هي الشذوذ الاستثنائي بعينه، والوطنيون الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، والبطل اللبناني القنطار، هم القاعدة العامة.

في الختام، لن نخاف من درهم عزّام نذالة فلدينا قنطار شهامة يدفعنا الى صمود لا ينتهي!