حكايات الجبهة

قيادة الجبهة: هذه المعركة ستدخل تاريخ الجيش اللبناني
إعداد: باسكال معوّض بو مارون - ندين البلعة خيرالله

توجّهنا إلى رأس بعلبك. المحطة الأولى كانت في غرفة عمليات الجبهة (ثكنة فوج الحدود البرية الثاني) حيث قائد العملية العميد الركن المغوار فادي داود قائد لواء المشاة السادس. كان في انتظارنا ومعه قادة وحدات شاركت في المعركة.
هم لم يغادروا إلى منازلهم ولم يروا عائلاتهم منذ أسابيع... الحمد للّه على سلامتكم، قلنا ونحن ننظر إلى وجوههم المزيّنة بابتسامات الفخر والرضى... كانوا واثقين أنّ هذه المعركة ستدخل تاريخ الجيش اللبناني وتُدرَّس في كليات ومعاهد عسكرية.


إنجاز تحقّق
لقد قاتل الجيش على الحدود، استرجع أرضه وتمركز فيها منتصرًا بأقل قدرٍ من الخسائر، يقول العميد الركن داود مذكّرًا بقول القائد العسكري الشهير صن تزو: أفضل معركة هي التي نربحها من دون أن نخوضها. ويضيف، من خلال التكتيك والخطط المدروسة والمناورات الدقيقة، استطعنا مفاجأة العدو ودحره.
وتابع العميد الركن داود بحماسة المنتصر الراضي عن إنجازٍ تحقّق، فقال: تقدّمنا وهاجمنا الإرهابيين فهربوا من أمامنا. على الجميع أن يفهم أنّنا كمؤسّسة عسكرية لا ننفّذ عملاً انتقاميًا، بل عملاً عسكريًا ذا أهدافٍ محدّدة. متى تحقّقت الأهداف انتهى العمل العسكري. وقد حقّقنا أهدافنا.

 

• ما هو تشكيل القوى التي شاركت في هذه المعركة؟
- شارك في المعركة 5000 عسكري، من عدّة وحدات عسكرية، ناوروا ونفّذوا مهمّة مشتركة، بتنسيقٍ تامٍ وكفاءة عالية: نيران من الجو، مدافع على الأرض، ومشاة ومدرعات يقاتلون ويتقدّمون، تساندهم وحدات الهندسة والإشارة والطبابة العسكرية والصليب الأحمر، ويواكبهم التوجيه. وقد تحرّكت القوى وفق خطط وضعت بعد استطلاع دقيق لبقعة العمليات.
مسار المعركة عرضه لنا العميد الركن داود من خلال خريطة مفصّلة لبقعة العمليات، تمّ تجسيدها أيضًا على شكل ماكيت تحدّد مراكز الجيش وأماكن تمركز إرهابيي «داعش»، وحقول الألغام...
على هذه الماكيت باشر العميد الركن داود شرحه عن بقعة العمليات:
قبل معركة «فجر الجرود» كان الجيش متمركزًا بين جبل الصليب ووادي رافق، في خطّ يمرّ بحرف الجرش، تلة الحمراء، تلة أم خالد، شميس عجرم، تلة المنصرم، مرتفع 1385، تنية الفاكهة، وادي حميد- الكسارة، وصولاً إلى مرتفع الحصن 1540. وكان العدو متمركزًا شرق هذه المراكز.
بدأت بقعة العمليات من ضليل الأقرع حيث كان هناك خط إمداد يستخدمه الإرهابيّون ويصل إلى خربة داود. احتلالنا لهذه النقطة قطع عليهم خطوط الإمداد. خلف ضليل الأقرع كان الإرهابيون يتمركزون على التلال الحاكمة من الشرق إلى الغرب، لمنع تقدّم القوى، وهذا الأمر كان يدلّ على تفكيرهم العسكري المتقدّم.
لتسهيل الشرح وتوضيح طبيعة المهمّة وبقعة العمليات والمحاور التي كان الجيش يناور عليها، بسّط العميد الركن داود المشهد كالآتي: إذا ما اعتبرنا بقعة وجود الإرهابيين هي على شكل مربع، نجد من ناحية الشرق ممرات إلى الداخل السوري لم يكن من الممكن التحكّم بها سوى برمايات المدفعية. مناورة الجيش كانت، من الشمال بقوى تشغل العدو بالنار، ومن الغرب باتجاه الشرق مهاجمة جبهية، ومن الجنوب باتجاه الشمال محور مناورة الالتفاف التي ضعضعت جهوزية العدو وشكّلت طعنة في خاصرته.

 

انطلاق العمليات وسير المعركة
بعد اللمحة العامة عن بقعة العمليات وطبيعة المهمة، دخل العميد الركن داود في تفاصيل المعركة وتشكيل القوى ومحاور تقدّمها:
قبل الساعة س للمعركة، وبتاريخ 14/8/2017 احتلّ اللواء السادس من جهة الجنوب حرف العجرم، حصن الخربة وخربة الحمام، وأمّن رمايات بالأسلحة الثقيلة والدبابات والمدفعية المباشرة والمضادات على مرتفع خزعل، بالإضافة إلى معابر وادي الشاحوط ووادي قارة ووادي الزمراني.
في 16/8/2017، تألّفت مجموعة خاصة قوامها سرية من المجوقل، قناصون من القوة الضاربة ومن مجموعة القنص في اللواء السادس، مع قدرة جديدة هي UTV رُكِّز عليها رشاش 12.7 (ابتكرت لهذه المهمة) كونها وسيلة نقل سريعة. تسلّلت هذه المجموعة ليلاً على حقاب خزعل وأمّنت مداخل زجّ للقوى. تمركزت وأرّفت الطريق تجنّبًا للألغام بمساعدة عناصر الهندسة الذين كانوا يتقدّمون القوى المهاجمة ويؤمّنون لها المسالك. وعند بزوغ الفجر شُنّ الهجوم الأول من جهة الجنوب على مرتفع حقاب خزعل، ضهور الخنزير، قنزوحة مراح الشيخ، وضليل المنصرم.
إذًا، انطلق الهجوم من عقر دار العدو الإرهابي فكبّله وحدّ من قدرته على المقاومة. ثم بدأت المعركة التي كانت على ثلاث مراحل.
 

• المرحلة الأولى 19/8/2017:
هاجمت الكتيبتان 62 و63 وفوج التدخل الأول وسرية من المجوقل، من جهة الجنوب طلاع المبيّض، وطلعة خربة الشميس وقامت باحتلالها. هذا الهجوم كان هجومًا تضليليًا، أما الهجوم الأساسي فكان من الجنوب باتجاه الشمال، وشمل: المرتفع 1564، طلعة العدم، خربة طلعة العدم وضهرات حقاب العش. وقد نفّذته وحدات من الفوج المجوقل ومن اللواء السادس بمشاركة قناصين من فرع القوة الضاربة وعناصر هندسة قتال من فوج الهندسة، وهو كان طعنة مفاجئة أضعفت العدو وضعضعت صفوفه.
ويوضح العميد الركن داود: كان هدفنا الأساسي إخراج الإرهابيين من جحورهم ودشمهم ومتاريسهم، لذا اعتمدنا المناورة بالالتفاف Turning Movement فكانت الضربة الحاسمة التي دمّرت قدرات الإرهابيين.
وهنا أشار العميد الركن داود إلى أنّ «داعش» كان يحتلّ كل النقاط الحاكمة على التلال، مراكزه ونيرانه متشابكة، يضرب الممرات بالنار ويحمي مراكزه بالتفخيخات والألغام، وهذا التفكير والتكتيك العسكري البحت، هو ما حتّم عليه الانسحاب عندما ضُربَت جهوزيّته.
وتابع سرد مجريات المعركة، فقال: في المرحلة نفسها، وبتاريخ 20/8/2017 هاجمت وحدات من اللواء السادس والتدخل الأول من جهة الشرق، فاحتلّت تلّة شميس خربة داود، تلة إم جمعة، جبل وادي الخشن، قراني مراح فرح وقراني العقيب. وتقدّمت القوى على هذه التلال لمتابعة ضرب العدو والقضاء عليه.
 

• المرحلة الثانية 22/8/2017:
قام الفوج المجوقل واللواء السادس بهجوم على رأس الكف، مراح صفا الكف، قراني شعبات القويشل، ضهرات الكف وصولاً إلى المدقّر والدكانة (الذي كان من أهم مراكز تجمّع الإرهابيين وإمدادهم بالمؤن) وذلك على بعد حوالى 200م من الحدود السورية، حيث وجدنا أسلحة وذخيرة مفخّخة تمّ تدميرها.
تمركز الجيش دفاعيًا باتجاه الشرق لجهة وادي مرطبيا، حليمة قارا وحليمة القبو. باحتلال هذه النقاط وتنظيفها والتمركز فيها دفاعيًا، شكّلنا ساترًا على الحدود وعزلنا وادي مرطبيا الذي كان يشكّل المرحلة الرابعة والأخيرة من المعركة. عند هذا الحدّ كان يمكننا اعتبار المعركة منتهية من حيث العمل العسكري، لأن العدو تراجع وانسحب من أمامنا، وبقيت مسألة التنظيف وإعلان انتهاء العمليات العسكرية.
 

• المرحلة الثالثة:
كان يفترض أن يُنفَّذ الهجوم الأخير صباح 27/8/2017، ولكن قبل حوالى ساعتين من الوقت المحدّد تمّ وقف إطلاق النار، وانسحب عناصر «داعش» المتبقّين إلى خارج الحدود. في 28/8/2017 تابعت القوى مهمّتها بتفتيش البقع والمسالك وتنظيفها لشقّ الطريق نحو آخر نقطة على الحدود. دخلت وحدات من اللواء السادس مع عناصر من فوج الهندسة إلى معبر مرطبيا ونظفته وصولاً إلى حليمة قارة، حيث ارتفع العلم اللبناني على آخر شبرٍ من الأراضي اللبنانية، على المرتفع 2435، وعادت الجرود إلى حضن الوطن.

 

بماذا تميّزت هذه المعركة؟
يعتبر العميد الركن داود أن أبرز ما ميّز هذه المعركة، هو:
• الفكر الإجرامي للعدو الذي فخّخ وتفنّن في صناعة التشريكات والتفخيخات، ما حدّ نوعًا ما من سرعة المناورة لدى القوى المهاجمة رغم الجهود الهندسية الكبيرة.
• سرعة اندحار العدو الناتجة عن أمرَين:
- تكامل المناورة بالقوى مع الدعم الناري. فقد تمّ التنسيق بين وحدات المناورة ووحدات الدعم. كانت الـScan Eagle تراقب، وطائرات السيسنا ترمي وتخدم مناورة القوى في حركة الالتفاف، بالإضافة إلى الدعم الناري الذي كان يؤمّن تقدّمها وخصوصًا باستخدام الـ Copper Head (قذائف موجّهة بالليزر).
- التعاون وتكامل الجهود بين القوى والوحدات المشاركة Joint Efforts، وحسن قيادة الوحدات المنضوية تحت القيادة العملانية، وحسن تنفيذ الأوامر، واحتلال الأهداف في الوقت المحدّد وبالشكل المطلوب.

 

دعم معنوي يساوي المدافع
• لاحظنا تعاون أهالي المنطقة ودعمهم للجيش خلال المعركة، فماذا تقول لنا عن هذا الموضوع؟
لقد كان تعاون الأهالي مؤثرًا جدًا، وهذا ما وفّر لنا دعمًا معنويًا كبيرًا يساوي كل ما لدينا من أسلحة...
وقبل أن ينهي الحديث، وجّه العميد الركن داود كلمة شكر إلى اللبنانيين وفي مقدّمهم رئيس الجمهورية، وإلى العماد قائد الجيش، والضباط والعسكريين الأبطال، وحيّا أرواح الشهداء الأبرار، وأوجاع الجرحى...