تكريم متقاعدين

قيادة الجيش كرّمت الضباط المتقاعدين
إعداد: باسكال معوض بو مارون

العماد قهوجي: أنتم إرث الجيش

 

«أنتم إرث الجيش والمرآة التي تعكس صورته الناصعة في مجتمعكم ومحيطكم...»، بهذا الكلام خاطب قائد الجيش العماد جان قهوجي الضباط المتقاعدين خلال حفل الاستقبال الذي أقامته القيادة في قاعة العماد نجيم بمناسبة عيد الجيش.
حضر الإحتفال الذي ترأسه العماد قهوجي رئيس الأركان اللواء الركن شوقي المصري، ورئيس رابطة قدماء القوى المسلحة اللبنانية العماد المتقاعد ابراهيم طنوس، وعدد كبير من الضباط المتقاعدين وكبار ضباط القيادة.
النشيد الوطني اللبناني ومن ثم دقيقة صمت على أرواح الشهداء، فكلمة العماد المتقاعد ابراهيم طنوس، وختاماً كلمة قائد الجيش العماد قهوجي وحفل كوكتيل.

 

قائد الجيش
استهل العماد قهوجي كلمته قائلاً:
بالأمس القريب، شاهدنا وإياكم ساحات الوطن تشتعل احتفاءً بالجيش وتكريماً له في عيده، وسمعنا آيات التبريك والثناء تنهال عليه من كل شفة ولسان، فيما انبرت خيرة قامات الأقلام، تشيد بمآثره ودوره الكبير في حياة الشعب والوطن. واليوم نتوّج هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا جميعاً، بلقاء أبناء العائلة العسكرية الواحدة، فالعيد عيدكم أيها الرفاق، ومن أولى منكم بفرح الحصاد، بعد أن بذلتم أغلى سنوات العمر في خدمة هذه المؤسسة، التي باتت بفضلكم وبفضل رفاقكم السابقين واللاحقين، المؤسسة الوطنية الأولى، التي يشخص إليها اللبنانيون جميعاً بكثير من الاعتزاز والتقدير، ويرون فيها ما يضمن حاضرهم ومستقبلهم، وما يجسّد احلامهم في وطن قوي حر مزدهر.
فأهلاً وسهلاً بكم في أحضان مؤسستكم الأم، إخوةً أوفياء مخلصين. وأضاف: إن أهمية دور الجيش اللبناني، لا تقتصر على ما يمثّله هذا الجيش من رمز لوحدة الوطن وسيادته واستقلاله، وعلى مهماته الدفاعية والأمنية والإنمائية فحسب، كما هي الحال لدى جيوش العالم كافة، بل تتعدى ذلك لارتباط هذا الدور بخصوصية المجتمع اللبناني وبقضايا إقليمية شائكة.
فلبنان كما يدرك الجميع، وطن فريد ببنيته ورسالته، يقوم على توازنات دقيقة بين مختلف فئاته، في إطار الوحدة في التنوع والتنوع في الوحدة، الأمر الذي يستوجب من المؤسسة العسكرية الاضطلاع بدور استثنائي، يتجلّى في السهر على وحدة الشعب، وصيغة العيش المشترك بين أبنائه، والتي يشكّل أي إخلال بها تهديداً للنظام العام وقفزة بالوطن نحو المجهول.
ولبنان كذلك يقع في خضم منطقة ساخنة، تعصف بها أزمات سياسية وعسكرية متلاحقة، بفعل استمرار العدو الإسرائيلي في اغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني، واحتلاله أجزاء من الأراضي اللبنانية، ورفضه الانصياع لشروط السلام الشامل والعادل، وخير دليل على ذلك ما نسمعه اليوم على ألسنة قادة العدو من تهديدات يومية ضد لبنان، بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي، وإلهاء الرأي العام الدولي عن مخططاته المشبوهة. وهذا الواقع يتطلب أيضاً من المؤسسة المزيد من اليقظة والجهوزية والاستعداد لمواجهة المخاطر والحد من تداعياتها. وعلى الرغم من جسامة هذه التحديات، استطاع الجيش أن يقوم بواجبه كاملاً، مذلّلاً بولائه الصلب للوطن وتضحياته السخية، كل ما اعترضه من صعاب خلال ستة عقود ونيف من الزمن.
وتناول المرحلة الأخيرة التي مرّ بها لبنان قائلاً:
لقد عرف لبنان خلال السنوات الأخيرة، كما تعلمون، أحداثاً خطيرة كادت تهدّد الكيان في وحدته وترسم أكثر من علامة استفهام حول مصيره، وكان على الجيش أن يتبع سياسة السير بين النقاط المشتعلة، تارة في مواجهة العدو الإسرائيلي والإرهاب، خصوصاً خلال عدوان تموز العام 2006، ونهر البارد العام 2007، وطوراً في مواجهة نار الفتنة الداخلية التي تأجّجت بفعل احتدام المواقف واختلاط الآراء والمفاهيم، لكن حضور الجيش الفاعل والقوي، الذي ترجم بصلابة وحدته واستعداد عسكرييه للتضحية من دون حساب، شكّل في كل مرة صمّام الأمان وخشبة الخلاص، مقدّماً كعادته ضريبة الدم الباهظة من أجل صون الوحدة الوطنية، وتحقيق الاستقرار المنشود الذي نشهد اليوم فصوله المتتالية، مع نجاح الجيش بالتعاون مع سائر الأجهزة الأمنية في تفكيك العديد من شبكات الإرهاب والعمالة، وتحصين مسيرة السلم الأهلي، ومواكبة خطوات العهد الجديد في النهوض بالبلاد على مختلف الأصعدة.
وختاماً حيّا رفاق السلاح بالقول:
أنتم أرث الجيش والمرآة التي تعكس صورته الناصعة في مجتمعكم ومحيطكم، وكما كنتم خلال الخدمة العسكرية، قدوة في المناقبية والاندفاع والإلتزام، كلي أمل وثقة أن تستمروا في ما دأبتم عليه، رسلاً له وشهود حق، تدافعون عنه بالكلمة المسؤولة والموقف الشجاع، وتجسّدون قيمه ومبادئه في نشاطاتكم اليومية، فتؤكدون بذلك عمق أصالتكم ووفائكم، وتحظون باحترام المواطنين وتقديرهم.
عهدي لكم أيها الرفاق أن تبقى المؤسسة الى جانبكم، أمينة على تضحياتكم، مشاطرة إياكم الأعباء والصعاب، وأن تظل ملاذكم الدائم الذي تطمئنون إليه. فلنشبك السواعد معاً في مقبل الأيام، لأن في الإتحاد قوة، ومن خلال الوفاء والتضامن، نكمل المسيرة ونسمو بالجيش والوطن.

 

كلمة العماد طنوس
في مستهل كلمته، بادر العماد طنوس الى القول: في هذه الذكرى المجيدة، ذكرى تأسيس الجيش اللبناني، أتوجّه بتحية إكبار وإجلال إلى أرواح شهدائنا الأبرار، وبإسم جميع الضباط المتقاعدين أحيي قائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي أبهر المواطنين بأدائه، حيث تمكّن الجيش في ظل قيادته الحكيمة، من توفير الأمن للإنتخابات النيابية التي جرت لأول مرة في كل لبنان وفي يوم واحد، ومن تفكيك شبكات التجسّس والعمالة، وإفشال محاولات إحياء العصابات الارهابية، ودهم معاقل المجرمين، وبالتالي إشعار اللبنانيين بأن بلدهم المتنوع هو أكثر أمناً من أي بلد آخر. لكن هذه الإنجازات كلها، لم تشغله عن متابعة تنفيذ مشروع تحديث الجيش من دون إرهاق الخزينة. ونحن نعرف كم يتطلب هذا المشروع من سعي وإبداع. لذلك رأيناكم يا حضرة العماد تجولون في العالم وتقرعون كل الابواب، من أجل الحصول على أسلحة حديثة وذخائر وبرامج تدريب. وقد شاهدنا وصول وتسلّم طلائع هذه التجهيزات، ولاحظنا في أي ظروف أعدتم تدريب الوحدات وحفّزتم القوات الخاصة وميّزتموها، لتصبح رأس الحربة في مكافحة الإرهاب. وبأي عناية أجريتم التشكيلات الأخيرة لتسريع تنفيذ برامجكم الإصلاحية. لقد لاحظنا كلنا أن هذه الإصلاحات عمّت كل القطاعات، كما إستفادت منها رابطة قدماء القوى المسلحة اللبنانية التي تمكّنت بمساعدتكم من تأليل إدارة مواردها البشرية، وتحسين شروط النقل فيها وتسديد العجز في موازنتها. ولقد أطلعنا أركانكم على التوجيهات التي أعطيتموها لتسريع عملية تخصيص أحد عقارات النادي العسكري المركزي لبناء مقر رئيس لرابطتنا، والإسراع في توطين رواتب الرتباء والافراد المتقاعدين، لتمكينهم من قبض مساعداتهم المرضية والمدرسية من دون عناء، وها نحن نتلقى إشارات من حلبا والهرمل ودير الأحمر وحاصبيا وغيرها، أن شروط الطبابة والاستشفاء بدأت تتحسن، وأن كرامة المتقاعدين في المؤسسة العسكرية هي اليوم أكثر صوناً...
وأضاف قائلاً:
لا شك أنكم اطلعتم على مشروعَي القانون اللذين يجيز أحدهما للحكومة، منح الموظفين بدل غلاء معيشة مقطوع، قدره مائتا ألف ليرة لبنانية شهرياً، ويجيز الثاني لحظ الاعتمادات اللازمة لدفع فروقات سلسلة الرتب والرواتب.
كلّفت الرابطة اللواء المتقاعد عثمان عثمان، ملاحقة صدور القوانين لوصول المتقاعدين إلى حقوقهم، وبالفعل نجح في ما يتعلق بالمشروع الاول، أي رفع المبلغ من مئة ألف ليرة إلى مئة وسبعين ألفاً، وذلك تكريماً لمبدأ المساواة بين المتقاعدين وموظفي الخدمة الفعلية، كون هؤلاء الأخيرين يتقاضون عند تقاعدهم مبلغ 170 ألف ليرة أي 85٪ من المبلغ المخصص لهم.
أما بالنسبة الى المشروع الثاني فقد تمكنّا من العمل على إصدار القانون الذي يعطي المتقاعدين المفعول الرجعي كغيرهم، إلا أن وزارة المالية قامت بتفسير هذا القانون بحرمان المتقاعدين من المفعول الرجعي، وتمكنت الرابطة في النهاية، من وضع مشروع قانون لتفسير هذا القانون، ولا يزال العمل جارياً بشأن الوصول إلى إعطاء المتقاعدين حقوقهم.
لقد خرجت الرابطة من هذه التجربة باستنتاج واحد، وهو أن عدد المتقاعدين يزداد بإستمرار وموارد الدولة تنقص كل يوم، بسبب إرتفاع كلفة الدين العام وازدياد عجز الموازنة، وأن ممانعة وزارة المالية لزيادة رواتبنا ستشتد، لذلك بدأنا نسعى لتحويل رابطتنا الى مؤسسة اقتصادية منتجة إسوة بما فعلته المملكة الاردنية الهاشمية برابطة قدماء قواها المسلحة عندما حوّلتها إلى مؤسسة إقتصادية منتجة، وسلّمتها إدارة بعض المرافق العامة، وهي تذكرنا بـ«مشروع قانون الألفية» الذي تقدّم به أسلافنا، واعتبروا فيه أن جميع قدماء القوى المسلحة منتسبون حكماً إلى الرابطة، وفوّضوا وزارة المالية اقتطاع جزء من ألف من رواتب المتقاعدين وعسكريي الخدمة الفعلية، وتحويل المحسومات للرابطة، بغية تمكينها من إقامة مشاريع إقتصادية منتجة. وقد حاز مشروعهم يومها موافقة المراجع المختصة، وعُرض على المجلس النيابي ولم يُقر في حينه لظروف معيّنة، آملين ان تكون الظروف الحالية أكثر ملاءمة لإقرار هذا المشروع.
لقد عرضنا أمامكم الواقع الذي تعيشه الرابطة، والافكار التي نتداولها لمواجهة المستقبل، وفي الختام، نكرر شكرنا للعماد قهوجي صاحب الدعوة، ورئيس الأركان اللواء الركن شوقي المصري وأعضاء المجلس العسكري وهيئة الاركان، وكل المتقاعدين الذي حضروا إلى هذا اللقاء، وضباط الخدمة الفعلية والرتباء والأفراد، الذين بذلوا جهداً من أجل خدمة قدماء القوى المسلحة اللبنانية. لقد شعرنا اليوم أن علاقتنا بكم وبمؤسستنا الأم ازدادت صلابة.
في ختام كلمته، سلّم العماد طنوس كلاً من العماد قهوجي واللواء الركن المصري درع الرابطة ووسام الشرف للإتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب التابع لجامعة الدول العربية والذي كان قد منح لهما في أثناء انعقاد المؤتمر مؤخراً في الجماهيرية العربية الليبية.