سلامتكم تهمنا

كاميرات الضبط المروري ما هو دورها في الحد من المخالفات؟
إعداد: الدكتور الياس ميشال الشويري
رئيس الجمعية اللبنانية للسلامة العامة (LAPS) وممثل منظمة السلامة العالمية لدى الأمم المتحدة

نظـراً إلى كثرة المخالفات المرورية التي ينجم عنها العديد من الحوادث التي يذهب ضحيتها الكثير من البشر والممتلكات، أصبحت السلطات الأمنية تشدد في جميع أنحاء العالم، على مراقبة السير بشكلٍ منتظم لتلافي وقوع مثل تلك الحوادث.

 

الثقافة المرورية

من التقنيات الحديثة ما يُسمى «كاميرات الضبط المروري» التي انتشرت في المجتمعات الغربية منذ فترة، غير أن هذه التقنية تعتبر تجربة حديثة في العالم العربي. ومن المنتظر أن يُقلل استخدام هذه الوسيلة من حضور العنصر البشري (رجل المرور) بشكل كبير، غير أن فاعلية هذه التقنية ربما تعتمد على توافر عدد من العوامل منها:

1- نشر الثقافة المرورية بين فئات المجتمع عامة وبين الفئات المستهدفة (الأكثر مخالفة لأنظمة المرور) كصغار السن بشكل خاص.

2- توعية المجتمع حول هذه التقنية (كاميرات الضبط المروري) عبر وسائل الإعلام المختلفة.

3- تفعيل دور هذه الكاميرات عن طريق العقاب المباشر والسريع لمن يخالف الأنظمة المرورية.

4- تنفيذ العقوبة المزدوجة (التوقيف والغرامة المالية) لمن يرتكب مخالفة قطع الإشارة.

5- عرض نماذج من الحوادث التي حدثت نتيجة قطع الإشارة، وذلك عن طريق الرسائل القصيرة المرئية.

 

الكاميرات ... فاعلية أكثر

كاميرات ضبط المخالفات هي كاميرات خاصة لضبط مخالفة تجاوز «رادار السرعة» أو قطع الإشارة الضوئية، وهي تعتبر وسيلة ضبط حديثة في مقابل الوسائل التقليدية مثل الضبط بواسطة دوريات المرور ونحو ذلك. وقد أكدت التجربة العالمية بما لا يدع مجالاً للشك، بأن تقنية الكاميرات ذات فاعلية لعدة جوانب، منها ردع المخالفين وتقليل الحوادث وضحاياها.

أما بالنسبة إلى الردع فقد أوضحت التجربة العالمية أن الكاميرات تنشر شعور «رهبة» الرقابة عند قائدي المركبات، فتدفع بهم إلى الحرص على عدم تجاوز السرعة أو تجاوز الإشارة الضوئية، وإن كانت هناك دراسات أشارت إلى أن أكبر الفاعلية تكون على الفئة التي تخالف بشكل أكثر، فمثلاً كاميرا رادار السرعة قللت من عدد السائقين الذين يتجاوزون السرعة المحددة على الطريق بمقدار كبير.

 

تفاوت في نسب النتائج الإيجابية

تشير التجربة العالمية إلى تفاوت في فاعلية هذه التقنية بحيث راوحت نسبة الانخفاض في ضحايا الحوادث من نحو 10٪ في بعض الأماكن إلى ما يزيد على 60٪ في أماكن أخرى، وعلى وجه العموم فهذه التقنية لها فاعلية مؤثرة في تحسين مستوى السلامة المرورية، ولكن يجب القول إنها ليست عصا سحرية سوف تغيّر في وجه الوضع المروري، لأن هناك إشتراطات لنجاحها، ولكي تكون فاعلة يجب وضع معايير لتركيب الكاميرات واختيار مواقعها وتحليل معلوماتها وتقييم أدائها.

ونظراً إلى قلة هذه الكاميرات حتى الآن وعدم توعية قائدي المركبات حول وجودها بالشكل المطلوب، فإنها لم تحقق الأهداف الموجودة من أجلها بشكل ملحوظ، وهي في هذه الفترة محصورة تقريباً في مراقبة سلوكيات قائدي المركبات، ورصد أنواع المخالفات المرورية، ودراسة أكثرها إنتشاراً ووضع الحلول اللازمة لمعالجتها، ولن نصل إلى نتائج جيدة في تقليل الحوادث المرورية باستخدام كاميرات المراقبة إلا من خلال وجود نظام متكامل ورادع للمخالفات المرورية الموجودة.

 

التكلفة الإقتصادية

بالنسبة إلى التكلفة الاقتصادية التي تعتبر من أهم العوامل المؤثرة في عملية متابعة الحركة المرورية ومراقبتها، يطرح السؤال الآتي نفسه: هل تساهم الرقابة التقنية في تخفيف الرقابة البشرية؟

ونجد أن التجربة والجدوى الاقتصادية تجيبان بالإيجاب بالطبع، فأحد أهداف إستخدام الرقابة الإلكترونية يتمثل في التغلّب على محدودية الموارد البشرية التي تتطلبها الرقابة التقليدية، والدليل أن كاميرا واحدة على سبيل المثال قد تقوم مقام نحو 20 دورية!

 

إمكانات إضافية غير تقليدية

من جهة أخرى، فإن الرقابة الإلكترونية تقوم بمهام الرقابة في ظروف لا يمكن للرقابة التقليدية القيام بها. مثلاً في الازدحام تستطيع الكاميرا ضبط المخالف بينما يصعب على دورية المرور القيام بذلك، كما أن ظروف الطريق وتصميمه الهندسي يحول دون قيام دورية المرور بضبط مخالفة السرعة بينما تقوم الكاميرا بذلك بسهولة، ولا ننسى أن الكاميرا لا تمرض مثل الإنسان ولا يصيبها التعب والارهاق خلال النهار! ولا تعرف الواسطة! وهذه أمور مهمة في عملية الضبط المروري!

 

تكامل مع الرقابة البشرية

مما لا شك فيه أن الرقابة الإلكترونية تساهم كثيراً في تخفيف الرقابة البشرية، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها وحسب، بل لا بد من وجود الرقابة البشرية أيضاً التي تعتبر الجانب التنفيذي، بالاضافة الى أن الرقابة الإلكترونية تهتم بجانب الرصد بينما الرقابة البشرية تهتم بجانب التوعية والارشاد لقائدي المركبات ومستخدمي الطرقات.

 

تعميم الرقابة وتفعيلها

بعد ان ثبت أن نجاح التجربة أمر مفروغٌ منه، يبقى الأمر الأهم هو الإسراع بتطبيق تركيب تلك الكاميرات لتشمل كل المدن والقرى، وتحديد أهم الأماكن لتركيبها، ومن المهم هنا مشاركة القطاع الخاص لإنجاح هذه الأمور، لذا من المهم البدء في إعداد اتفاقية شاملة يكون اطرافها إدارات المرور، والمستثمر الذي سيقوم بتركيب تلك الكاميرات وتشغيلها وصيانتها.

وتعتبر الاستفادة من الرقابة الإلكترونية والتطور التقني الحاصل مطلباً مهماً جداً، ولكن يجب أن يترافق ذلك مع معرفة أسباب المخالفات وأماكن حدوثها، ووضع الحلول المناسبة لها وتوعية المجتمع المدني بتلك الامور التقنية التي تُستخدم مع ضرورة ان يشعر مستخدم الطرق وقائد المركبة بالصدقية، وأن هذه التقنية ليست صورية بل لها دور وهي وُجدت لحمايته!

ويجب أن نشير هنا الى ضرورة أن يسبق مرحلة تطبيق استخدام كاميرات المراقبة مرحلة توعية للمجتمع، ببدء برنامج يتمثل في التنسيق مع إدارات المرور لتركيب لوحات إعلامية وإرشادية مناسبة، مع التركيز على أن الهدف هو تقليل عدد الوفيات والإصابات الناتجة عن الحوادث المرورية، وليس تحصيل المخالفات مالياً فحسب!

بقي أن نشير الى أن هذه التقنية لا تملك عصاً سحرية في تغيير السلوك البشري وإنما هي أداة يفترض أن تساعد في ضبط النظام المروري على الطرقات، ولكن من أهم شروط نجاحها دراسة كيفية تطبيقها، ووضع معايير واضحة لهذا التطبيق، فالتقنية قد تكون سلاحاً ذا حدين إذا ما حصل فشل في تطبيقها ولم تؤدِ مستوى النجاح المأمول، فإن ذلك سيكرس مفهوم «اللامبالاة» بأنظمة المرور من قِبل السائقين... وبالتالي البقاء على عددِ كبير من الحوادث المرورية... المفجعة!