أسماء لامعة

كريم أبو شقرا
إعداد: تريز منصور

زارع الفرح يوم عزت الابتسامة

 

من الفنانين المتميّزين في عالم الكوميديا الارتجالية. أصرّ على زرع البسمة على شفاه الناس يوم عزّت الابتسامة خلال سنوات المحنة التي عاشها لبنان، وشكّل حالة استفزّت مثقفين ونقّادًا، وجذبت مُشاهدين تحوّل بعضهم إلى روّاد أساسيين في صالات تعرض أعماله.  إنه الفنان المسرحي والكاتب كريم أبو شقرا، الذي أغنى المكتبة الفنية في لبنان مسرحًا وأفلامًا، والذي استعان بأدوات فنية شتّى لبلوغ جمهور مال إلى الضحك العفوي.

 

حياته
ولد كريم أبو شقرا في بلدة كفر عميه - قضاء عاليه في 21 تشرين الثاني 1944. عمل في الإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما.
حلم بالفن منذ أيام المدرسة، وهو الابن الوحيد للعائلة. انتسب في السادسة من عمره إلى «جمعية الكشاف اللبناني»، حيث ظهرت موهبته في مسرحيّات مقتبسة لموليير مع مجموعة من الأصدقاء. إلا أنه أدرك أن الحلم لن يطعمه خبزاً، ولن يتمكن من أن يقدّم له وحده عيشة كريمة مع عائلة في المستقبل. لذا استنجد بالوظيفة الرسميّة، وفرّغ وقته الثاني لممارسة الحلم (الفن). وفي سن العشرين، أسّس فرقة «وشاح الأرز» في عاليه، وكانت باكورة عروضها مسرحيّة «الآباء والبنون» لميخائيل نعيمة.
 في أواخر الستينيات، إختاره «محترف بيروت للمسرح» لتجسيد ست شخصيات مختلفة في مسرحية «إضراب الحرامية» للمخرج روجيه عسّاف. وشارك أيضاً في مسرحيات مع جلال خوري ويعقوب الشدراوي وميشال نبعة، ومنها: «مرجان وياقوت والتفاحة»، و«ايزا»، و«جحا في القرى الأماميّة»، و«الرفيق سجعان»، و«قبضاي»، و«الستارة».
كريم أبو شقرا، فنان الكوميديا النابعة من الوجع والناس والفرح حتى البكاء. هو من زمن أراده أن يكون جميلًا على الرغم من صعوبة تلك المرحلة، وكان طيف فنّه قد لاح مع حرب أنهكت الوطن وشعبه، وكذلك صوته الفكاهي في برامجه الكوميدية عبر أثير الإذاعة اللبنانية.
بدأت الحرب اللبنانية الشرسة العام 1975، فأصرّ أن يقدّم فنّه الضاحك من خلف متاريس التناقضات، رفض الحرب وأخذ يقدّم مسرحًا ضاحكًا، ناقدًا، صارخًا ومعبرًا عن عدم اقتناعه بالحرب. لم يهتم لأحد ولم يدفع خوّة الأمر الواقع على مسرحه، مع أن رسائل التهديد وصلته آنذاك. أصرّ على أن يكون من الفنانين اللبنانيين، لأنه يؤمن بأن الفنان والكاتب، هما من يصنعان تاريخ الوطن، وليس الزعامات الطائفية أو السياسية أو الحزبية.
انتقد السياسيين وسخر من المتحكّمين بمقدرات البلد، ودعاهم عبر مسرحه إلى إيجاد حلول تنقذ لبنان من مأزقه. ومن هذه الأعمال التي وجد معظمها إقبالاً كثيفاً: «الصلح سيد الأحكام»، و«خلّوا للصلح مطرح»، و«خوازيق»، و«ماكو بارود»، و«أوفريرا»، و«جرجي درس الموضوع»، و«جندرما يا شباب»، و«ما بعرف»، و«أبونا أيوب»، و«نوسي نوسي» (مع صباح)، و«صولو»، و«تعا ننسى»، و«طبش الباب وفل».
تزوج الفنان كريم ابو شقرا من السيدة نورما جرجس الخوري العام 1977، وأنجبا ثلاث بنات: جوليات زوجة المخرج طوني القهوجي، نورا ونوركا.

 

بالكلمة البسيطة دخل القلوب
دخلت كلماته البسيطة عقول الناس وقلوبهم، أما بساطته الشخصية في التعاطي معهم فترافقت مع كسره الحاد تقاليد راسخة، وقد استفاد من ذلك لاحقًا عاملون في «الشانسونييه».
من أهم مسرحياته «نوسي نوسي» مع السيدة صباح في منتصف الثمانينيات، حيث كانت الحرب في لبنان تأكل الأخضر واليابس. يومها زارها في منزلها تحت القصف طالبًا منها أن تتعاون معه فنيًا من خلال مسرحية أو فيلم، فردّت عليه قائلة: «إذا استطعت أن تأتي بألحان من إلياس الرحباني وإيلي شويري فأهلا وسهلا بك». وهذا ما حصل، إذ عاد أبو شقرا حاملاً باقة أغانٍ جميلة من الياس الرحباني، («نوسي نوسي»، و«رقصني دخلك يا حبيبي» و«ولد يا ولد، و«من صيدا لجونيه»...).
كما شارك لاحقًا صباح في «كنز الأسطورة»، (آخر مسرحياتها) الى جانب جوزيف عازار وفادي لبنان وغيرهما... ومثّل الى جانبها فيلمًا سينمائيا حقّق نجاحًا باهرًا (إيام اللولو).
وكانت مسرحية «الرفيق سجعان» (1974) التي أخرجها جلال خوري، والتي أدّى أدوارها أبو شقرا مع نخبة من الممثلين (فيليب عقيقي، سليمان الباشا وليلى كرم...) من أبرز أعمال المسرح اللبناني في تلك الحقبة. وقد عرفت هذه المسرحية نجاحاً كبيرًا، وترجمت إلى عدة لغات، ومثّلت في الخارج حيث عرضت طوال سنتين على خشبة إحدى الصالات الكبرى في ألمانيا.

 

في السينما
بين المسرح المنضوي في إطار «الشانسونييه» في ذروة تألّقه، والسينما التي شارك فيها منذ وصول مخرجين مصريين إلى بيروت نهاية الستينيات من القرن الماضي، شكّل كريم أبو شقرا حالة استفزّت مثقفين ونقّاداً، وجذبت مُشاهدين تحوّل بعضهم إلى روّاد أساسيين في صالات تعرض أعماله. وقد اختار أبو شقرا لأفلامه مواضيع اجتماعية غلّفها بقوالب كوميدية ضاحكة مثل «الحب المبتور» أو «الصراع الزوجي» أو «السرقات والعصابات» ...
وبين المسرح والسينما، حقق أبو شقرا حضورًا راسخًا في وجدان كثيرين، رافقوه من «الشانسونييه» إلى صالة السينما، أو ذهبوا إليه، بحثاً عن لحظة صفاء، أو هربًا من ضجر الأيام والعمل. فهو، ببساطته وعفويته وجمال حضوره وسط الناس والمحبّين، جذب الجمهور مع أنه حافظ على نسق واحد تقريبًا في مقاربة الشخصيات وكتابتها، أو في معالجة المواضيع وتمثيل أدوارها.
شكّل مع الفنان منير كسرواني ثنائيًا جميلاً... فُتحت لهما أهم الصالات المسكونة بالخوف من ضياع الإنتاج في هباء الحرب، كبرا معًا بين القناص والجمهور والنقاد، لكنهما افترقا في ما بعد.
في السينما، اعتمد أبو شقرا على البساطة الجميلة، وحاول أن يساهم في جعل الصورة المتحرّكة منفذًا للتسلية، أو سبيلاً إلى التنفيس.
أمّا في التلفزيون، فقد سجّل مشاركتين مع الراحلة هند أبي اللمع في «عازف الليل» و«حول غرفتي»، واستمرّت سنوات محطاته الانتقاديّة على شاشة تلفزيون لبنان (170 حلقة من «كاريكاتور كريم أبو شقرا»).


وفاته
أصيب الكوميدي كريم أبو شقرا، الذي حارب السلاح بالبسمة بمرض عضال أفقده أصابعه، ومع ذلك لم يتوقف عن كتابة النصوص المسرحية، لا بل تحدّى المرض، وقدّم العام 2010 مسرحية ناعمة، لكن المرض تغلّب عليه، فغدر به وأبعده عن مسرحه وعن جمهوره، فتوفي في 25 تشرين الأول العام 2011، عن عمر يناهز الـ68 عامًا، وبرحيله خسر لبنان والفن معًا إسمًا فنيًا كبيرًا.
لن ينسى جمهور أبو شقرا الفضيلتين اللتين امتاز بهما: إصراره على زرع البسمة على شفاه الناس، يوم عزت الابتسامة خلال سنوات المحنة التي عاشها لبنان. وإصراره على المغامرة بما جمع من بعض المال كي يؤمن للسينما اللبنانية بقاءها واستمراريتها، في وقت كانت فيه الفنون في لبنان تتهاوى، على حد ما جاء في كلمة وزير الثقافة يوم تشييع الراحل.

 

كريم أبو شقرا في خدمة العلم
تكريمًا للمؤسـسة العسكرية، وإيمانًا منه بدورها الكبير في تحقيق الإنصهار الوطني، من خلال خدمة العلم، خصّها الفنان كريم أبو شقرا بفيلم سينمائي، توجيهي وترفيهي العام 1995 (كريم أبو شقرا في خدمة العلم) من إعداده (سيناريو وحوار) وإخراج فؤاد جوجو. قام بدور البطولة كريم أبو شقرا وساندرين نور، وشارك في التمثيل نخبة من الممثلين (فيليب عقيقي، ماجد أفيوني، عليا النمري، خالد السيد، هند طاهر ويوسف فخري...). وتدور أحداث هذا الفيلم حول هروب أم دحروج الحامل، بعد أن قتلت زوجها الذي حاول الاستيلاء على حليّها. تلد المرأة توأمين، ولا تقيّدهما في سجل النفوس، وعندما يقترب أجلها بعد ربع قرن، تحكي الحكاية للعمدة، الذي يسجلهما على أنهما ولدا يوم وفاة الأم. يبقى دحروج بو طاقية (كريم أبو شقرا) في القرية، وبعد عشرين عامًا يُطلب إلى التجنيد، فيلتحق ويؤدي خدمته وسط سلسلة من المواقف الطريفة...

 

أعماله
أغنى الفنان كريم أبو شقرا الفن اللبناني بأعماله المسرحية والسينمايئة نذكر منها: «سارق الملايين (1968)، و«أبو المراجل» (1968)، و«جحا» (1969)، و«غزلان» (1969)، و«قطط شارع الحمرا» (1971)، و«ساعي بريد» (1977)، و«شيطان الجزيرة» (1978)، و«سمك بلا حسك» (1978)، و«المرمورة» (1985)، و«ايام اللولو» (1986)، و«الرادار» (1988)، و«كريم أبو شقرا في خدمة العلم» (1995)، و«فدعوس وفتاة الأتوستوب»...

المصادر:
المطبوعات اللبنانية: النهار، السفير، الأخبار، الحياة, مجلة «الجيش».
http:www.wekipedia.com
http:www.arabiclub.net
http:www.moonkw.com