طفولة

كلمات الكبار قد تغتال براءة الصغار وتزعزع استقرارهم النفسي
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

لا تخلو الحياة العائلية من بعض المناوشات التي تتطور أحيانًا، فيتناوب الزوجان على التراشق بالشتائم والاتهامات والكلمات البذيئة من دون التنبّه إلى ما يسبّبه ذلك من أذى للأولاد إذا حصل في حضورهم، خصوصًا إذا تعرض أحد الطرفين إلى عنف جسدي أو نفسي.
إلى ذلك، ثمة ألفاظ قد يتبادلها الزوجان وتكون مقبولة خلال الجلسات الحميمة، ولكن استخدامها على مسمع الأطفال يخدش مشاعرهم الرقيقة وينتهك براءتهم.

 

ألفاظ لا ينبغي أن يسمعها الطفل
ثلاثة أنواع من الألفاظ ينبغي عدم توجيهها إلى الطفل أو استخدامها على مسمعه:
- الألفاظ الجريئة والشتائم التي تخدش الذوق وتتنافى مع الأخلاق، فهي تعشش في وعي الطفل كالجرثومة الخبيثة، وتثير لديه مقارنات خطرة، فتزرع في نفسه بذور الشك في القيم التي تربى عليها.
- الألفاظ الحميمة المباشرة أو غير المباشرة سواء وجّهت إليه أو تبادلها الوالدان على مسمعه، فهي تثير لديه صورًا وتخيلات من دون أن يستطيع إدراكها، كما أنها تنتهك براءته.
- الألفاظ التي توجه بشكل مباشر للطفل على سبيل تدليله ومداعبته أو امتحان ردات فعله، كأن يقال له: أنت فأر أو كلب أو حمار، وجدناك مع النّور أو في كيس الفحم أو تحت الشجرة، أو نحن لا نحبك، أو إنك بشع وأبله...إلخ. وأيضًا عبارات التهديد بالعقاب.
فهذه النعوت والأوصاف كما التهديدات، تشعر الطفل بأنه موضع توبيخ، وأنه أقل من الآخرين ذكاءً أو جمالًا. وفي جميع هذه الحالات، يتعلق الأمر بتصرف وبألفاظ تهدم ثقة الطفل بنفسه وتحيله إلى متاهة في عالم تقييم الذات، وإلى تراكم مشاعر قد تزعزع استقراره النفسي والعصبي.

 

إنعكاسات سلبية قد تستمر مدى الحياة
يلاحظ أن كلمات التهديد والتوبيح تقال عادة بصوت عالٍ، وقد أثبتت الأبحاث التربوية أنّ للصوت العالي والنبرة الحادة تأثيرًا بالغًا على الطفل، إذ يزداد فورًا عدد ضربات قلبه وتزداد شدّتها. أمّا اعتماد الكلمات النابية لتغيير سلوك الطفل غير المرضي وتحسينه، فلا يؤدي إلاّ إلى نتائج عكسية.
فالتوبيخ المستمر قد يؤدي إلى التمرّد، أو إلى كبت المشاعر وإظهارها بشكل آخر غالبًا ما يكون سلبيًا.
أشدّ الكلمات وقعًا على شعور الأطفال هي تلك التي تنفي حب الأهل لهم، أو توحي بالتخلي عنه، فالأطفال يفسرون الأشياء وفق ما تبدو لهم وكما يتصورونها. فهم لا يستطيعون إدراك مدى حب الأهل لهم وتضحياتهم في سبيلهم، لذلك قد تولّد كلمة يطلقها الأهل من دون أن يكونوا جادين، الشّك لدى الطفل في صدق مشاعر أهله حياله.
ويلاحظ علماء نفس الأطفال، أنّ هناك شبكة دلالية من الكلمات المستخدمة خصوصًا في مخاطبة الصبيان والمتعلقة بتمييزهم عن البنات، كأن يقال للطفل «إن الصبي لا يحق له البكاء كالفتاة وإنه قوي وشجاع». هذه الكلمات مفيدة إذا ما ترددت على مسمعه بين الحين والآخر، أمّا تكرارها فيجعله قاسي القلب وعنيفًا، وهنا يكمن الخطأ، لأن التعاطف مع بعض المواقف الإنسانية ضروري لغذاء النفس والروح.
كما أن تهديد الأم لأبنائها (خصوصًا للفتيات) إذا ارتكبوا خطأ، بالقول مثلًا: إن العقاب لا مفرّ منه عند عودة والدهم في المساء، هو أيضًا خطأ كبير. فهو يثير لديهم الشعور بالإذلال والخوف من المجهول، ويجعل جهازهم العصبي متحفزًا طوال الفترة التي تسبق العقاب.

 

المحاسبة العادلة
أمر آخر، على الأهل معاقبة الولد على ما ارتكب من أخطاء لا على شخصه أو عمره أو حجمه. كذلك يجب ألاّ يوجّه أحد الوالدين الملاحظات للطرف الآخر أمام الأطفال، أو يحمّله ذنب أخطائهم. فهذا الأسلوب يدفعهم إلى ارتكاب الخطأ مرارًا وتكرارًا، طالما أنهم يعرفون أنّ هناك من سيدفع الثمن بدلًا منهم. لذلك على الأهل تحميل الطفل نتيجة أخطائه وعدم رمي أي منها على غيره مهما كلّف الأمر. فالمحاسبة العادلة على الخطأ تسهم في تحسين سلوكه وفي زرع حسّ المسؤولية في نفسه.