فنون زخرفية

كلمات من جدتها رسمت مسار حياتها
إعداد: جان دارك أبي ياغي

الدكتورة ليلى هبر
نسيج محبة وحكاية عطاء

أبدعت يد الفنانة الخلاّقة ليلى هبر جداريات لها طابعها المميّز وأسلوبها الخاص، فإذا بأعمالها موضع إحتفاء، وشهادة لما تختزنه نفسها من جمال.
أستاذة الهندسة الداخلية والتواصل البصري تركت للنول أن يغزل خيطان الصوف جداريات ساحرة، طارت الى مختلف أنحاء العالم كبساط الريح...
لكل منسوجة من منسوجات ليلى هبر قيمتها الفنية والروحية والثقافية، فهي وليدة خيال إمرأة شغوفة بالمآثر والحِكم والشعر، فإذا بالنول يطيع مسارها في صناعة تحف كونية زيّنت قصوراً في عدد من بلدان العالم.

 

مسار متنوّع
أبصرت ليلى الياس هبر النور في بيروت سنة 1945، أنهت دروسها الثانوية في مدرسة راهبات العائلة المقدسة المارونيات. وحازت بعد خمس سنوات من الدراسة دبلوم دراسات عليا في الهندسة الداخلية والفنون الزخرفية من معهد الفنون الجميلة - الجامعة اللبنانية.
غادرت لبنان الى باريس بمنحة من الجامعة اللبنانية ودخلت المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية (ENSAD) وحصلت بعد ثلاث سنوات دراسية على دبلوم التخصص في التواصل البصري.
بعد عودتها الى لبنان، كلّفت بتدريس الهندسة الداخلية والتواصل البصري في معهد الفنون الجميلة - الجامعة اللبنانية، كما انتدبتها الجامعة اللبنانية سنة 1979 لتدريس الهندسة الداخلية في جامعة الروح القدس - الكسليك، لمدة أربع سنوات.
في الفترة الواقعة بين العامين 2001 و2006 انتخبت لمرتين متتاليتين رئيسة لقسم الهندسة الداخلية والفنون الزخرفية، في معهد الفنون الجميلة (الجامعة اللبنانية) والعام 2007 عيّنت رئيسة لقسم الفنون الإعلانية والتواصل البصري (في الجامعة نفسها).
من دون أن تنقطع عن مزاولة التدريس في معهد الفنون الجميلة، استمرت ليلى هبر في ممارسة مهنتها كمهندسة. كما تشهد على ذلك المشاريع العديدة التي صمّمتها وأشرفت على تنفيذها في لبنان والخارج، ومن بينها المنصة التي احتفل فيها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني بقداسه في أثناء الزيارة التي قام بها الى لبنان العام 1997.
بالإضافة الى التدريس وممارسة مهنتها الهندسية قامت ليلى هبر بأبحاث حول: هندسة البيت اللبناني، تاريخ الجدارية الشرقية، وتقنية المنسوجة الجدارية «كيليم» (Kilim).
وقد نشرت اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا (الأمم المتحدة ESCWA) البحث المتعلّق بتقنية «الكيليم» (Kilim)، ونشرت عدة كتب مدرسية البحث المتعلّق بهندسة البيت اللبناني.

 

النول دفتر تأملات
خصب التجربة التي اكتسبتها والإنطباع الذي تركته في ذاكرتها الحكاية التي سمعتها يوم كانت ما تزال طفلة من جدتها، دفعا ليلى هبر الى البحث عن الكلمة التي فيما لو ترجمت الى أية لغة كان، أوحت الى القارئ بحقيقة تعنيه.
هكذا دخلت المنسوجة عالم ليلى، وزنة أعطتها إياها جدتها في سن الصغر وظلت راسخة في ذاكرتها، الى أن أثمرت وصارت جداريات ساحرة كبساط الريح تأخذنا في سرّ الكلمة المخطوطة بخيط الصوف، على نول أصبح لهذه المبدعة دفتر تأملات، تكتب على صفحاته أجمل الأقوال الشريفة والمأثورة.
أما الحكاية التي روتها الجدة لحفيدتها فهي حكاية الأمير الذي اختار مهنة الحياكة كي يستعيد مملكته بعدما خسر الحرب، والتي لُخّص مغزاها بالمثل الشعبي القائل: «اللي بإيدو صنعة، بإيدو قلعة». وظلّ المثل يحفر في تربة الفتاة الى أن حان الوقت لأن يرتفع في مجموعة مدهشة من مئة وست وثلاثين منسوجة، تستحق أن يكون لها متحف، لو لم تتوزّع في أنحاء العالم.
ولأن لكل شيء بداية، ولدت فكرة النول من أبحاث قامت بها ليلى هبر في الجامعة اللبنانية، فجهّزت له محترفاً لحياكة الجداريات، واستقدمت إختصاصيين في تقنية «الكيليم»، وأدخلت بعض التعديلات على النول واستخدمت الصوف المعروف بجودته.
كل ذلك وفكرة جدتها في البال توحي اليها بمنسوجة من نوع «الكيليم» إنما بتقنية مختلفة،  لا عقدة فيها، يكون الخط محتواها. من الخط الفارسي، الى الرقعي، حتى وصلت الى الخط الكوفي والكوفي المورّق أو الهندسي وذات الزوايا بالرغم من قواعده الصعبة. ولم تتردد... على مدى سنتين والفكرة تنمو في روحها شغفاً وهياماً، تعلّمت الخط وأتقنت هندساته، وصارت تتعرّف على أسرار الأحرف، وتكتشف باختباراتها الأولى طواعية في بعض الأحرف كالكاف والواو والياء، وصعوبة في أخرى كالراء مثلاً التي يصعب التلاعب بها. أما الحصاد الوفير فكان في الفترة الواقعة بين العامين 1994 و2006 حيث تمكّنت من توقيع 106 جداريات (قطعة فريدة) توزّعت بين جامعي التحف الفنية في لبنان، فرنسا، إيطاليا، الفاتيكان، انكلترا، أميركا، إسبانيا، مصر، السعودية، مراكش، الكويت، والإمارات العربية. العام 1996 حازت جائزة الإبتكار في الفنون الحرفية من منظمتي اسيسكو وألكسو - الدار البيضاء - المغرب.

 

إحياء تراث لبناني
الإعتبار الأول الذي دفع ليلى هبر الى القيام بهذا العمل الذي يتطلب الكثير من الجهد والعناء والوقت والنفقات، طموحها ليس في إيجاد مجال عمل جديد للفنانين اللبنانيين وللحرفيين الذين سيتولون تنفيذ تصاميم الفنانين فحسب، بل في إحياء تراث لبناني وُلد ونشأ في بلدات بعقلين والفاكهة وعيدمون وبيت شباب وجونيه، وما تزال آثاره محفوظة في بعض المنازل اللبنانية كما ما يزال بعض الحرفيين يعمل على إبقائه قيد الحياة.
أما الإعتبار الثاني فهو أن مصدر إيحائها كان الكتابة العربية بما تشتمل عليه حروفها من إمكانات تشكيلية ومن دلالات ورموز مثيرة للإعجاب. نشير على سبيل المثال لا الحصر الى ما أفادت منه الكتابة الكوفية والفارسية والمغربية والى ما يشير اليه حرفا: نون التأنيث وميم التذكير، والى ما جعل من حرفي النون والباء، اللذين إذا ما وردا في مستهل أي فعل جعلاه يعني بأن شيئاً مستتراً قد ظهر.
في استيحاء اللغة العربية كما في اعتماد حياكة الجداريات إحياء للتراث اللبناني، ونسج لمساحات تلاقٍ بحسب الفنانة، خصوصاً وأن اللغة العربية هي إبنة الآرامية وكلا اللغتين تشكّلان وجهين من اللغة والكتابة الفينيقية. «اللغة العربية هي المحطة التي يتلاقى فيها اللبنانيون الى أية طائفة إنتموا» تقول هبر.


أسلوب خاص يجسّد روحانية الشرق
للأسلوب الذي اعتمدته الفنانة المبدعة الدكتورة ليلى هبر طابعه الخاص، ليس من ناحية إدراج الكلمات العربية على خلفية جدارية أو من ناحية استخدام الألوان لإضفاء التوازن والإنسجام والتناغم على مختلف أجزاء الجدارية، بل من ناحية ترتيب عبارات الآيات والحِكَمْ بالصيغة التي توحي الى درجة ما بمضمونها من دون التوقف عند قراءتها. وفي ذلك ما يشير الى أن الفنانة لم تستخدم الحرف العربي مسايرة للأساليب التجريدية السائدة في معظم أقطار العالم والتي إن عبّرت عند بعض الفنانين التجريديين الأصيلين عما يتمنّون نقله الى المتأمل، تبقى ضرباً من ضروب الزخرفة عند آخرين. فالزخرفة وإن لفتت المتأمّل وأثارت فضوليته ودغدغت بصره تبقى عاجزة عن توثيق التواصل الحسّي المولد للوجود بينه وبين الفنان.
صحيح أنها استخدمت الخط الكوفي في تأليف رسومها غير أنها عوضاً عن أن تكتفي بالتقليد السطحي لهذا الخط، نشطت في فتح آفاق فسيحة للإبداع الفني واختلاق إمكانات جديدة في تصميم الجدارية وتنفيذها وتناغم الإيقاعات الخطية واللونية داخل وحدة تشكيلية تؤمن سكون الجدارية من دون أن تمنع إنطلاقها نحو الأعلى وتجسيدها دعوة الشرق الروحية.


فنانة تستحق التكريم
أهمية ليلى هبر لا تكمن في نجاحها بإنشاء محترف لحياكة الجداريات فحسب، بل في الطابع والخصوصية والنفحة الروحية والفنية التي تتميّز بها إبداعاتها.
من هنا كانت محطّ تكريم من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية بمناسبة صدور كتبها الثلاثة حول المنسوجة الجدارية «الكيليم» على مسرح قصر الأونيسكو. وكان الإحتفال برعاية وحضور رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكر، وممثلة وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة سلوى السنيورة، قائد الجيش الأسبق العماد ابراهيم طنوس، ممثل قائد الجيش العماد جان قهوجي العقيد الركن سمير نصور، مدير التوجيه العميد الركن صالح حاج سليمان وعدد من الفاعليات الرسمية والثقافية والأدبية وأصدقاء المحتفى بها.
وقد تضمّن برنامج الإحتفال عرض فيلم وثائقي عن المنسوجة الجدارية وكلمات لكل من: الكاتبة والصحافية مي منسى، البروفسور جوزف أبو رزق، عميد معهد الفنون الجميلة الدكتور هاشم الأيوبي، الأستاذ عادل خليفة (عن رابطة الأساتذة المتفرّغين)، راعي الإحتفال رئيس الجامعة الدكتور زهير شكر وكلمة الختام للمحتفى بها. وقد قدّم الإحتفال الفنان والشاعر جان قسيس.

 

معارض فنية وثنائية
بين العام 1995 والعام 2008 شاركت الفنانة ليلى هبر في عشرات المعارض، حيث عرضت في سوق البرغوت ودرج الفن وشارع الحمراء، ووزارة السياحة (الصالة الزجاجية) والفوروم دي بيروت... كما عرضت أعمالها خارج لبنان في البحرين، والسعودية وضمن أسبوع لبنان في كان وأماكن أخرى.
ونوّه بأعمال الفنانة هبر العماد إميل لحود يوم كان قائداً للجيش، والأمانة العامة في الفاتيكان، والمطران بولس مطر، ورئيس ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام.

 

مشاريع هندسية
أنجزت المهندسة ليلى هبر العديد من المشاريع الهندسية، فقد رسمت عدة كنائس منها: مار أنطونيوس - بيت شباب وسيدة البحر، وسيدة البير وسيدة المعونات. كذلك من أعمالها الهندسية إعادة تأهيل مبنى تلفزيون لبنان - الحازمية، وتعاونية الحرف في لبنان، ومستشفى سان شارل ومتحفي الطوباوي يعقوب الكبوشي والبطريرك الياس الحويك.