مواسم وخيرات

كلوا عنبـاً ولا تهملوا ورقـه والبذور
إعداد: د. حسين حمود

تتميّز نبتة العنب بتاريخ عريق يعود الى ما قبل خمسة أو ستة آلاف سنة حيث عثر علماء الآثار المصرية على بذور هذه النبتة مع مومياء الفراعنة القدامى.
وترجح نظريات المؤرخين أن الفينيقيين كانوا أول المساهمين بنقل نبتة العنب الى العالم ونشرها، عبر أساطيلهم البحرية التي كانت تبحر في مياه البحر الأبيض المتوسط وتجوب مرافئه. هذه المراجع التاريخية تؤكّد أن الفينيقيين نقلوا نبتة العنب من مصر وسوريا الى اليونان وروما وأجزاء أخرى من العالم. أما بالنسبة الى لبنان فيعود تاريخ زراعة العنب فيه الى عهد الفينيقيين والرومان.

 

إنتاج العنب ومشتقاته في العالم
تفيد إحصائيات المكتب الدولي للعنب والنبيذ بأن إنتاج واستهلاك عنب المائدة كفاكهة طازجة، هما في نمو مستمر وذلك بفضل قيمته الغذائية والفيزيولوجية العالية. وتؤكّد هذه الإحصائيات أن 83٪ من مجمل إنتاج العنب في العالم يتمّ تصنيعه وأن 12٪ يستهلك كفاكهة طازجة وأن 5٪ منه يستعمل لإنتاج العنب المجفف أي الزبيب.
تضيف هذه الإحصائيات أن أعلى معدل إستهلاك للعنب الطـازج (40 كلغ لـلفرد الواحد سنوياً) سجّــل في لبــنان وسـوريا والأردن وبعض الدول العربية الأخرى، يليه كل من تركــيا وقبرص بمعدل 20 كلغ للفرد الواحد سنوياً ثم بلغــاريا وإيطـاليا بمعدل يراوح بين 10 و20 كلغ للـفرد الواحــد ســنوياً، وأخـيراً دول فرنسا وألمــانيـا وبلجــيكا وهــولندا وتشيــكيا والولايات المتحــدة الأميـركية حيث لا يتجاوز معدل الإستهلاك للفرد 5 كلغ سنوياً.
في ما يتعلق بإنتــاج واستهــلاك عصير العنب، تؤكد الإحصائيات أن هذا القطاع يشهد تصاعداً مستمراً. فالولايات المتحدة الأميركية تحتل المرتبة الأولى في إنتاج عصير العنب بينما تتصدّر فرنسا الدول الأوروبية في هذا الإنتاج.
هناك كميات قليلة من العنب يتمّ تجفيفها وتحويلها الى زبيب أو يصنّع منها دبس العنب، غير أن النسبة الكبرى من إنتاج العنب يتمّ تصنيعها أو تحويلها الى نبيذ (أكثر من 80٪)، أما تفل العنب الذي نحصل عليه بعد تكرير العنب وصنع النبيذ فيستخدم في صناعة السبيرتو الذي يستعمل بدوره في الصناعة الكيميائية والطب. هذا التفل يستخدم بعد ذلك كعلف للمواشي أو لإنتاج الأسمدة العضوية وإنتاج مادة التانين.
بذور العنب تستخدم بدورها للحصول على الزيت علماً بأنها تحتوي على نسبة 10 - 20٪ أو أكثر من الزيت.

 

محتويات العنب ومكوناته
ترمي زراعة العنب الى الإستفادة من ثماره التي تستأثر بحصة كبيرة من تغذية الإنسان لما لها من قيمة عالية من الناحيتين الغذائية والطبية، حيث أن كل كلغ من ثمار العنب يوفر للإنسان حوالى 30٪ من مجمل الطاقة الحرارية اليومية التي يحتاج اليها الجسم البشري.
يحتوي العنب على عناصر مفيدة للغاية وهي السكريات والحوامض والمواد المعدنية، أمثال البوتاس والصوديوم والكلسيوم والمغنزيوم والفوسفور والكبريت والحديد والمنغنيز والألمنيوم والكلور والبور واليود وغيرها. كذلك يحتوي العنب على عدد من الڤيتامينات أمثال أ وب وث، ومواد عطرية ومادة التانين وريزفيراتول. هذه المكونات موجودة في العنب في أفضل أشكالها البيولوجية المناسبة للجسم البشري.
أهم مكونات العنب سكر العنب (غلوكوز) وسكر الفاكهة (فروكتوز) اللذان يمتصهما جسم الإنسان بسهولة. فعصير العنب غني بهذين النوعين من السكر (15 - 25٪ وأكثر).
أما الحوامض الموجودة في العنب على شكل أملاح، بنسب متلائمة مع السكريات، فتوفر بدورها طعماً لذيذاً ومنعشاً، وهي مهمة لجسم الإنسان وتؤدي دور المعقم والواقي من تأثير الميكروبات الموجودة فيه. ولقد لوحظ بأن تناول عصير العنب لفترة طويلة يؤدي الى تقوية جسم الإنسان بأكمله وصلابة الجهاز العصبي بشكل خاص. هذا التأثير الإيجابي على الصحة يعود الى وجود عدد كبير من الڤيتامينات داخل عصير العنب.
بين الخصائص الفيزيولوجية العديدة للڤيتامينات نخصّ بالذكر، تنظيم إنتقال الدم داخل الأوعية والشرايين الدموية والمساعدة على تقويتها وزيادة صلابتها.  
المواد المعدنية التي يحتويها العنب هي بدورها ذات أهمية عالية بالنسبة الى عمليات البناء والتجدّد في الجسم البشري، أما وجود البوتاسيوم بأعلى نسبة في عصير العنب فيؤدي دوراً إيجابياً للغاية كمدرّ للبول. من ناحية أخرى إن وجود الآزوت والكلور بنسبة منخفضة في عصير العنب الى جانب غياب الدهون، يعطي للعنب دوراً خاصاً ومميزاً في عملية تخفيف الوزن وبشكل خاص في أثناء معالجة بعض الأمراض.
المواد العطرية المتوافرة في عصير العنب تلعب دوراً مزدوجاً، فهي من ناحية تساعد على فتح الشهية ومن ناحية أخرى تساهم في زيادة إفراز العصارة الصفراوية. الى ذلك يحتوي العنب على مواد أخرى قادرة على حماية جسم الإنسان من الإلتهابات والتسمّم.

 

الفوائد الصحية لثمار العنب
نظراً الى المكونات العديدة المذكورة لثمار العنب، فهي تتميّز عن غيرها من الفواكه بفوائد جمّة على صحة الإنسان نذكر أهمها:
- التأثير الإيجابي لمادة ريزفيراتول (Resveratol) في الحدّ من تصلّب الشرايين وتخفيض نسبة الكولسترول في الدم، وخصوصاً الكولسترول السيىء (LDL) مما يقلّل الإصابة بأمراض القلب. يذكر أن أصناف العنب الداكنة اللون تحتوي على مركّزات أعلى من هذه المادة.
- يساعد العنب على تنشيط الكبد وسلامة وظائفه وإدرار الصفراء بصورة منتظمة.
- يساهم العنب في تخفيض حامــض الفــوليك في الدم والذي يترسّب في المفاصل والأطراف ويتسبّب بالألم وهو ما يعرف بداء النقرس.
- تؤكـد الأبحـاث أن البلاد المنتجــة العــنب بكميــات وافرة تكــاد تكــون خالـية من أمراض السرطــان، بفضل احتواء العنب على العديد من المواد التي تساعــد علـى إخراج المواد السرطانية وطرحها خارج الجسم، لا سيما أن العنب يحـتوي على عدد كبــير من الڤيتــامينــات والمعادن والمواد المضادة للأكسدة، إضافة الى الألياف.
- يساعد العنب في معالجة هشاشة العظام وتهدئة السعال وطرد البلغم، كما يساعد في الوقاية من آلام اللثة وتساقط الأسنان.
يجــب الإشارة الى أن الإكثار من أكــل العنب يمكن أن يؤدي الى الإسهــال والحمــوضــة، والأســـوأ مـن ذلــك الى إمكــان الإصابة بمرض السكري نتيجة ترسّب كمية عالية من سكر الغلوكوز في الدم.

 

لورق العنب فوائد لا تحصى ولا تعدّ
تحتوي أوراق العنب على كمية عالية من ڤيتامينات ب1 وب2 وب6 الضرورية لعمل الجهاز العصبي والعديد من العمليات الحيوية، كذلك تحتــوي عـلى ڤيتـاميـــن ث الــذي يـســاهم في زيـادة مـــناعــة الجســم، وڤيتــامين أ الـضروري لسلامة الجلد وتجدد الأنسجة التالفة.
أوراق العنب غنية بالأملاح المعدنية كالبوتاسيوم والحديد والفوسفور وتحتوي على كمية عالية من السكريات الأحادية البسيطة كالغلوكوز والفركتوز، وهي مواد سهلة الهضم ولا تتحوّل الى دهون بل يستطيع الكبد تخزينها لحين الحاجة اليها.
من ناحية أخرى، أوراق العنب غنية بالألياف التي تمنع الإمساك وتنظّم مستوى السكر والكولسترول في الجسم وتحتوي على أحماض عضوية مثل الترتريك والماليك والستريك والسكسنيك والنيكوتنيك. هذه الأحماض العضوية تفيد في معادلة الأحماض الضارة الناتجة عن هضم بعض الأطعمة كاللحوم والأسماك والبيض والدهنيات، والتقليل من تأثيرها الضار على الإنسان.