تحية لها

كلودين عون روكز: طريق المرأة قرارها

رئيسة المجلس الأعلى لمنظمة المرأة العربية. رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ناشطة في مجال حماية حقوق المرأة ومحو كل أشكال التمييز ضدها. مناضلة بيئية ورائدة في مجال الأعمال.
ابنة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وزوجة النائب العميد الركن المتقاعد شامل روكز وأم لخمسة أولاد. السيدة كلودين عون روكز تتحدث عن تجربتها في أدوارها المختلفة في حوار أضاء على قلق الطفلة وخوفها على والدها، وعلى وقوف المرأة القوية إلى جانب أبيها وزوجها، وإصرارها على إعطاء كل مرحلة من مراحل الحياة معنى يستحق النضال لأجله.


تقرّ السيدة عون «أنه ليس بالأمر السهل أن تكون المرأة ابنة ضابط وزوجة ضابط، وكذلك ابنة سياسي وزوجة سياسي، وخصوصًا في وقت الحروب». وتستعيد لحظات الخوف الذي طالما واجهته، فتقول: «عشت خوفًا كبيرًا ومستمرًا على والدي في طفولتي خلال المعارك، وعشت هذا الخوف مجددًا على زوجي في الحروب التي خاضها. وأعيش كلّ يوم، تحديات مختلفة كوني ابنة رئيس الجمهورية وزوجة نائب».
وهي تؤكد ضرورة حرص المرأة على أن تكون لديها هوية خاصة وشخصية متميزة، فتحديد الإنسان ووصفه يجب أن يعتمد على شخصيته وأخلاقه ومسيرته وليس على صفة القربى التي تربطه بالآخرين، ابنة مَن أو أخت مَن أو زوجة مَن. المهم أن تكون المرأة حرّة وأن تختار مهنتها وتجد طريقها، لأنّ «طريقها قرارها» بغضّ النظر عن زوجها أو والدها.

 

حُرمنا العيش كمراهقات
 وعن حضورها إلى جانب والدها وأثره في شخصيتها تقول: «خيّمت الحرب على طفولتي ونشأتُ مع شعور الخوف الدائم على والدي بسبب تعلّقي العاطفي الكبير به، مما طبع طفولتي بشعور القلق الدائم، لكنّني استطعت التغلب على هذا الشعور مع الوقت. عانيت مع شقيقتَيّ عدم الاستقرار في منزل واحد، حيث تنقلنا بين مناطق ومنازل مختلفة بسبب مركز والدي في الجيش اللبناني.
وفي مرحلة المراهقة، حين كان والدي قائدًا للجيش اللبناني، حُرِمنا من العيش بطريقة طبيعية كباقي المراهقات، إذ كنا نلازم المنزل في معظم الأحيان بسبب الظروف الأمنية وخوفًا على سلامتنا.
وتتابعت مسيرتي معه خلال العامين 1989-1990 حين قررت أن ألتزم قضية تحرير لبنان وأن أكون ناشطة وفعالة بدلًا من الاستسلام للمعاناة، فتطوعتُ في مركز الأرشيف في قصر بعبدا. وتعمّقت في كتابات والدي وحفظت أقواله، وتابعت توثيق كلّ ما يتعلق به حتى انتخابه رئيسًا للجمهورية. كلّ تلك المرحلة طبعت شخصيتي وأثّرت بي بشكل كبير. وفي مرحلة المنفى، كنت من منظمي أول مؤتمر وطني في العام 1994، وكنت في المجموعة الضيقة التي نظمت المؤتمر التأسيسي للتيار الوطني الحر في العام 1996. وبعد زواجي وعودتي إلى لبنان، أكملت مسيرتي معه في مكتبه في الرابية حين كان نائبًا، ما أكسبني خبرة كبيرة في مجال العمل في الشأن العام وزادني رغبة في الخدمة العامة، فالتزمت العمل من أجل إقرار عدة قوانين تخصّ المرأة، منها قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة، من العنف الأسري».

 

تجربة خاصة
في لمحة عن أبرز المشاريع التي حققتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية تشير عون إلى العمل على تعديل القوانين المجحفة بحق المرأة، وإقرار قوانين من شأنها أن تحميها وتنصفها، وتعميم منظور النوع الاجتماعي في الاستراتيجيات وفي خطط العمل.
وتوضح أنّه «من إنجازات الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، إعداد خطة عمل وطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325، والتي شكلت تجربة ناجحة من خلال النهج التشاركي الذي اتُّبع مع الوزارات والإدارات العامة في إعدادها، وبعد أن أقرها مجلس الوزراء، باشرت الهيئة تنفيذها.
وتقوم الهيئة الوطنية لشؤون المرأة بدورٍ تنسيقي مهم مع منظمات المجتمع المدني، إذ أطلقت بالتعاون معها حملات توعوية هادفة متعددة خلال السنوات الماضية.
كما نفّذت الهيئة مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ برنامج تعزيز مشاركة المرأة السياسية على المستويين المحلي والوطني في لبنان في عدة بلديات. وقد شاركت النساء العضوات والموظفات في المجالس البلدية في تدريبات حول إدارة المشاريع والقيادة والتغيير وتطوير مهاراتهنّ وقدراتهنّ، بهدف إعداد وتنفيذ مشاريع تراعي المساواة بين الجنسين وتستجيب للحاجات الأساسية لبلداتهنّ».
وأضافت عون «نعمل مع مؤسسة هيفوس الدولية لتمكين المرأة للقيادة، وفي هذا الإطار، شكّلنا مع شركائنا ومنظمات المجتمع المدني قوة دفع على مدار السنوات الماضية، أدت إلى تشكيل حكومة جديدة ضمّت من بين أعضائها ست نساء، محققين بذلك لأول مرة في لبنان مشاركة نسائية بنسبة 30 % في الحكومة، بالإضافة إلى تولّي سيدة منصب نائب رئيس الحكومة ووزيرة الدفاع».
وتتعاون الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية مع البنك الدولي، في إطار خطة عمل «المشرق» حول التمكين الاقتصادي للمرأة، لزيادة فرص العمل المتاحة للنساء ولتسهيل التحاقهنّ بسوق العمل، من خلال تأمين رعاية وحضانة أطفالهنّ، وكذلك دعم وصول النساء إلى المراكز العليا في المؤسسات الاقتصادية في القطاع الخاص.
«ونعمل على إقرار قانون يجرّم التحرش الجنسي الذي يؤثّر سلبًا على مشاركة النساء في سوق العمل، ونهدف إلى إزالة مختلف العوائق التي تمنع المرأة من أن تكون منتجة وفعالة اقتصاديًا» على حد قولها.

 

تعزيز المساواة ودعم الحقوق
وأشارت إلى التعاون مع الاتحاد الأوروبي ومع صندوق الأمم المتحدة للسكان لتعزيز المساواة بين الجنسين ودعم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة في لبنان.
ومع وزارة التربية لتغيير الثقافة التقليدية من خلال تعديل المناهج الدراسية لتراعي منظور النوع الاجتماعي، ومع الجامعات، وخصوصًا كليات الإعلام والتواصل فيها، بهدف تغيير الصورة النمطية للمرأة. ويضاف إلى ذلك تقارير لبنان الدورية الرسمية حول التقدم المحرَز في وضع المرأة وتقديمها إلى الجهات الدولية المعنية.
أما بالنسبة لواقع المرأة اللبنانية، فقالت: «مما لا شك فيه أنّ وضع المرأة اللبنانية اجتماعيًا هو متقدم بشكل كبير حيث تنخرط بنسب عالية في المهن الحرة، كالقضاء والمحاماة والتعليم الجامعي، وتصل نسبة مشاركتها في كثير من الأحيان إلى 50 في المئة، و25% من الجِسم الطبي، و70% من الصيادلة هنّ من النساء، ونسبة السيدات بين سفراء لبنان من الفئة الأولى هي 30 في المئة.
وتجدر الإشارة أيضًا، إلى أنّه خلال السنوات الأخيرة، زادت أعداد الإِناث في صفوف الجيش والقوى الأمنية بشكل ملحوظ، وفي مختلف الميادين الإدارية والميدانية.
 لكن للأسف يندرج لبنان في المراتب الأخيرة مقارنة مع الدول العربية، في ما خصّ التشريعات التي تحمي النساء وتنصفهنّ، إذ أقرّت معظم الدول قوانين واتخذت تدابير، لمنع تزويج الأطفال وتجريم التحرش الجنسي وإعطاء المرأة الحق بنقل جنسيتها إلى أطفالها، في حين تبقى القوانين اللبنانية جامدة وقديمة لا تراعي تطور مجتمعنا».

 

تشريعات ضرورية
كلما تقلّصت الفجوة في المساواة بين النساء والرجال في مجتمع ما، كلما انعكس ذلك إيجابًا على النمو الاقتصادي والاجتماعي وفق رأي عون التي تؤكد: «نعمل بجهد كبير على تعديل القوانين المجحفة بحق المرأة وإقرار قوانين من شأنها أن تحميها وتنصفها، منها تضمين قانون الانتخابات النيابية والمحلية كوتا نسائية لضمان مشاركة أكبر للنساء في مراكز صنع القرار السياسي، تعديل قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي لتوفير حماية أكبر للنّساء، تعديل قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، إقرار قانون يجرّم التحرش الجنسي في مكان العمل والأماكن العامة، اعتماد قانون يحدّد سن الـ 18 سنًا أدنى للزواج، تعديل قانون الإتجار بالبشر، وتعديل قانون الجنسية لإعطاء المرأة اللبنانية حقوقًا متساوية مع الرجل في نقل جنسيتها إلى أطفالها.
وبالنسبة إلينا، إنّ تعديل قانون الجنسية هو من الأولويات، إذ إنّه القانون الأساسي الذي تثبت من خلاله مواطنة المرأة الكاملة، وشراكتها في بناء الوطن.
تحديد كوتا نسائية في مجلس النواب والوزراء يعزّز مسيرة المرأة في الشأن العام، فالثقافة التقليدية السائدة ما زالت تحصر النساء في دور نمطي عائلي بعيدًا من أي دور في مجال الشأن العام. وهذه الثقافة لم تعد مناسبة اليوم بعد تطور مجتمعنا على مختلف الأصعدة».
لذا، تضيف عون: «بسبب ضعف نسبة مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار السياسي، تعتمد الدول أساليب أكثر فعالية لتحسين تمثيل النساء في السلطتين التشريعية والتنفيذية. وتمثل الكوتا لمرحلة معينة، واحدة من هذه الآليات التي تسهم في الوصول إلى الهدف المرجو. فاعتماد الكوتا النسائية هو المعبر للوصول إلى تكافؤ الفرص بين النساء والرجال، وخطوة إيجابية لتحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين في مواقع صنع القرار، لبناء مجتمع متوازن ومنتج ومزدهر من خلال جهود جميع بناته وأبنائه».

 

ماذا تقدّم لأولادها؟
وفي ردٍ على سؤال يتعلق بما تقدمه المرأة الناشطة في الحقل العام لأولادها وما تُحرم من تقديمه، اعتبرت عون أنّ «عمل المرأة أو الرجل في مجال الحقل العام هو من الأعمال الصعبة التي تتطلب وقتًا ومجهودًا كبيرين، إذ لا وجود لدوام عمل ثابت ومحدد، وعلى الناشط في الشأن العام أن يبقى متاحًا في كل الأوقات، مما يمس أحيانًا بخصوصية العائلة والأطفال تحديدًا، ويقلق راحتهم، ويضفي جوًا من التشنج والتعب في المنزل». وهي تضيف: «يبقى السبيل الوحيد للمرأة العاملة عمومًا والناشطة في الشأن العام خصوصًا، للقيام بمسؤولياتها تجاه عائلتها من جهة، والنجاح في حياتها المهنية أو العامة من جهة أخرى، هو تنظيم الأوقات وترتيب الأولويات في سبيل تأمين راحة الأولاد وخصوصيتهم وإعطائهم الاهتمام اللازم. يضاف إلى ذلك، ضرورة تقاسم المسؤوليات العائلية مع الرجل والتحرّر من الثقافة التقليدية التي كانت تحصر دور المرأة في رعاية الأولاد وتحرم الرجل من هذه المهمة، مما يسهّل عليها التوفيق بين المهمتين الموكلتين إليها». وهي تؤكد «أنّ السيدات الناشطات في الشأن العام يعطين المثل الصالح لأولادهنّ، ويشكلن نموذجًا يُحتذى به، فيفتخر الأولاد بأمهاتهنّ لعملهنّ في خدمة الإنسان وسعيهنّ لتأمين حقوق المواطن وصون كرامته». وفي كلمة أخيرة تقول: «في النهاية كلّ مواطن هو مسؤول، وعلينا جميعًا، كلّ من موقعه، أن نقوم بواجباتنا تجاه أخينا الإنسان وتجاه مجتمعنا، وألّا نكون غير مبالين لما يجري من حولنا. بذلك يتعلم الأولاد، فتيات وفتيان، من أمهاتهم الناشطات في الشأن العام، أن يتحملوا بدورهم مسؤوليتهم كمواطنين، وأن ينظموا أوقاتهم ويقوموا بواجباتهم الوطنية».

 

خطة لتطبيق القرار 1325
 لخطة العمل الوطنية المتعلقة بتطبيق قرار مجلس الأمن خمسة أهداف:
أولًا: حماية المرأة من أعمال العنف التي تطالها بشكل عام والتي تتفاقم في حالات نشوب النزاعات.
ثانيًا: تمكين النساء وتأهيلهنّ للمشاركة في الحؤول دون نشوب النزاعات.
ثالثًا: رفع مستوى مشاركة النساء في الحياة السياسية والاقتصادية، كي يكنّ مؤهلات لخوض مجالات المشاركة في أعمال التفاوض والوساطة وحفظ السلام، عندما تدعو الحاجة إلى ذلك.
رابعًا: توفير المساعدات وضمان تمكين النساء والفتيات من النهوض مجددًا، عندما يواجهن المصاعب الناتجة عن الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة.
خامسًا: توفير بيئة تشريعية تحفظ حقوق المرأة والفتاة وتحميهنَّ من جميع أشكال العنف والاستغلال والتمييز السلبي.