وقفة وفاء

كلية العلوم في الجامعة اللبنانية تكرّم طالبَيها الشهيدَين
إعداد: ندين البلعة خيرالله

الرائد داني خيرالله والنقيب سامر طانيوس استدعاهما الواجب إلى شهادة أعظم
كرّمت الجامعة اللبنانية- كلية العلوم بفروعها الخمسة، الرائد الشهيد داني خيرالله والنقيب الشهيد سامر طانيوس، صديقَي الدراسة ورفيقَي السلاح، اللذَين أكملا الدراسة الجامعية بموازاة خدمتهما العسكرية، ولكنهما لم ينعما بشهادتَيهما لأن الواجب استدعاهما إلى شهادة أعظم!

 

جيش وطني وجامعة وطنية
بمناسبة عيد الإستقلال، أقيم في كلية العلوم - الفرع الثاني في الفنار حفل تسلّم خلاله ذوو الشهيدَين شهادتَي ولديهما، في حضور العقيد الركن ماهر سليمان ممثلًا العماد جان قهوجي قائد الجيش، وزير التربية الياس بو صعب ممثلًا بالأستاذ كريم صيقلي، الدكتور راشيل حبيقة رئيسة الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية، مدراء الفروع في الجامعة اللبنانية، الأساتذة والموظفين في فروع الكلية الخمسة وحشد من الطلاب.
النشيد الوطني اللبناني افتتاحًا عزفته فرقة من موسيقى الجيش، ثم مقدّمة شدّدت على اجتماع الطلاب من مختلف المناطق اللبنانية لإحياء ذكرى الاستقلال وتوجيه تحية لجيشنا اللبناني وشهدائه الأبطال. «مؤسسة الجيش، جامعة الشباب اللبناني من مختلف المناطق اللبنانية، تخرّجهم أبطالًا وحماةً لتراب الوطن واستقلاله. والجامعة اللبنانية، جيش لبنان الثاني تربّي أبناءنا على المواطنة الفعلية، ليتجلّى في هذا اللقاء تكامل الجيش الوطني والجامعة الوطنية في أسمى درجات التضحية والفداء بالدم دفاعًا عن لبناننا كما نريده أن يكون ويبقى. تضحية قدّمها بطلان من أبطال الجيش اللبناني ومن أبناء الجامعة اللبنانية، الرائد الشهيد داني خيرالله والنقيب الشهيد سامر طانيوس».


الطالبان الشهيدان
داني كان قد أنهى الإجازة في المعلوماتية في حزيران 2014 قبل فترة قصيرة من استشهاده في مواجهات عرسال. وسامر أنهى أيضًا الإجازة في المعلوماتية في العام 2012 وكان يتابع دروسه في الماستر حين استشهد في مواجهات عبرا! الشهيدان داني وسامر كانا صديقَين في الكلية وترافقا على درب الشهادة ليصبحا أيقونتَين لكل الوطن. ويقول مقدّم الحفل: «أنتم بدمائكم الزكية فديتم جميع اللبنانيين وخلّصتم لبنان من مشاريع جهنّمية تُرسم له. ونحن نؤمن بكم وبقدرتكم على مواجهة التحديات مهما عظمت، وبلسان كل واحد منكم نقول مع شاعرنا الكبير «من خطر إلى خطرٍ نمضي ما همّ، نحن وُلدنا بيتنا الخطر»... المجد والخلود لشهداء جيشنا الأبطال، الحرية المشرّفة لعسكريّي الجيش، والبقاء لوطننا الحبيب.


من كل صوب: نحن ندعم الجيش
من جميع المناطق ومختلف الاتجاهات أتوا، من فروع كلية العلوم الخمسة أتوا ليشهدوا للجيش اللبناني. كلمات طلاب الكلية بمختلف فروعها شدّدت على الوقوف صفًا واحدًا خلف المؤسسة العسكرية، والمطالبة بدعمها وإطلاق يدها من أجل الدفاع عن لبنان. ومما قيل:

• «ما من حبٍّ أسمى من ذاك الذي يبذل فيه الإنسان نفسه في سبيل من يحب»، هكذا بذل شهداء جيشنا أنفسهم في سبيل أن يحيا لبنان وأن نعيش فيه مرفوعي الرأس وبكرامة.

• تحية من القلب إلى كل جندي يضع دمه على كفّه وفي عقله فكرة واحدة وهي الدفاع عنّا وعن وطننا الصغير الذي يكبر بهؤلاء الأبطال الذين يرتدون البزّة العسكرية المرقّطة ويستشهدون للدفاع عن سيادتنا واستقلالنا. فجيشنا الذي نحبّه ليس له شريك، وعلينا أن ننسى كل خلافاتنا وندعم جيشنا في الدفاع عن لبنان السيّد على كل أراضيه... ولن يقتلوا أملنا بلبنان.

• سلام من الشمال ومن القلب، تعالوا نبني مجدّدًا دولة الاستقلال التي تعيش بأبنائها، دولة المؤسسات الرائدة والحديثة... لا يحق لنا أن نختلف على أسس بناء الدولة، وعلى سيادتها على كامل أراضيها، كما لا يحق لنا أن نختلف على دعم جيشنا الوطني وقوانا الأمنية... فلنتوحّد بوجه كل من يريد أن يفرّقنا ولنسعَ لبناء دولة لبنان السيّد الحرّ والمستقلّ...

• كلٌّ منّا من حيث جئنا، من أقاصي شمالنا الحبيب وجنوبنا الباسل وبقاعنا الأبي وبيروت المقاومة وجبلنا الشامخ المتعالي بأرزته الحبيبة، لا نستطيع أن نفي ولو ذرّة من دم شهيد أعطى وطنه أغلى ما يملك... لا تذرفوا الدموع، بل ارفعوا الجبين عاليًا إذ ما زال هناك جيش يحمي وحدتنا ويصون استقلالنا، يحفظ مستقبلنا ويقضي على الإرهاب والأعداء، وحده جيش بلادي بايماننا به ودعمنا له ووقوفنا وراءه صفًّا واحدًا، يحفظ استقلالنا ووحدتنا وكرامتنا.

• هذا العيد ما كان لولا تضحيات الشهداء ولا سيما شهداء الجيش. هذا الاستقلال عُمّد بالدم من الناقورة إلى طرابلس، من البحر إلى أقصى الشرق... وعذرًا في عيدنا هذا، فالدمع في العين على شهداء قضوا في الدفاع عن الوطن وصون كرامة الشعب وبناء الدولة المقتدرة القوية...


عميد الكلية: لولا الشهداء لما بقيَ لنا جيش ولا وطن ولا استقلال!
بعد الكلمات المؤثّرة لطلاب الكلية، توجّه عميد كلية العلوم الدكتور حسن زين الدين بكلمة إلى الشهيدَين وإلى أهاليهما وإلى الحضور، بالنيابة عن مدير الجامعة وبالأصالة عن نفسه وعن كل عائلة كلية العلوم قائلًا:
«يعزّ عليّ غياب طالبَين ليس لأنهما يحبّان التغيّب، بل لأن الله سبحانه وتعالى اختارهما لحنًا سماويًا صعدا إليه ليباركا السماء كما باركا الأرض بدمائهما، فالرحمة للشهيدَين والصبر لعائلتَيهما».
وخاطب الشهيدَين بصفة «الشهيد» فقال: «يوم وُلدتَ لم تدرك أنه سيكون لك مولد آخر وأنك لن تموت بعده أبدًا. يوم أغمضتَ عينَيك تزحزح الظلام عن عيون وطني فتفتّحت لتبصر وجه الحياة ولتستشعر الحرية. يوم أسقطنا بعض من امتطى الربيع العربي في كهوف الجاهلية، ولم ينهل من تاريخنا إلاّ أبواب المهالك، كان ربيع شبابك القربان وبوابة الخلاص، فأعيد لحياتنا الربيع وحُملنا إلى فضاء الأمل والمستقبل. يوم تاه الوطن الصغير كطفل أفلت من يد أمّه فبكى وأنَّ ضائعًا، بالأحمر خطّ له جرحك الساخن طريق العودة والصواب. يوم داهم اليباس واليأس أحلامنا، استعجلتَ سقايتها بدمك الطاهر فأحياها بحرارته وأعادَ لها رونقها والبريق».
وتابع: «سامر طانيوس وداني خيرالله، أناديكما ومن خلالكما كل الشهداء الأبطال رفاق الدراسة في كلية العلوم، أو رفاق السلاح في المؤسسة العسكرية، أسماؤكم كلها متشابهة فكلّكم خير الله. أقول لداني صاحب البسمة، أحزنتني حتى البكاء وأنا أوقّع شهادتك وامتيازك، وحزنتُ وبكيتُ على رفاق لك من الفروع الأخرى لكلية العلوم قد سقطوا كما أنتَ، شهداء الشرف والتضحية والوفاء. والشهيد كقطرة الماء متى سقطت منحت الأرض الحياة.

وإلى سامر رفيقك الشاطر وصديقك، أقول: حزني عليك لا يعادله سوى فخري بك يا ابن الجامعة اللبنانية، يا ابن الجنوب البار. يا ابن رميش البلدة الوادعة العصية على الاحتلال والشوكة في عيون الأعداء، والفاتحة ذراعَيها عند الشدّة للجار ولأهل الجوار... يا رفيق فرنسوا الحاج. أنتم من كتب أساطير البطولة بدمه، فالمجد والخلود لكم».
وأضاف قائلًا: «عجيب سرّ هذه الكلية وسرّ طلابها، هي تمنحكم شهادات بامتياز، والعديد منكم عاد فمنحها ومنح الوطن شهادة بامتياز. عادوا بشهادة بالدم كُتِبَت وبالفم الملآن أتلوها الآن: لولا الشهداء لما بقيَ لنا جيش ولا وطن ولا استقلال. لذا نحن نجتمع لنكرّمكم أيها الشهداء بمناسبة عيد الاستقلال، وندعو بالشفاء لجرحى الجيش، ولأسراه أن يعيدهم الله إلى أهلهم سالمين مرفوعي الرأس. ولنقف مع جيشنا المِقدام تحت الراية التي رفعتها وما زالت السواعد السمراء...».
وأكّد الدكتور زين الدين أنّ عائلة كلية العلوم هي إحدى عوائل الشهداء في سبيل الوطن، تقف مع باقي عائلات الشهداء ولاسيما عائلتَي داني وسامر وتكفكف دموعهم وتنحني بصمت أمام حزنهم...
وشكر كل من ساهم في إنجاح هذا الحفل الذي اختتم بتسليم شهادتَي الرائد الشهيد داني خيرالله والنقيب الشهيد سامر طانيوس إلى عائلتيهما وتقديم درعَين تقديريَّين لهما من قبل ممثل قائد الجيش. أمّا عائلة خيرالله فقدّمت بدورها لعميد كلية العلوم درعًا تقديريّة تحمل صورة داني، و قدّمت له عائلة طانيوس صورة سامر كتذكار. وعزفت من بعدها فرقة موسيقى الجيش نشيد الشهيد وأغاني وطنية للمناسبة.