ملف العدد

كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان
إعداد: تريز منصور

قادة يواكبون التطور والتحدّيات

 

تُعَدّ كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان الصرح الأكاديمي الأهم في الجيش، وقد تخرّجت منه لغاية اليوم ٣٤ دورة أركان، و٥٢ دورة قائد كتيبة، جسّدت مناهجها تطورات مفاهيم العلم العسكري وتقنياته ونظريات الحروب الحديثة، وتكيّفت برامجها وفق الأخطار الأمنية التي يتعرض لها لبنان.

 

تشكل كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان المحطة الفكرية الأخيرة التي يمرّ بها بعض ضباط النخبة في الجيش اللبناني قبل تسلّمهم مراكز قيادية عُليا. ففيها تُصقل القدرات الفكرية للضباط، ويتمّ تزويدهم المعارف والمهارات التقنية على المستويَين العملياتي والاستراتيجي، للتمكّن من قيادة الوحدات الكبرى أو العمل في أركانها.

ومن ناحية ثانية، تمثّل الكلية إرثًا أكاديميًا مهمًا هو «ثمرة جهود متراكمة»، بذلها العديد من كبار ضباط الجيش من أهل الفكر، كما يقول قائدها.

 

مصدر إشعاع

لا يتوقف دور الكلية عند إعداد الضباط لوظائف الأركان والقيادة من خلال الدورات التي تقام فيها، فهي مصدر إشعاع فكري أكاديمي بحثي، عسكريًا واستراتيجيًا، وهي بهذه الصفة مسؤولة عن التطوير المستمر للفكر العسكري للضباط القادة والأركان الممارسين لوظائفهم أو المرشحين لهذه الوظائف.

وفي هذا السياق، عليها التماهي مع البيئة العملياتية للوحدات المقاتلة، كي تتمكن من تطوير نفسها بالاتجاه الذي تستوجبه مهمات هذه الوحدات بشكلٍ عام. وبالتالي فهي مسؤولة عن تزويد الضباط العاملين في الميدان آخر تطورات مفاهيم العلم العسكري وتقنياته ونظريات الحروب الحديثة، بالإضافة إلى رفدهـم بالمعلومـات حـول تطـوّر أنمـاط المخـاطـر والتهديـدات التي قد تواجههم، والتعاون معهم في التخطيط لمواجهتها مـن خـلال التمـارين التكتيـة خصوصًا أنّها تُعَدّ الجهـة الأكاديميــة الأعلــى في الجيــش.

 

المناهج

تُقارب مناهج الكلية مستويات الحرب الثلاثة: التكتي، العملياتي والاستراتيجي. وتتضمن مجموعة واسعة من مواد العلوم العسكرية والاستراتيجية الحديثة، التي تتصل بالعلاقات الدولية – الجيوبوليتيكية، إضافة إلى عدّة تمارين تطبيقية، تكتية وعملانية، إذ يتمّ تطبيق الخطط العسكرية في هذه التمارين على المشبّه التكتي Jenus، الموجود في الكلية. وهو نظام تشبيه إلكتروني، يحقّق محاكاة واقعية لطبيعة الأرض ولقدرات الأسلحة بيــن طرفَيــن متحاربَيــن.

تخرّج الكلية سنويًا دورة أركان، ودورتي قائد كتيبة، وقد خرّجت منذ تأسيسها في العام ١٩٧٤ لغاية اليوم ٣٣ دورة أركان، وتتابع الدورة الـ٣٤ العام الدراسي ٢٠١٩-٢٠٢٠. يبدأ العام الدراسي في الأسبوع الثالث من شهر آب وتنتهي في آخر شهر حزيران تدريباتها الأكاديمية والعسكرية. أما دورات قائد كتيبة فقد بلغ عددها ٥١ دورة، وتتابع الدورة الـ٥٢ تدريباتها حاليًا.

يركّز منهاج دورة قائد كتيبة (تُفتَتح مرتين في السنة، ومدّة كل منها خمسة أشهر)، بشكل أساسي على المستوى التكتي. وتهدف هذه الدورة إلى تحضير الضابط المتدرّج لقيادة كتيبة وتنفيذ المهمات القتالية والأمنية وغيرها.

أما بالنسبة لدورة الأركان (تُفتتح مرة واحدة في السنة ومدّتها عشرة أشهر)، فهي الدورة الأساسية في الكلية، يحصل الضابط في نهايتها على لقب ركن، كما تضمّ إلى الضباط اللبنانيين ضباطًا من دول عربية شقيقة ودول أجنبية صديقة.

يهدف منهاج هذه الدورة، بما يتضمن من مواد عسكرية ومدنية وتمارين وغيرها، إلى تهيئة الضباط المتخرجين للعمل في أركان وحدات كبرى، أو أركان القيادة، أو قيادة هذه الوحدات.

 

ما الجديد؟

تشهد كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان حاليًا تنفيذ خطة لتطوير العمل الأكاديمي تحت عنوان: «التماهي مع الواقع القائم بتحديّاته». فقد تطوّرت التهديدات التي يواجهها العالم، وبتنا أمام الحرب غير المتماثلة كنتيجةٍ للحرب الحديثة، والعمليات الإرهابية احتلّت مساحات واسعة من ميادين القتال في العالم ككل. كل ذلك استوجب تطوّرًا في الفكر العملاني، وفي المهمات وأسلوب التدريب، لمواجه هذه التهديدات.

وبغية تحقيق هذه الغاية، والتماهي مع الواقع، تمّ التنسيق مع الوحدات المقاتلة لإعداد تصوّر حول سيناريوهات التهديد المحتمل لكلٍ منها، ووفق خصوصية المسؤولية الملقاة على عاتق كل من القطاعات. وبناء على ما تقدّم يصار إلى التدريب على التخطيط لمواجهة هذه السيناريوهات، وإيجاد الحلول الأكاديمية لها، بالاستفادة من تجارب الدول المتطورة.

وفي سياق التطوير أيضًا، أُضيفت مواد تعزّز الثقافة الاستراتيجية وتطوّر الهيكل المعرفي للضباط التلامذة، وخصوصًا في مجال العلاقات الدولية. وتمّ العمل على اتجاهَين:

الاتجاه الأول: تطور تكنولوجي في قسم المشبّه التكتي jenus، بحيث تمّ الانتقال إلى نظام Soult يحقّق محاكاة لمسرح العمليات بشكلٍ أدقّ، ويأخذ بعين الاعتبار التطورات الأخيرة في طبيعة التهديدات الإرهابية والعمليات العسكرية.

الاتجاه الثاني: العمل على تطوير أساليب التعليم في الكلية، إذ يتمّ التركيز على التعليم التفاعلي المبني على المناقشات ودراسة الحالات، الأمر الذي ينمّي القدرة التحليلية للضباط.

أما على صعيد البيئة التعليمية، فإنّ الكلية مستمرّة في تطوير المنشآت وتحديث قاعات التعليم وتأمين المستلزمات التقنية الضرورية. وفي هذا السياق، فقد تمّ بناء قاعة كبرى تتّســع لأكثر من ٢٢٠ شخصًا، سيتمّ استخدامها في الندوات الكبــرى والمؤتمــرات التــي تقــام علــى صعيــد الجيــش.

وأخيرًا تبقى الغاية الأساسية للكلية في الإضافات العلمية - العسكرية التي تصقل شخصية الضابط المُتدرّج وفكره، وهذا ما يجب أن يلمسه بنفسه في الفترة الممتدة ما بين الالتحاق بالدورة والتخرّج منها.