نافذة

كليَّةُ الطّوبى
إعداد: روني ألفا

فخر القوات المسلّحة وبأسُها وفأسُها. كليّة حربيّة على قمّةِ فياضيّةٍ تسرّحُ ضفائر السهر على الحدود والشرف على الحدود. قيادةً وإدارَةً وتلامذة ضبّاط، أي شرفٍ أتى بكم إلى داخل هذه القلعة الوطنيّة المكللة بالشهادة والمتوجة بالغضب المبارك؟ أي صدفةٍ رَواها مطرُ الإصطفاء ونمّاها الله الحامي؟ أيُّ زيٍّ ينتظركم ذلك الذي تاقَ المجد إلى ارتدائِه؟ أيُّ سيوفٍ تمنّت أن تُسنَّ من أجلِ قبضاتِكُم يا أشاوس الوطن؟ أيُّ صرخَة «سيّدي» التي لا تعترف بالأسياد إلا إذا انحَنوا أمامَ ساريَة علمٍ يرتَفِعُ إجلالًا لِصنّين وجبل الشيخ؟
كليَّةٌ طاعِنَة في الوفاء لمرقّطٍ أسمى وأرقى وأبقى. ١٩٢١ ولادة بحاضنة واحدة هي بوتقة نجوم لبنانية صرف. ٢٠٢١ يَفاعٌ وشَغَف بكل تلّة بلديّة وبكل ذرّة تراب على ثَرى الوطن. ينتظركم يا مكلَّلين بالخدمة والأيادي المفتوحة إذا نادى العطاء والمضمومة إذا اشتدّ العداء. أياديكُم تَحمي وتَرمي وتُنَمّي. اعتزّوا بِقيادَتكُم. تصحو على كرامتكم وتنام على قيد تبديد همومكم.
كليّة اجتازت الانتداب منذ قرنٍ ونيّف فصارت منتدبة نفسها ومنتسبة لنفسها. تعلو ولا يُعلى عليها شأنها شأن دساتير الأُمم وصلوات التضرّع للأولياء والقديسين. حربٌ كونيّةٌ أُولَى مرّت فلم تأكلُكِ الحرب ولم تتآكلُكِ موبقاتُها. كليَّةٌ متخَمَة من شلوحِ الأرز ومرتَوِيَة من نهر أدونيس. أرجوانها أحمر الشّريان الوريد ورايتها ما ولِدَت يومًا لِتُنَكَّس. كليّة قطفت الاستقلال من أغصان المستحيل.
من ريعان الشباب تحتضن الكليّة أشرَفَ الشبان والفتيات يتعلّمون فنون الأقلام والبنادق. من الأقلام يلوّنون حبر الكتابة بالقاني من الدم المُراق. من البنادق يتقنون إطلاق الغضب على البُغاة والعُتاة. كليّة تَذكَرَة. لا طائفة فيها سوى لبنان. لا مذهب فيها سوى تحيّة العلَم. لاحزبَ فيها سوى التحزّب والتحيّز للبنان الأبدي السّرمدي.
درّبيهم يا كليّة الطوبى. درّبيهم على الاستيقاظ على النشيد والخلود إلى النوم على صوت النّفير. خرّجيهُم مُلازِمين وقادَة يفلحون وعر الصعوبة ويحرثون حقول التضحية وبذلِ الذات. في حفل تخرّجهم يغنّي لهم القَمَر أجمل شلالات إشعاعاته وتشرق لهم الشمس بخيوط الحماية. هم الشريط الشائِك وآخِر شجرة تين حدودية تقول للعدو إياكَ أن تقترِب. مشاةٌ وفرسان ومدفعيّة وهندسَة وغيرها من الاطختصاصات في رُتبٍ أشبه بشهادات دكتوراه في علم «الأمر لي».
قودوا الفصائل يا أبطال. كونوا مواطِنين منذ أكثَر مِن مِئَة سَنَة. مُواطِنو مئَة مَرَّة مِئِوِيَّة. أدمِنوا عَلى كُحولِ الأمن. اسكَروا مجدًا. ارفَعوا أنخابَ كلّ طَريقٍ تولَجونَ بِحمايَتِه. شبابيكُ البيوتِ تُحييكُم. أحاديثُ الشبابيك لا يسمَعُها سِوى الجنود. أبوابُ البيوت مِن جِهَتِها تُفتَحُ لكم على مصاريعِها. قاطنوها يضيئون لكم شموعًا لا ينضب شمعها ولا يستكين دمعها السّعيد.
أنتم أذكياء وأتقياءِ البلد. سَواعِد وأدمِغَة. أجسادُكم هيكل الوطن وعقولكم حلمُه بالاستقرار والنمو. اكتبوا بلدَكُم على ورقِ الالتزام. اقرأوه في أحلكِ الأزمنة. في الأزمنة الحالكة يأتي دورُكُم لتضيئوا وتتوهّجوا.
رغيفكم أيها الضباط بعرقِ مناوباتكم. شعبُكم يحبّكم. لو دخلتم خلجات قلوب الناس لبكَيتُم من شدّة حب شعبِكُم لكم. لا تنسوا هذا الحبّ وبادلوه بحبّ أشَدّ.
قاوموا الشّوك والعوسج في حياتكم اليومية. أنتم مقتلعو أشواك لأنكم جنود. الأهم أن تؤمنوا بالله وبالمؤسسة العسكرية آخر معقل من معاقل لبنان الرائع الذي ورثناه عمن فلحوا الصخر وأنبتوا من تشققاته حياةً كريمة. قوة لبنان منكم وقوتكم من نهائية لبنان كيانًا يتباهى كلما خرج يتمشى بين الأُمم بقامتِه وقيمَتِه. فلتكن روحكم عاتية في الأَنَفَة وأخلاقكم باسقة في المنعَة والإباء. مبارك لبنان بكم ومبروك للبنان بكم.