كلمتي

كلّ يوم من أيار

يحتفل العالم في مطلع هذا الشهر من كل عام بيوم العمل والعمّال. مناسبة تهمّ الجميع ما دام الجميع عاملاً جادّاً، يغسل جبينه العرق ويحرّك ساعده الجهد ويشغل رأسه التفكير والخيال. قلّة قليلة لا تهتمّ بهذه المناسبة الإنسانيّة الشاملة، إنها القلّة التي لا تعمل ولا تتعب ولا تدير عملاً ولا تسعى إلى تطوير عمل ولا إلى تحسينه وتوسيعه ونصب أعمدته في كل مكان.
ونشأ الى جانب هذا العيد في بلادنا عيد آخر استدعى الجهد الوطني والإنساني، وتطلّب العرق والدم معاً، وصولاً الى التضحية بالحياة نفسها، وهي أغلى ما أعطاه الخالق للإنسان على سطح المعمورة، هذا العيد هو عيد التحرير، تحرير الأرض وتحرير الوطن والمواطن من الاحتلال الاسرائيلي البغيض.
لم تكن الكرامة الوطنية غائبة في فترة الاحتلال، إذ إنها كانت ساهرة منتفضة مقاتلة ساعية بخطى ثابتة إلى فجر الحرّية. ولم تكن الإرادة الوطنية هي الأخرى منكسرة مستسلمة غائبة، إذ إنّها كانت متحفّزة للانتصار، متوثبة لتأكيد قوة الحقّ، ولاستعادة التراب الوطني، مهما طالت إقامة الجندي الاسرائيلي وآلته العسكرية في قرى الجنوب وبلدات البقاع الغربي، لكنّ الكرامة الوطنية تلك استعادت اطلالتها الكاملة على الدنيا بعد يوم التحرير، والارادة الوطنية أثبتت وجودها الكامل، وأعلنت كلمتها، وأثبتت صدق رسالتها، بعد ذلك اليوم، وعاد المواطنون إلى ارضهم يزرعونها والى حدائقهم يحيون اغراسها. عادوا عمالاً يحتفلون بعيد التحرير وعيد العمل معاً، يشاركهم العالم عيدهم بعد أن شاركوه اعياده. وتأمّل العالم في ما صنعت أياديهم، بعد ان تأملوا هم في ما صنعت اياديه، وما فعلت وما أرست وأسست من صناعة وبناء وعمل وإنتاج وترسيخ لقانون العمل، ولشرعة حقوق الانسان، ولحركات التحرّر وإعلان الاستقلال الوطني لكل شعب من الشعوب، وإحياء حضارته واستعادة عاداته، وانطلاقة تفاعله مع الآخرين، واحترام حقوقهم وسيادة كل منهم على ترابه الوطني، والاقتناع بأنّ الكرة الأرضية، بما فيها من خيرات، تكفي الجميع، وأنّ التعدي على الغير، واستغلال ثرواته، مرفوض الى أبعد الحدود. القوانين أكّدت ذلك، والثقافات الموروثة، والأحكام المكتوبة، وجاءت الأديان لترسّخه، وتعلّمه للناس في كلّ لغة ومع كلّ لسان.
عيد التحرير هو عيد طرد المحتل الغاصب من أرض البلاد، وهو عيد العمل الوطني، وعيد العطاء، والتعاون بين ابناء الوطن الواحد.


العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه