دراسات وأبحاث

كوريا الشمالية وأزمة السلاح النووي
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

هل من حلول في الزمن المضطرب؟
 

كوريا شبه جزيرة تقع في أقصى شرق آسيا، تمتد من الشمال إلى الجنوب بطول نحو 1100 كلم داخل المحيط الهادئ، ويحيط بها بحر اليابان من الشرق، والبحر الأصفر من الغرب، وبحر الصين الشرقي من الجنوب، أما من الشمال فتحدها الصين بحوالى 1352كلم، وروسيا بـ 18كلم فقط.
كانت كوريا بلادًا موحدة ومستقلة منذ القرن السابع الميلادي، وفي نهاية القرن التاسع عشر، احتلتها اليابان في أثناء حربها ضد الصين (1894 - 1895)، وضد روسيا (1904 - 1905). ظلت كوريا تحت سلطة الإمبراطورية اليابانية إلى حين انتهاء الحرب العالمية الثانية (1945)، عندما هزمت اليابان، واستسلمت قواتها أمام الجيوش الأميركية في الجنوب، والجيش الروسي في جهة الشمال، وتمّ اقتسامها ما بين الاتحاد السوفياتي السابق، والولايات المتحدة.

 

فشل محاولات التوحيد
حصل كل ذلك ضد إرادة شعب كوريا وطموحاته في استعادة وحدته، وحريته، وسيادته على أرضه الواحدة. وبسبب لعبة الأمم والصراع بين الجبارين في ذلك الوقت، باءت بالفشل المحاولات العديدة التي بذلها قادة الشعب الكوري، في الجنوب والشمال، وكذلك الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لإعادة توحيد البلاد. وبدلًا من ذلك، اندلعت الحرب، بين الشمال والجنوب، تحت شعار التوحيد، لكن حقيقة الأمر كانت صراعًا بين الدول العظمى، الولايات المتحدة تدعم الجنوب، والصين والاتحاد السوفياتي تدعمان الشمال.

 

الحرب الكورية (1950 – 1953)
تعتبر الحرب الكورية المواجهة الأولى المسلحة، والساخنة في «الحرب الباردة» ما بين المعسكرين، الرأسمالي والشيوعي، والتي وضعت المعايير والحدود للصراع ما بين هذين المعسكرين في النزاعات اللاحقة، فثبتت نظرية «الحرب المحدودة»، حيث تجابهت هاتان القوتان على أراضي الآخرين، وتجنبتا تصعيد المواجهة إلى حدّ استخدام الأسلحة النووية، كما نقلت الصراع بينهما من أوروبا، وجعلته على مستوى العالم ومساحته.
اندلعت الحرب بين الكوريتين في 25 حزيران 1950 واستمرت سجالًا بينهما، وتدخلت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون وقوات الأمم المتحدة إلى جانب كوريا الجنوبية، كما تدخلت روسيا والصين إلى جانب كوريا الشمالية، وكادت الولايات المتحدة أن تستخدم القنبلة الذرية خلال هذه الحرب لولا ضغوط بعض الدول الحليفة، والخوف من ردة الفعل السوفياتية في أوروبا.
بعد معارك قاسية وخسائر كبيرة لدى كل من الطرفين، وقّعت الهدنة بينهما، فأوقف إطلاق النار في 27 تموز 1953، وأقيمت منطقة مجردة من السلاح على جانبي خط العرض 38. يحرس هذه المنطقة حتى اليوم، الكوريون الشماليون شمالاً، والكوريون الجنوبيون وقوات أميركية، وأخرى تابعة للأمم المتحدة، من الجهة الجنوبية، ومن دون أن يوقّع الطرفان حتى اليوم اتفاق سلام ينهي حالة العداء بينهما.
خرجت الكوريتان من الحرب محطمتين، وعلى الرغم من استعادة كوريا الشمالية عافيتها بسرعة في مقابل تعثّر كوريا الجنوبية اقتصاديًا، فإن الدعم الغربي لهذه الأخيرة جعلها، ومنذ منتصف سبعينيات القرن العشرين تتفوّق على كوريا الشمالية بعشرات الأضعاف، في الوقت الذي بدأ فيه اقتصاد الأخيرة يعاني تراجعًا وركودًا في مجالات مختلفة، وخصوصًا بعد سقوط المنظومة الاشتراكية.

 

كوريا الشمالية
تبلغ مساحة كوريا الشمالية نحو 120.538 كلم2. تحدها من الشمال الصين وروسيا الاتحادية، ومن الجنوب كوريا الجنوبية والخليج الكوري، ومن الغرب البحر الأصفر، ومن الشرق بحر اليابان أو بحر كوريا الشرقي. تأسست كوريا الشمالية تحت قيادة كيم إيل سونغ الذي انتهج ظاهريًا سياسة اقتصادية ودبلوماسية تعتمد على القدرات المحليّة، للحدّ من التدخل الخارجي، واعتبر أن الولايات المتحدة الأميركية هي الخطر الأكبر على بلاده لأنها منعته من إعادة توحيدها. في العام 1980 عيّن كيم جونغ إيل خليفة لوالده العجوز كيم إيل سونغ وتسلّم الحكم بعد وفاته في العام 1994. وفي العام 2010 تمّ تعيين الرئيس الحالي كيم جونغ أون خليفة لوالده جونغ إيل.
بعد عدة عقود من سوء إدارة الاقتصاد والموارد، عانت كوريا الشمالية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي نقصًا حادًا في الموارد الغذائية، وعلى الرغم من وفرة الانتاج الزراعي في الفترات السابقة إلاّ أنه لم يكن يكفي لاطعام جميع السكان الذين يبلغون نحو 25 مليون نسمة.

 

الاقتصاد الموجه
يعتمد النظام في كوريا الشمالية سياسة متشددة تجاه الاقتصاد، فالدولة هي المخطط والموجه المركزي له، وهو وإن بدأ منذ بدايات القرن الحالي سياسات منفتحة، وسمح بنصف قطاع خاص، إلاّ أنه مازال يتبع سياسة قائمة على التزام برنامج الدولة لتطوير الاقتصاد، بالتزامن مع برنامج تطوير الإنتاج الحربي، وتصنيع الأسلحة النووية والصواريخ.

 

السلاح النووي والأزمات المتعاقبة
تورّطت كوريا الشمالية في السياسة النووية خلال الحرب الكورية، فقد هددت الولايات المتحدة باستخدام السلاح النووي لحسم الحرب. لذلك، بدأت كوريا الشمالية برنامجًا نوويًا بمعاونة الاتحاد السوفياتي.
في العام 1958 قامت الولايات المتحدة بنشر أسلحة نووية في كوريا الجنوبية، مما عزّز المخاوف في كوريا الشمالية، ودفعها الى إكمال برنامجها النووي للردّ على التهديد النووي الأميركي.
بعيد إعلان سحب الأسلحة النووية الأميركية من كوريا الجنوبية وافقت كوريا الشمالية، على التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي NPT (كانون الثاني 1992)، وسمحت لمراقبي الهيئة الدولية IAEA (وكالة الطاقة الذرية) بالدخول إلى مرافقها النووية لمراقبة العمل فيها، لكنها منعتهم من دخول بعض المرافق المشتبه بها بحجة أنها منشآت عسكرية. أحيل الموضوع على مجلس الأمن الدولي، وردّت كوريا الشمالية بإعلان عزمها على الانسحاب من اتفاقية منع الانتشار النووي، وكان ذلك في العام 1993.
عقدت الولايات المتحدة مفاوضات ثنائية مع كوريا الشمالية واتفقت معها على تعليق انسحابها من المعاهدة، ومتابعة التفتيش في منشآتها النووية الحاضرة، من دون العودة إلى البحث في نشاطاتها السابقة، على أن تتابع العمل في مفاعل يونفبيون.
في ربيع 1994 اندلعت الأزمة الأولى حول عمل هذا المفاعل مع وكالة الطاقة الذرية، ما دفع الرئيس الأميركي بيل كلينتون (1993-2001) إلى الطلب من مجلس الأمن فرض عقوبات اقتصادية على كوريا الشمالية، التي ردت بأنها ستعتبر هذه العقوبات كإعلان حرب عليها.
تولى الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر (1977-1981) التفاوض لحلّ الأزمة، فاجتمع مع الرئيس الكوري السابق كيم إيل سونغ، وتوصلا إلى ما عرف باسم «إطار اتفاق» في تشرين الأول 1994. قضى الاتفاق بتجميد كوريا عمل مفاعلها النووي وملحقاته، والسماح لمراقبي وكالة الطاقة الذرية بمعاودة نشاطهم في مراقبة تنفيذ هذا الاتفاق.
وفي المقابل تعهدت الولايات المتحدة بإنشاء «تجمع دولي» لبناء مفاعلين يعملان بالماء الخفيف لتوليد الطاقة الكهربائية، وتزويد كوريا الشمالية 500 ألف طن من الفيول سنويًا، وبتقديم ضمانات بعدم الاعتداء النووي عليها.
نجح إطار التفاهم هذا في تجميد العمل في مفاعل البلوتونيوم الكوري الشمالي حوالى عقد من الزمان، ولكن كلا الطرفين لم يكن راضيًا عن التزام الآخر، فلا كوريا الشمالية كانت راضية عن العمل في إنجاز المفاعلين بالماء الخفيف لتوليد الطاقة، ولا الولايات المتحدة كانت راضية عن تأجيل عمل المراقبين الدوليين ومنعهم من التدقيق في النشاطات النووية الكورية السابقة. ومع مجيء جورج بوش الابن في العام 2001 إلى السلطة في الولايات المتحدة، وبروز مشكلة تصدير الصواريخ الكورية، تشددت الولايات المتحدة في تعاملها مع المشكلة الكورية، وبدا أن أزمة جديدة على وشك الظهور.
 

 منعطفات وتطورات
شكّلت أحداث 11 أيلول 2001، منعطفًا في سياسة الولايات المتحدة، تجاه محاربة الإرهاب والدول الداعمة له، أو تلك التي تبيع أسلحة وصواريخ، خارج إطار المنظومة الدولية المعروفة. ولما كانت كوريا الشمالية إحدى تلك الدول، فقد حُظّرَ عليها بيع الأسلحة لدول أو منظمات تعتبر «مارقة».
بعد حرب العراق وغزو الولايات المتحدة لها، تطورت العلاقات، ما بين كوريا وبعض دول الشرق الأوسط، خصوصًا إيران وسوريا، مما بات يشكّل خطرًا مباشرًا على قوات الولايات المتحدة. كذلك فقد تبيّن أن كوريا الشمالية انتقلت في برنامجها النووي إلى تخصيب اليورانيوم بعد أن كانت تعتمد على البلوتونيوم. وهذا ما دفع الولايات المتحدة ودولاً أخرى مجاورة إلى عقد مفاوضات لوقف البرنامج النووي الكوري، عرفت بمفاوضات «الأطراف الستة»، وهي: روسيا، الصين، اليابان، الولايات المتحدة بالإضافة إلى الكوريتين. ولكن هذه المفاوضات التي جرت خلال الأعوام 2004 و2005 و2006 لم تصل إلى نتائج حاسمة، بل أن كوريا الشمالية أعلنت في 9 تشرين الأول من العام 2006 امتلاكها سلاحًا نوويًا، وذلك عقب تجربة أجرتها.
عادت مفاوضات «الستة» مجددًا، ووافقت كوريا الشمالية على تعطيل مرافقها النووية، وتقديم جردة كاملة عن جميع برامجها النووية. وعلى الرغم من تباطؤ عملية المفاوضات، وتأخّر تنفيذ «حزمة الحوافز» التي قدّمت لها، فقد قامت في حزيران 2008 بتقديم إعلان عن نشاطاتها النووية ودمّرت برج التبريد في مفاعل يونفبيون. في مقابل ذلك، رفعت الولايات المتحدة جزئيًا العقوبات الاقتصادية التي كانت قد فرضتها عليها وشطبت اسمها من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، بعد أن كانت إحدى دول «محور الشر» و«الدول المارقة». ظل التجاذب قائمًا بين الطرفين، وعاودت كوريا الشمالية تخصيب اليورانيوم وقامت بعدة تجارب نووية وصاروخية (2009، 2013 و2016).
مارست الولايات المتحدة خلال فترة حكم الرئيس أوباما ما عرف بسياسة «الصبر الاستراتيجي» حيال كوريا الشمالية، مع تشديد العقوبات المتخذة بحقها. وهي تمتلك حاليًا وفق بعض المعلومات برنامجًا متطورًا للأبحاث الصاروخية ومخزونًا من الصواريخ البالستيّة يقدر بنحو 1000 صاروخ مختلفة الإمكانات. ومن هذه الصواريخ: نودونغ (1300 كلم)، تايبودونغ 1 (2000 كلم)، موزودان (4000 كلم)، تايبودونغ،2 (8000 كلم). وهي في مرحلة متقدمة من متابعة الأبحاث والتجارب لصناعة رؤوس نووية صغيرة تناسب هذه الصواريخ.
وقد قامت منذ مطلع العام 2017 بنحو عشر تجارب لإطلاق صواريخ بالستية قدرت بـ 16 صاروخًا، من بينها صاروخ قادر على حمل رأس نووي كما قيل. ردّت الولايات المتحدة على ذلك بنشر منظومة صواريخ معترضة من نوع «ثاد» فوق أراضي كوريا الجنوبية وعلى بعد نحو 250 كلم من حدود كوريا الشمالية.
في الرابع من تموز الماضي، أجرت كوريا الشمالية تجربة لإطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات قادر على الوصول إلى الولايات المتحدة (ألاسكا). وبعد أيام من ذلك (18 تموز)، صرّح الجنرال بول سيلفا نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة لجيوش الولايات المتحدة الأميركية بما معناه: «إن قدرات الولايات المتحدة لن تتمكن من إيقاف صواريخ كوريا الشمالية، ولكن هذه الصواريخ لن تتمكن من إصابة أهدافها بدقة».
من المعروف أن الولايات المتحدة تتعهد بحماية كوريا الجنوبية بموجب معاهدة دفاع مشترك بينهما، ولديها هناك قواعد عسكرية ينتشر فيها من 23000 الى 29000 جندي أميركي، بالإضافة إلى نحو 630 ألف جندي يشكلون جيش كوريا الجنوبية. في المقابل، لدى كوريا الشمالية ما يقارب مليون و200 ألف جندي. وهذه القوى العسكرية تنتشر شمال خط الحدود الفاصل بين الكوريتين وجنوبه، وبذلك تكون هذه الحدود المنزوعة السلاح من أكثر الحدود تسليحًا في العالم.

 

مشكلة بلا حل
تريد الولايات المتحدة نزع السلاح النووي في كوريا الشمالية ووقف التجارب وإنتاج الصواريخ، أو إسقاط النظام. وقد قامت بخطوات ومناورات عسكرية في المنطقة، وعززت تواجدها في الباسيفيك وقواها في كوريا الجنوبية واليابان، وعمّقت التحالف معهما. أما الصين، فتعارض كوريا شمالية نووية على حدودها، ولكنها لا تريد انهيار النظام فيها أو رؤية كوريا موحدة تحت هيمنة أميركية على حدودها المباشرة. وهي لا تريد أن ترى منظومات الصواريخ الأميركية المضادة للصواريخ «ثاد» والرادارات التابعة لها تنصب في كوريا الجنوبية بحجة الدفاع عنها، مما يعرض الأمن الصيني والروسي للخطر (مدى هذه الصواريخ أكثر من200 كلم، وارتفاع الاعتراض نحو 190 كلم، ومدى الرادار المدمج بالمنظومة نحو 1000 كلم، وقد نصبت داخل الأراضي الكورية الجنوبية، على بعد نحو 250 كلم من الحدود بين البلدين). كذلك، فالصين ليست راضية عن سياسة الولايات المتحدة نحو تايوان وتسليحها، وهي مستاءة من الإعتراض الأميركي على حقوقها في جزر بحرها الجنوبي، ومن العودة الأميركية إلى الباسيفيك الغربي وجنوب شرق آسيا، لتشكيل حلف ناتو جديد يحاصرها من الشرق، ويحدّ من طموحات صعودها العالمي.
من جهتها، تراقب روسيا الوضع عن كثب وتلتقي في موقفها مع الصين في عدة نقاط استراتيجية، إذ أنها ترفض وجود حلف ناتو جديد على حدودها الشرقية، وترى في ذلك محاولة لحصارها من جهة الشرق. بذلت إدارة الولايات المتحدة الجديدة (الرئيس ترامب) في الفترة الأخيرة جهودًا لتوسيط الصين وروسيا للضغط على النظام في كوريا الشمالية والقبول بقرارات الامم المتحدة والطلبات الاميركية. ولكن االنظام الكوري الشمالي يرفض قبول ذلك قبل التفاوض وأخذ الموافقة على طلباته من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة (كوريا الجنوبية واليابان). وهذا الوضع أدخل دول المنظقة في أزمة جديدة لا ترغب أن تصل في تصاعدها إلى نقطة اللاعودة والانفجار، ما يعني ضرورة العودة إلى المفاوضات الدبلوماسية لإيجاد حل سياسي يرضي كل الأطراف.
في النهاية، يرى بعض المحللين أن كوريا الشمالية تستغل واقع كونها جزءًا أساسيًا في لعبة الأمم والصراع الجيوستراتيجي الدولي، وهي تحاول أن تستفيد من هذه اللعبة لتكون دولة كبرى وتسيطر، على شبه الجزيرة بكاملها، وتعيد توحيدها تحت حكم كيم جونغ أون.
 

المراجع:


- http://www.cnbc.com/2017/07/05/north-korea-crisis-how-us-can-respond-to-the-latest-icbm-launch.html
- https://kristof.blogs.nytimes.com/2017/07/05/five-blunt-truths-about-the-north-korea-crisis/
- http://www.foxnews.com/live-coverage/north-korea-conflict-
- http://www.usatoday.com/topic/1558803B-0EE4-4A1B-B550-AF8FDDAD0733/north-korea-crisis