قانون دولي

كومينوس: القانون الدولي الإنساني حقق نجاحاً كبيراً لكن التحديات ما تزال كثيرة
إعداد: ريما سليم ضوميط

هل تحافظ اتفاقيات جنيف على فعاليتها في الحروب المعاصرة؟

 

قبل ستين عاماً، أضاءت إتفاقيات جنيف شمعة عدالة في ظلمة الغبن الذي عاشه الملايين من جرّاء الحرب العالمية الثانية وتداعياتها. اليوم وبعد مرور عقود شهد خلالها العالم تغيّرات جسيمة على صعيد النزاعات الدولية، هل ما زال لاتفاقيات جنيف فعاليتها في حفظ حقوق المواطنين في الحروب المعاصرة؟
ما هو دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الحفاظ على روح الإتفاقية التي ترنو إلى احترام الأفراد وكرامتهم؟
ما هي أبرز التحديات التي تواجه اتفاقيات جنيف في عالمنا اليوم؟
أسئلة يجيب عليها رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان السيد جورج كومينوس، بينما يتطرق المسؤول الإعلامي في البعثة إلى عملها في مجال نشر مبادئ القانون الدولي الإنساني.

 

كومينوس: المشكلة ليست في القانون بل في عدم إحترامه
• بعد مرور ستين عاماً على توقيع إتفاقيات جنيف، يرى بعض النقاد أنها لم تعد تتلاءم مع ظروف الحروب المعاصرة وأنها بحاجة إلى إعادة صياغة، ما رأيك في ذلك؟

- تعتبر إتفاقيات جنيف من أهم ركائز القانون الدولي الإنساني، وهو مجموعة القواعد التي يجب تطبيقها في الحروب بهدف حماية المدنيين والأشخاص الذين توقفوا عن المشاركة في القتال، ومن بينهم الجرحى والمرضى من العسكريين وأسرى الحرب. علماً أن هذه الإتفاقيات لا تهدف إلى وقف الحروب، بل إلى الحد من وحشية النزاعات المسلحة عن طريق تنظيم الأساليب الخاصة بالحرب. فالإتفاقيات تؤكد أنه حتى في الحرب هناك حدود يجب عدم تخطيها، إذ ليس للعسكريين الحق المطلق في استخدام مختلف الوسائل المتاحة، وإنما يجب على الاستراتيجية العسكرية تنظيم العمليات العسكرية التي تحد من الخسائر والأضرار في صفوف المدنيين.
من هنا ترى اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الإتفاقيات ما تزال تشكّل أفضل الأطر المتاحة لحماية المدنيين والأشخاص الذين توقفوا عن المشاركة في القتال. وهي قد حققت نجاحاً كبيراً على مر الستين سنة الماضية بإنقاذ أرواح لا تحصى والمساعدة في جمع شمل آلاف العائلات المشتتة ومواساة الملايين من أسرى الحرب. كما أنها تطورت بشكل واضح على مر السنين، حيث شهد العام 1977 اعتماد بروتوكولين إضافيين، عزّز الأول منهما حماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية، فيما عزّز البروتوكول الثاني حماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية، بما فيها الحروب الأهلية.
وشهدت سنوات الثمانينيات والتسعينيات دخول معاهدات دولية أخرى حيّز التنفيذ حرّمت أسلحة تقليدية معينة، كالألغام الأرضية المضادة للأفراد وكذلك الأسلحة الكيميائية. ولعل الإنجاز الأبرز كان العام الماضي حيث وقّعت أكثر من مئة دولة معاهدة تاريخية ضد استخدام الذخائر العنقودية.
من هنا نجد أن المشكلة ليست في القانون الدولي الإنساني أو في الإتفاقيات، إنما هي في عدم احترام القانون وخرقه بإستمرار وهذا هو التحدي الكبير الذي نواجهه اليوم. فهناك إنتهاكات جسيمة كالنزوح الجماعي للمدنيين وشن الهجمات العشوائية وسوء معاملة الأسرى. فحتى الحروب لها حدود، ولو تم التزام القواعد الموجودة إلى حدّ أبعد، لكان من الممكن تجنّب معظم المآسي التي تفرزها النزاعات المسلحة. بيد أن ثمة جوانب إيجابية وهي أن الكثير من هذه الإنتهاكات لم يعد يسمح بالتغاضي عنها، كما أن مساءلة المسؤولين عن أفعالهم زادت بشكل مضطرد عبر المحاكم الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

 

• ما هي أبرز التحديات التي يواجهها القانون الدولي الإنساني حالياً؟
- من تلك التحديات الطبيعة المتغيرة للنزاعات المسلحة والغموض المتزايد لخطوط التمييز بين المقاتلين والمدنيين. إذ أصبح المدنيون شيئاً فشيئاً يشاركون في أنشطة ذات صلة وثيقة بالقتال الفعلي. وفي الوقت ذاته، لا يميز المقاتلون دائماً أنفسهم بوضوح عن المدنيين، فلا يرتدون الزي العسكري ولا يحملون السلاح علناً، بل إنهم يختلطون بالسكان المدنيين، ويُستخدم المدنيون دروعاً بشرية أيضاً. نتيجة ذلك كله، أصبح من المرجح استهداف المدنيين، خطأ كان ذلك أم تعسفاً. وصار أفراد القوات العسكرية محط خطر متزايد، فعندما يتعذّر عليهم التعرّف على الطرف الخصم بشكل مناسب، يتعرضون للهجوم على يد أفراد تشير الدلائل كلها إلى أنهم مدنيون.
أما المسألة الرئيسة الأخرى المتعلقة بالتحديات فتتمثل هنا في تزايد عدم التكافؤ الذي يطبع النزاعات المسلحة المعاصرة، وقد أصبحت الفروق بين الأطراف المتحاربة، ولا سيما في ما يتعلق بالقدرات التكنولوجية والعسكرية أكثر وضوحاً من السابق. وربما يُنظر إلى الإمتثال لقواعد القانون الدولي الإنساني بأنه يخدم طرفاً واحداً في النزاع على حساب الطرف الآخر. وفي أسوأ الأحوال، ينتهك الطرف الضعيف عسكرياً القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني، في وجه خصم أشد قوة، في محاولة لتحقيق التوازن. وإذا عمد أحد الطرفين إلى مخالفة القواعد بصورة متكررة، تكون الأوضاع مهددة بأن تتدهور بسرعة ويصبح كل شيء فيها مباحاً. وهذه الدوامة التنازلية من شأنها أن تقف عقبة أمام القانون الدولي الإنساني وغايته الأساسية نحو تخفيف المعاناة في جميع أوقات الحرب. لذلك يجب أن نستشف كل السبل التي تحول دون وقوع ذلك.
هناك أيضاً مسألة الإرهاب وكيفية مكافحته، إضافة إلى التحديات الإنسانية والقانونية المرتبطة بحماية النازحين في أوطانهم علماً أن الإنتهاكات التي يتعرض لها القانون الدولي الإنساني هي أكثر الأسباب التي تؤدي إلى النزوح في النزاعات المسلحة.

 

• ما هو دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إطار تطبيق إتفاقيات جنيف؟
- واكبت اللجنة الدولية الإتفاقيات منذ توقيعها، لكن اللجنة ليست مالكة القانون إنما هي تلعب دور الوسيط الذي يذكّر الأطراف المتنازعة بواجب التزام القانون الدولي، عن طريق تزويد حكوماتها ملخصاً عن القواعد الخاصة بالحروب للتأكد من أن القوى المسلحة تحترم المدنيين وحقوقهم وكذلك الأسرى والجرحى والممتلكات الدينية والمستشفيات. ومن ثم تتدخّل اللجنة ميدانياً للتأكد من تطبيق القانون على أرض المعركة، ولإخلاء الجرحى وتأمين الأدوية والملجأ. وفي حال خرق القانون نجمع المعلومات التي تظهر هذا الخرق، ونقدّم التقارير للدولة التي قامت بالخرق من أجل تحمّل مسؤولياتها وتصحيح الأخطاء. وهنا يتوقّف نجاحنا في مهمتنا على وجود الإرادة السياسية في تطبيق القانون ووقف الخروقات، لذلك نشدّد بإستمرار على ضرورة احترام القانون ونناشد الدول والجماعات المسلحة من غير الدول التي تلزمها قواعد الإتفاقيات أيضاً التحلي بالإرادة السياسية الضرورية من أجل ترجمة أحكامها القانونية إلى واقع على الأرض.

 

دورات تدريبية
المسؤول الإعلامي في بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان السيد كريستيان كاردون دو ليختبور تحدّث إلى مجلة «الجيش» عن المساعي التي تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر بهدف تعريف المجتمعات بالقانون الدولي الإنساني. وأشار في هذا الإطار إلى دورات تدريبية يتابعها عناصر القوى الأمنية وأشخاص من المؤسسات الحكومية والوزارات للإلمام بتفاصيل القانون المذكور.
وأضاف: في لبنان بدأنا العمل مع الجيش اللبناني منذ سنوات في برنامج تعليم القانون الدولي الإنساني، الذي يشمل تدريب مدربين من ضباط الجيش ليقوموا بعدها بالمهمة نفسها مع مجموعات أخرى.
كذلك ندعم الجيش اللبناني عبر إرسال ضباط إلى الخارج لمتابعة دورات تعليمية خاصة بالخبراء والمتخصصين. وقد وصل الجيش إلى مرحلة من الإستقلالية تؤهّله لتعليم القانون الدولي الإنساني والتدريب على قواعده.
وأشار السيد دو ليختبور إلى أن البرنامج التدريبي في لبنان لا يقتصر على عناصر الجيش فحسب وإنما يطال أيضاً المجموعات المسلّحة ضمن المخيمات الفلسطينية، وكذلك عناصر «حزب الله». وأضاف: باشرنا تنظيم دورات مع عناصر من هذه المجموعات لتعليمهم الحد الأدنى من الحقوق والواجبات الخاصة بالحروب كاحترام حقوق المدنيين والجرحى وأصول العناية الطبيّة.
وتابع: يشمل برنامجنا أيضاً تلامذة الجامعات حيث نعمل حالياً على دعم فريق مؤلف من ثلاثة تلاميذ سيسافرون إلى كندا للمشاركة في مسابقة دولية حول القانون الدولي الإنساني. وأضاف أن دعم الجامعات يتم أيضاً عبر تدريب بعض الأساتذة الجامعيين وتزويدهم كتباً ووثائق حول القانون الدولي الإنساني.
وناشد كريستيان وسائل الإعلام لأداء دورها في تعريف المواطنين إلى القانون الدولي الإنساني والتفريق ما بينه وبين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.