متاحف في بلادي

"كونسرفاتوار التراث الشرقي" في جامعة الكسليك
إعداد: تحقيق جان دارك أبي ياغي

فخاريات وتماثيل وحكايات الأرجوان والحضارات الغابرة

 

لبنان ما قبل التاريخ نجده في متحف جامعة الروح القدس ­ الكسليك، التابع لكلية التاريخ فيها، والذي يضم في حناياه قطعاً تعود للعصور القديمة وتحكي قصة شعوب غابرة وحضارات اجتمعت كلها على هذه الأرض. مجموعة أثرية قيّمة، من العصر الحجري حتى الحقبة الإسلامية، توزّعت داخل صالة كبيرة زيّنت بواجهات زجاجية تمثل محطات ثقافية وزمنية من تاريخ شعوب مختلفة عبرت بلادنا. افتتح المتحف في العام 1992 تحت اسم "كونسرفاتوار التراث الشرقي"، وهو صرح علمي وثقافي يستفيد منه طلاب الآثار والتاريخ وكل طلاب المعرفة. بدأ تجميع موجوداته خلال الثمانينات وهي بغالبيتها هبات قدمت للمتحف.

 

تحف وقطع قديمة...

يمتد المتحف على مساحة طابق واسع، ويضم 30 واجهة عرضت فيها تحف وقطع قديمة: معدات حربية مصنّعة من الحجارة وخصوصـاً من حجر الصوان، فخاريات استعملت في الطقوس الجنائـزية، اضافة الى أدوات تستعمل في مختلف نواحي الحياة: المسكن، النار، الغذاء... يحتـضن المتـحف بين جـدرانه معروضات متـنوعة من الفـخار والحـجر والبـرونز، فضـلاً عن أوان وجـرار وأسلحـة ومجسمـات وكتابـات، توزّعـت بحـسب تسلسلها في الزمـن، بحيث تبرز ميزة كل مجموعة، مع شرح يساعد الزوار في التعرّف الى الكنوز الأثرية والى العصر الذي تعود إليه كل مجموعة.

 

فخاريات وتماثيل وفسيفساء

الملفت في محتويات المتحف مجموعة كبيرة من الفخاريات القديمة تعود الى العصور الفينيقية والكنعانية واليونانية والرومانية والإسلامية والبيزنطية، الى نماذج من الفخار القبرصي المنقوش (­1550 - 1200 ق. م ).

وثمة مجموعة تماثيل لآلهة بعلبك (جوبيتر، مركور وفينوس) موجودة فقط في متحف جامعة الكسليك ومتحف الجامعة الأميركية في بيروت.

 

ومن موجودات المتحف أيضاً:

فسيـفساء بيزنطـية، غلايين عـثمانية، مجمـوعة من الحلى البرونزية ومتحجرات بحرية متعددة الأنواع. ولعـل اللافـت بين القطـع، الفخـار الفينيقي وما يتميز به من لون أحمر أرجواني وهـو الـلون الذي اشتهر بـه الفينـيقيون فـي تجـارتهـم للحصـول علـى المـواد الأوليـة لصـناعة منـتوجاتهـم.

فما هي أماكـن صناعـة الأرجوان؟ وما هي استخداماته؟ وما هي ميزاته؟

 

حكايات الأرجوان

بما يتضمنه من صدفيات أرجوانية، يفتح المتحف نافذة واسعة على صناعة الأرجوان التي اشتهر بها الفينيقيون وانطلقت من شواطئنا الى العالم. ومن أقدم الصدفيات الأرجوانية مجموعة وجدت في جزيرة "كريت" منذ العام 1600 ق.م. وأخرى تم اكتشافها في القرن الثامن ميلادي في قبرص وأوغاريت، الى ما تم اكتشافه قرب صيدا وصور. الأرجوان الصوري كان الأشهر والأكثر طلباً، فالقدماء كانوا يعتبرونه من أفضل الصباغات في آسيا وكل المدن الفينيقية. وتقول الأسطورة إن اكتشاف الأرجوان مرتبط بإله صور "ملكارت". يستخدم الأرجوان في الدرجة الأولى لصباغ القماش المصنوع من الصوف ونادراً من الحرير، والثياب الأرجوانية كانت تعتبر نوعاً من الترف فقد كانت مخصصة للطبقة البورجوازية. والأرجوان كان مادة لها قيمتها الكبيرة في العصور القديمة، اكتسبت شهـرتها من بريق ألوانها المشرقة، وخاصة من ثبات اللون فيها. وقبل هذه المادة لم يكـن معروفـاً من الألوان غير تلك المستخرجة من النبات.

وكانت هذه الألوان تبهت وتمحى مع الوقت بفعل الضوء، على عكس الأرجوان الذي كان يدوم الى ما لا نهاية بل انه كان يزداد حيوية ويكتسب انعكاسات لونية جديدة كلما ازداد قدماً.

تصوير: المجند جورج عيد