- En
- Fr
- عربي
من واقع الحياة
طالت الأزمة علينا، فبتنا نشعر أننا نغرق أكثر فأكثر يومًا بعد يوم! من كورونا الصحية التي أغلقت البلد، إلى كورونا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شلّت معظم أهالي هذا البلد وحجرتهم وأولادهم في قوقعة العوز، والعجز والقلّة. تداعيات هذه الأزمة على أولادنا كبيرة، فكيف نحميهم بالحدّ الأدنى من مفاعيلها النفسية عليهم؟
قبل تقديم بعض النصائح التي قد تساعد الأهل على التعامل مع هذه المشكلة، تشرح السيدة دوريس ملحم أبو ديوان (مُجازة في علم النفس المدرسي) أبرز مظاهر تأثير الأزمة على الأولاد:
- النشاط الزائد: الولد بحاجة إلى مساحات ليركض ويلعب ويصرخ فيفرغ طاقته، كما أنّه يحتاج إلى تغيير الكادر الذي يعيش فيه. لذلك، بدأت المشكلة مع كورونا الذي حجز الأولاد في المنازل، وحرمهم الخروج حتى إلى المدرسة، واستمرّت مع الأزمة الاقتصادية التي أدّت إلى التقشف وتخفيض المصاريف، وبالتالي حرمان الأولاد في معظم الأُسر من الأنشطة الإضافية في النوادي مثلًا. وهذا الأمر انعكس زيادةً ملحوظة في النشاط والحركة (Hyperactivity) لدى عدد من الأولاد.
- قلّة التركيز: يرتبط هذا الأمر بالعامل السابق، إذ تؤدي زيادة الحركة وما تستتبعه من غياب الهدوء إلى عدم القدرة على التركيز والانتباه، وبالتالي إلى الشرود. هذا الأمر يصبح لا إراديًّا ولا يستطيع الولد التحكّم به أو الحدّ منه.
- تراجع النتائج المدرسية: ينعكس العاملان السابقان على المستوى الدراسي والتحصيل العلمي لدى الأولاد. فكثرة الحركة وقلة التركيز تؤدّي إلى النقص في الانتباه وتراجع أداء التلميذ في المدرسة، وهو أمر قد لا يفهم سببه معظم الأهالي.
- السلوك العدواني: إن كل ما يحصل من عدم القدرة على الخروج وتفريغ الطاقة بالحركة والنشاطات، والأزمة وما ينتج عنها من توترات وقلق أدّت إلى ظهور السلوك العدواني لدى عدد من الأولاد.
ولكن الأصعب من كل هذه الظروف التي نعيشها هو جو المنزل، وخصوصًا مع الشجارات بين الزوجَين بسبب الضيقة المادية، والبقاء لفترات طويلة في المنزل. فما يعيشه الكبار هو أكثر ما ينعكس سلبًا على الولد، ويخلق لديه شعورًا بعدم الاستقرار والخوف والقلق.
ما الحل؟
- تأمين مساحة يستطيع الولد أن يلعب ويتحرك فيها بحرية، حتى ولو كانت ساحة قرب المنزل أو غرفة واسعة داخله، إضافةً إلى تقديم الحلول البديلة: «لا يمكننا الذهاب إلى النادي الرياضي ولكننا سننزل إلى الملعب في الحي ونلعب بالطابة مع الرفاق، أو سنذهب في نزهة في الطبيعة»...
- للأهل دور كبير في تبسيط الأمور وعدم التذمّر الدائم بسبب الوضع أو التشاجر أمام الولد وإظهار عجزهم عن تأمين الأساسيات. بالطبع يجب إخباره بالحقيقة ولكن من دون أن نخلق الخوف لديه. يمكن القول مثلًا «الجميع يعانون الوضع نفسه... يمكننا أن نتمثّل بالدول الأوروبية حيث يشترون بالقطعة والحبة والغرام لا بكميات كبيرة كما نفعل عادةً... جدّي وجدّتي كانا يعيشان الظروف نفسها ولكنهما عاشا سعيدين»...
- إقران القول بالفعل، فلا يمكن التحدّث بهذه البساطة والتخفيف من وطأة الأزمة على الولد بالكلام من دون التصرّف على هذا الأساس. هذا الأمر يساعد الأهل أيضًا في تقبّل هذا الواقع ومحاولة التأقلم معه، وعدم إلقاء كل طرف اللوم على الطرف الآخر.
- من المُفضّل أن تعمل الأم بدوام جزئي وتكون موجودة لوقت أطول إلى جانب أولادها، خصوصًا ما دون الـ١٢ سنة. ولكن إن كانت الحاجة كبيرة والمردود الذي تحصل عليه من عملها ضروريًّا، عليها أن تؤمّن وقتًا نوعيًّا تقدّم خلاله الاهتمام الصحيح والكامل الذي يمكن لأولادها الشعور به حقًّا.
- إذا فاقت الأمور قدرة الأهل على التحمل، يمكن استشارة اختصاصيين أو اللجوء إلى المرافقين النفسيين في المدارس.
إلى ما سبق، تشدّد السيدة دوريس على دور الأساتذة الذين هم أيضًا يعانون هذه الأزمة، وهي تنعكس أحيانًا على أدائهم وقدرة تحملهم للتلامذة وتعاطيهم معهم في الصف. وتركّز على أهمية متابعة الدورات التي تمكّنهم من فهم رسالة التعليم والقدرة على الفصل بين المشاكل الخاصة وهذه الرسالة التي يؤدّونها في الصف، بالطبع بانتظار إنصافهم في حقوقهم.
مع امتداد الأزمة، وطبيعة الحياة التي نعيشها في بلدنا، يبقى الأهم أن نؤمّن للولد منزلًا يحتضنه بالعاطفة والمحبة والاهتمام والأمان، فبذلك يتحدّى العالم ومشاكله.