محاضرة

كيف نحافظ على الأدلة الجرمية في مسرح الجريمة؟
إعداد: ندين البلعة

إستضافت كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان العميد الركن المتقاعد الياس داوود (من قوى الأمن الداخلي)، الذي حاضر حول «المحافظة على الأدلة الجرمية في مسرح الجريمة».
المحاضرة التي تابعها ضباط دورة الأركان (الرقم 23) أجابت عن الأسئلة التي يمكن أن تُطرح في هذا المجال.

 

الكشف على مسرح الجريمة
إستهل المحاضر بشرح الأسباب التي توجب الكشف على مسرح الجريمة، وأولها إثبات وقوع الجرم، وضبط الأدلة الجرمية. ففي القضايا الجنائية، لا قيمة لاعتراف الجاني إذا لم يتطابق مع الأدلة ومع إفادات الشهود. ومن هذا المنطلق فإن الأدلة هي الأساس للإدانة أو عدمها. وهناك فرق بين البيّنة (Indice) التي تعطي مؤشرات، والدليل (preuve) الذي يدين.
أيضاً من شأن الكشف على مسرح الجريمة إتاحة تمثيلها، إذ يجب أن تتطابق أقوال المتهم وأفعاله مع الكشف الذي تمّ في مكان وقوع الجريمة.
وأخيراً، تكمن أهمية الكشف في إعطاء فكرة واضحة للقاضي. فملف المحقّق، بعد انهائه من الكشف والتحقيق، يصبح في يد القضاء الجالس. فإذا كان الملف محضّراً بشكل متقن تكون أحكام المحكمة صحيحة وعادلة.
القضاء الجالس (assis) هو المحكمة التي تحكم، وهي هيئة من ثلاثة قضاة. أما القضاء الواقف (Debout) فهو المدعي العام والنيابة العامة، الذي يمثّل الحق العام والمجتمع؛ وهو يحرّك الدعوة العامة ويلاحقها فإجراءات المدعي العام هي إجراءات تمهيدية توصله للمحكمة.

 

من يقوم بالكشف على مسرح الجريمة؟
عندمـا تقع جريمة، قد يتجمّع في مسرحها العديـد من الجهـات، وتحـاول كل جهـة أخـذ دلائـل لتحقيـق سبـق، وهذا مـا يسمـى العبث بالدلائل.
ويوضح المحاضر:
مثلاً: جريمة قتل القضاة الأربعة في صيدا (في 9 حزيران 1999)، حينها وصل الى مسرح الجريمة الأمن العام وأجهزة المخابرات ووحدات الجيش المنتشرة في المنطقة والأدلة الجنائية وأمن الدولة والأجهزة الأمنية والأحزاب كافة. كل جهة أخذت عناصر من ساحة الجريمة، وراحت تحقق مع الشهود...
للأسف، عندما تحصل الأمور على هذا النحو، فإنها تؤدي الى إعاقة التحقيق وزيادة صعوبة التوصّل الى نتائج.
جهاز واحد فقط منوط به الكشف على مسرح الجريمة. أما باقي الأجهزة التي تنوجد في مكان حدوث الجريمة، فعملها منع العبث بمسرح الجريمة، ومنع الشهود من مغادرة المكان. هذا بالإضافة الى مهمات أخرى أساسية نذكر منها:
- إسعاف المصاب ووضع إشارة على مكان وجوده عند وقوع الحادث. وخلال نقله الى المستشفى ترافقه قوة كافية لتجنّب أي ردة فعل من قبله، ولحمايته، وسماع أقواله وتدوينها.
- الإتصال بالصليب الأحمر والدفاع المدني... وتبليغ الشرطة أو الدرك.

 

التحقيق
المخفر الإقليمي هو صاحب الحق في التحقيق، إلا إذا جاء قاضي التحقيق ومعه المستنطق. المدعي العام والقوى الأخرى يقومون بالمهام التي يكلّفهم بها قاضي التحقيق.
المحقق الأساسي هو المدعي العام الإستئنافي، ويقوم بهذا الدور مفوّض الحكومة (الذي هو مدعٍ عام عسكري)، في حالات إستثنائية أي عند وقوع الجرائم على العسكريين أو على المنشآت والمعدات العسكرية.

 

المدعي العام الإستئنافي
يكشف المدعي العام الإستئنافي على مسرح الجريمة ويقوم بالتحقيقات الأولية، وتعاونه الضابطة العدلية ومهمتها:
- إستقصاء الجريمة وضبط أدلتها، توقيف الفاعلين وإحالتهم على القضاء المختص. وقد أضاف العرف مهمة التحقيق الأولي وهو ما ليس منصوصاً عنه في قانون أصول المحاكمات الجزائية.
- البحث عن الجرائم، وذلك من خلال الدوريات التي تطلقها الضابطة العدلية. ويمكن أن يصلها الخبر من مخبر، إتصال، سماع صوت، من القوى الأمنية، خبر في جريدة...
- ضبط الأدلة، فعند الإستماع الى إفادة الشاهد أو المشتبه به، تُضبط إفادته وأقواله لأنها جزء من أدلة إذا تطابقت مع الحقيقة والواقع.

 

أشخاص الضابطة العدلية
يمثّل الضابطة العدلية، المدعي العام أو مفوّض الحكومة ومعاونوهم: محامون عامون، قضاة التحقيق وكل من يساعدهم، أي المذكورون في المادة 31 من دستور الضابطة العدلية (قانون أصول المحاكمات الجزائية) وهم المحافظون، القائمقامون، مدير عام قوى الأمن الداخلي وضباطها كافة، والرتباء في الشرطة القضائية وفي المخافر والقطعات الإقليمية.
المدعي العام هو صاحب الدعوة العامة وله حق إعطاء توجيهات لمعاونيه وتكليفهم مهمات. وهؤلاء هم: ضباط الدرك على اختلاف رتبهم مع رتباء القطعات الإقليمية والشرطة القضائية، وضباط الأمن العام والرتباء المكلفون التحقيق (لديهم مفرزة خاصة للتحقيق).
كذلك الأمر بالنسبة الى أمن الدولة، وفي الجيش، ضباط الشرطة العسكرية الذين يعينهم وزير الدفاع، والرتباء المكلفون التحقيق.
أعطت المادة 72 من قانون البلديات صلاحية الضابطة العدلية لرئيس البلدية، يمارسها بواسطة الشرطة البلدية التي تضبط المخالفات.
الى ذلك تقع على عاتق الضابط العدلي مسؤولية تسجيل ساعة وصوله الى مسرح الجريمة والأحوال الجوية السائدة والرؤية فيها، وضبط الأدلة بتأنٍ ليصار الى الكشف عليها.

 

كيفية الكشف
يقـوم بالكشف أول ضابط عدلي يصل الى مسرح الجريمة، أو المدعي العام أو قاضي التحقيق. أو تُستدعى الفصيلة الإقليمية التي يقع الجرم ضمن نطاقها.
يتسلّم المخفر التحقيق بناءً على إشارة من المدعي العام، ويكلّف الأدلة الجنائية الموجودة في كل مفرزة قضائية إجراء الكشف.
بعد التأكد من وقوع الجريمة، يُبلّغ المدعي العام أو مفوض الحكومة الذي يمكن أن ينتقل شخصياً الى مسرح الجريمة أو يتصل بقاضي التحقيق ليقوم بذلك. عندها تكفّ يد الضابطة العدلية عن التحقيق فيعطي قاضي التحقيق التوجيهات.
في أثناء قيامه بالتحقيق يأخذ الضابط العدلي صلاحية المدعي العام. ويطلب الأدلة الجنائية بعد موافقة المدعي العام أو مفوّض الحكومة.

 

الخبراء والطبيب الشرعي
يقع أشخاص الأدلة الجنائية ضمن خانة الخبراء، فيعين لكل جريمة خبير حسب نوعها.
الطبيب الشرعي هو من الخبراء الذين يمكن الإستعانة بهم للكشف على مسرح الجريمة. وهو لا يقوم فحسب بالكشف، فالضابط العدلي يُطلَب منه تحديد أسئلة كل ما يمتّ بصلة الى الجريمة، من خلال بيانات محددة.
خبراء الأدلة الجنائية يتابعون دورات ويقدّمون أسماءهم للمدعي العام. أما الأطباء وخبراء الحريق والغريق وما شابه - يصدر بأسمائهم جدول من مجلس القضاء الأعلى سنوياً - فيكونون خبراء محلّفين أقسموا اليمين القانونية، وضمن شروط معينة.
الأدلة
 

ما هي الأدلة التي يمكن أن نجدها في مكان وقوع الجريمة؟
مسدس، سكين، بصمة، خرطوشة فارغة، أداة قتل، شعر، دم، آثار تسمّم، وبر... كلها تعتبر ضمن الأدلة التي تُضبط بعناية وفق أصول محددة.
إذا وُجدت في مسرح الجريمة خرطوشة فارغة تقارن بتلك العائدة الى سلاح المجرم.
ومن خلال الشعر، يمكن أن نحدّد الحمض النووي (DNA) لصاحبها. فالشعر يمكن أن يكون أثراً يحدد هوية المجرم.
البصمة هي من الأدلة الجنائية المهمة جداً ودليل لا يرقى اليه الشك أبداً.
تعيش البصمة 24 ساعة حسب مكان وجودها، فإذا كانت في مكان ظليل ورطب، يمكن أن تبقى لعدة أيام.
ضبط البصمة يتمّ من خلال رش بودرة خاصة يضعها الضابط العدلي على المكان ويستخدم فرشاة صغيرة، فتأخذ البودرة شكل البصمة وينزعها بشريط لاصق لتؤخَذ الى المختبر وتحدّد هوية صاحبها.

 

الجرم المشهود وقرار التوقيف
تطرّق المحاضر الى الجرم المشهود محدداً إياه بالجرم الذي يُشاهَد حين وقوعه أو عند الإنتهاء من وقوعه، أو يُضبط مع الفاعل أدلة ومستندات تثبت إدانته خلال 24 ساعة من تاريخ وقوع الجريمة.
عند حصول جريمة معينة، يُمنع أي شخص موجود في المكان من المغادرة، لأنه شاهد على الجريمة؛ ويباشر الضابط العدلي التحقيق معه.
أما بالنسبة الى المشتبه به فيتم توقيفه بأمر من المدعي العام حرصاً على سلامة التحقيق، ولمنع فراره وإرضاءً للرأي العام.
في حال الإشتباه بشخص وإجماع الشهود على قيامه بالفعل، يتمّ بيان كامل هويته، ويذيع مفوض الحكومة بلاغ بحث وتحرٍ عن هذا الشخص إذا لم يتم إيجاده.
بلاغ البحث والتحري ليس مذكرة قضائية ولم يُنَص عنه أبداً في أصول المحاكمات الجزائية، بل هو وسيلة بوليسية للإستماع الى أقوال شخص ما، وليس للقبض عليه أو توقيفه.
يبقى هذا البلاغ ساري المفعول 15 يوماً قابلة للتجديد 15 يوماً أخرى، بموافقة المدعي العام، تُصدره القطعة القائمة بالتحقيق، فتُرسل بناءً على إشارة المدعي العام، برقية لمكتب التحريين في الشرطة القضائية عن الأشخاص المطلوبين. بدوره يرسل هذا المكتب البيان الى الأمن العام الذي يعمّمه على المراكز الحدودية.
في حال كان الشخص محكوماً وصدر بحقه الحكم، لا يعود مطلوباً. فإذا لم ينفّذ حكمه يصبح عليه «كرّاس حكم» في مكتب التحريات. أما بالنسبة الى سجله العدلي فهو يبيّن إذا كان الشخص محكوماً أم لا، لكنه لا يبيّن إذا كان ملاحقاً أم عليه بلاغات تحرٍ ومذكرة توقيف.
إشارة الى أنه في حال الوفاة تُشطب كل الأحكام.
أخيراً ختم المحاضر بالقول إنه وعلى الرغم من نسبة الجرائم المرتفعة في لبنان، يتمّ كشف هذه الجرائم، ويُعتبر لبنان الأفضل في هذا الإطار، على صعيد موقعه الأمني ضمن قارة آسيا.

 

تصوير: وجدي عازار