تربية وطفولة

كيف نخلّص أطفالنا من الضغوط اليومية؟
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

الحصص المدرسية المتعاقبة، والفروض المنزلية، والإحباطات الصغيرة التي يتعرض لها الطفل بشكلٍ يومي في المدرسة، كلها أشياء توقع الضغوط عليه، إلى حد إصابته بالإجهاد. فكيف نتعرف إلى الطفل المجهد؟ وما دور الأهل والأسرة، في تخليصه من الإجهاد قبل أن يستنفذ طاقاته؟

 

يمضي أولادنا خمسة أيام من الأسبوع في المدرسة، وعندما يعودون يكون عليهم إنجاز الواجبات المنزلية التي قد تتطلب ساعات أحيانًا. يضاف إلى ذلك الوقت المخصص للنشاط الأسبوعي (جودو، كاراتيه، باليه... إلخ). كل ذلك مطلوب منهم ونحن ننتظر أن يقوموا به على أكمل وجه.
إنّ الإيقاع اليومي المفروض على أطفالنا لا يقل ضراوة وإلحاحًا عن الإيقاع المفروض على الكبار. لذلك، ليس من العجب في شيء أن نجد البعض ينسحبون بعد إحساسهم بالانهيار، ويعلنون قرارهم بعدم إكمال المشوار.

 

ما هو الإجهاد؟
الإجهاد آلية تصنف عادةً ضمن الآليات «التكييفية». أي أنّها ترغم الطفل على أن ينجز ويبلي بلاءً حسنًا من الصباح حتى المساء، وتجعله قادرًا على الانتقال بنشاط ٍ(نسبي) بين الإملاء والجيولوجيا، أو بين الرياضيات والأحياء...إلخ، من دون صعوبة تذكر. في معظم الحالات، تسير الأمور على ما يرام لكن ليس من النادر أن نجد بعض الأطفال، في أحد الفصول مثلًا، ممن يتصفون بالهشاشة وانعدام الثقة بالنفس، والذين سرعان ما يفقدون قواهم ويعلنون قرارهم بالانسحاب، بسبب الإرهاق الذي يوشك أن يفتك بهم. فالاستهلاك اليومي لطاقاتهم يكاد يستنزف قواهم الذهنية والجسدية.
ويظهر الإعياء، بصفةٍ خاصة لدى التلامذة الذين يطلب منهم باكرًا بلوغ مستويات عالية من الإنجاز، وأن يكونوا دائمًا في المقدمة (على غرار سيارات الفورمولا 1). وقد يفشل هؤلاء الأطفال في النهاية، على الرغم مما يتمتعون به من روح تنافس عالية جدًا، فيستبد بهم الشعور بالذنب... كما يبدأون بالانتقاص من قيمة أنفسهم بسبب عجزهم عن الوصول.

 

كيف نتعرف إلى الطفل المجهَد؟
يمكن التعرف إلى الطفل المجهَد من خلال مجموعة من العلامات الجسدية والنفسية، منها:
 

• العلامات الجسدية:
- اضطرابات النعاس (صعوبة في الاستسلام للنوم، والاستيقاظ في الليل، والشعور بالتعب في أثناء النهار مع صعوبة التركيز).
- آلام البطن ( التي تظهر بصفةٍ خاصة في أول الأسبوع أو قبل الاختبارات).
- الهشاشة الصحية وسهولة الإصابة بالعدوى والأمراض (طفل مريض بشكلٍ مستمر).
- الأعراض المتكررة، على سبيل المثال، إذا كان مريضًا بالربو، فإنه يُصاب بنوباتٍ متكررة. كما تتكرر نوبات الأكزيما لدى المصاب بها بشكلٍ مزمن، وتزداد نوبات التأتأة حدة، وتتواتر العادات القبيحة (قضم الأظافر، اللعب بخصلات الشعر...).
 

• العلامات النفسية:
إذا كان الطفل مصابًا بالإجهاد، نلاحظ أنّ هناك عبارات بعينها تتردد على لسانه، خصوصًا إذا كان مطلوبًا منه إنجاز بعض المهمات، من هذه العبارات: «لن أستطيع»، «هذا في غاية الصعوبة»، «أنا فاشل»، وأحيانًا «لا أريد الذهاب إلى المدرسة من الآن فصاعدًا».
ويميل بعض الأطفال إلى تطوير مخاوف مدرسية حقيقية، تصل إلى حد الرهاب المدرسي، في حين يقع البعض الآخر فريسة أحاسيس الفشل والإحباط. وتقول محللة نفسية في هذا السياق: يطارد الطفل شعور مستمر بأنّه واقع تحت ضغط متواصل، فنجده هائجًا، عصبيًا مستاءً معظم الوقت، ويشعر باستمرار بأنّ الآخرين يعجزون عن فهمه. وسرعان ما تتحول الأحداث العادية والأنشطة، حتى التي يحبها، إلى هواجس بالنسبة إليه، وتأخذ أبعادًا مأساوية، فنجده يحمل هم النشيد الذي يجب عليه حفظه، والفرض الذي يجب عليه إنجازه على مدار الأسبوع، وبيان العلامات الذي يجب عليه إعادته للمعلمة، وحتى حصة الألعاب الرياضية التي يعشقها يحسب لها ألف حساب.

 

ما العمل؟
إذا بدت هذه العلامات، أو بعضها على طفلك، فاعلمي أنّه قد يكون من ضحايا الإجهاد. لا تدعيه يواجه بمفرده، فقد تنهار قواه، واحرصي على اتباع خطة محكمة لمساعدته:
 

• تعلّمي الإنصات:
عندما يحكي لك طفلك الأحداث التي حصلت معه خلال الفرصة ويخبرك عن إحباطه مع أصدقائه وزملائه، وعن ظلم المعلمة له، لا تكتفي بهز كتفيك. يجدر بك أن تهتمي بخلق حوار بينك وبينه، فلا تحصري اهتمامك ب العلامات والمستوى الدراسي فقط. بل احرصي على أن يأتي الجانب العاطفي والانفعالي في المقدمة.
 

• اشغلي أوقات فراغه:
حثّي طفلك على ممارسة أنشطة يحبها وتساعده على الاسترخاء، حتى لو أصيب بالإنهاك الجسدي من جراء ممارستها. واحرصي على الحفاظ على مبدأ المتعة والسعادة، وعدم تحويل النشاط الذي يحبه إلى مجال جديد من مجالات السباق الماراتونية، وسبب آخر لتحميله المزيد من الضغط العصبي والنفسي. عليك فقط أن تفتحي له الطريق وتدليه على طريقة العمل، ثم تتركيه ليتقدم بإيقاعه الخاص، وعلى النحو الذي يناسبه من دون أن تدفعيه إلى تحقيق النجاحات المتواصلة كما تريدين وتتوقعين.

 

• تفهّمي رغبته في عدم فعل شيء:
سامحيه وتفهّمي رغبته إذا قضى ساعة وهو يسترخي في حوض الاستحمام، أو إذا أمضى أمسية كاملة وهو يلعب بالمكعبات، أو يشاهد المسلسل الذي يحبه، ويساعده على التخلص من الضغوط اليومية.

 

• اعترفي بأنّ الاجهاد معدٍ:
عندما تعودين كل يوم إلى المنزل منهكة بعد يوم عمل كامل، وتشعرين بأنّ أعصابك على وشك الانهيار، خصوصًا مع إحساسك بأنّ يومًا ثانيًا يوشك على البدء (فروض منزلية، أعمال منزلية، طبخ...إلخ)، تنبّهي إلى أنّ الإجهاد الذي ينتابك، يغذّي ضغوطه اليومية. بعد يوم دراسي حافل، يجب أن تجدي وسيلة «لإعادة العدّاد إلى الصفر»، وتخصيص نصف ساعة لمبادلته الحوار والإنصات إليه، وحتى للعب معه.
قد يؤدي ذلك إلى تأخرك في الانتهاء من أعمالك اليومية، أو تأجيل موعد نومه قليلًا. ولكن، تأكدي أنّ هذا الأسلوب يخفّف كثيرًا من الضغوط الملقاة على كاهل كل منكما. وسوف تلاحظين أنّه سيجد سهولة أكبر في أداء واجباته، وسوف يستسلم للنعاس أسرع وأسهل من ذي قبل.