سلامتكم تهمنا

كيف نستفيد من التقنـيـات الحديـثـة للحد من الحوادث المروريـــــة المريعـــة؟
إعداد: الدكتور الياس الشويري
مدير عام ورئيس لجنة الجمعية اللبنانية للسلامة العامة وممثل منظمة السلامة العالمية لدى الأمم المتحدة

من الضروري لا بل من الواجب أن يحظى موضوع السلامة المرورية بالكثير من الاهتمام للحد من خطورة الحوادث المرورية التي تعتبر من المشاكل المستعصية في العالم أجمع، والتي تتسبب في إهدار الكثير من الأموال، إضافة إلى كونها أحد أهم أسباب الوفيات والإعاقة المختلفة. وهذه الخسائر البدنية والمادية، ضريبة باهظة تدفعها البشرية جراء استخدامها وسائل وتقنيات صنعها الانسان لنفسه من أجل حياة أفضل!
يدرك الانسان من خلال ممارسة نشاطاته المختلفة، أنه بالإمكان تسخير التقنية المتوافرة في مجال معين للاستخدام في مجال آخر، فمثلاً نجد أن تقنيات الأشعة والليزر المستخدمة في المجالات الطبية، وأنظمة الرصد الرادارية المستعملة في السفن، وكذلك أنظمة السيطرة والتحكم لرصد مكان الهدف وسرعته المستعملة في المجالات العسكرية، والتي تعمل بنظام الموجات الكهرومغناطيسية وأجهزة تحديد المواقع... كل ذلك يمكن أن يُستغل في مجالات أخرى كمجال المرور والسلامة على الطرق. وسنعرض في مقالنا هذا بعض الوسائل التكنولوجية التي يعتبر الخبراء أنه يمكن استعمالها لتخفيف وتقليل حوادث الطرق.

 

الأشعة تحت الحمراء

يمكن أن تُستغل تقنية الأشعة تحت الحمراء، والتي تستعمل حالياً في المحلات التجارية لأغراض المحاسبة (الكاشير) وكذلك في بعض أجهزة الهواتف النقالة (الجوال)، لتمرير واستقبال المعلومات في رصد الأهداف المتحركة، وذلك بإعطاء معلومة للسائق عن بُعد السيارة الأخرى من خلال شاشة صغيرة مثبتة في كابينة القيادة، حيث يقوم الجهاز المولد للأشعة تحت الحمراء بإرسال شعاع ضوئي للهدف المراد تحديد بُعده، ومن ثم ينعكس مرة أخرى ليتم التقاطه بواسطة عدسة ذلك الجهاز المثبت أساساً في المركبة المراد حمايتها من الاصطدام. ومن الضروري أن تكون العدسة مثبتة في موقع خال من العوائق الهيكلية للسيارة لكي يمتص كامل الشعاع المرتد، مما يزيد من فاعلية نظام الحماية. ويقوم هذا النظام بتحليل الشعاع المنعكس ليتم في ضوء ذلك معرفة المسافة الموجودة بين السيارة والهدف المطلوب تلافيه. ويقوم الجهاز بإطلاق انذار تحذيري للسائق عندما تصل المسافة المتبقية بين السيارتين إلى تلك المبرمجة في الجهاز والتي بموجبها يتم اطلاق الانذار. وتبرمج هذه المسافة حسب المواصفات المرغوب فيها للنظام، إذ بالإمكان أن تتراوح بين 300 و800 متر.
ويمكن استعمال أكثـر مـن عدسـة في حالة الرغبة في تغطيـة نطـاق أكبـر لرصـد الأهداف، وكذلك عنـد وجود أكثر من هدف، حيث يتم اختيار عدسات ذات قوة امتصاص أكبر للضوء، إلا أن ذلك سيكون أكثر تكلفة للجهاز المراد تصميمه.
ومن المزايا الملحوظة لهذا النظام عدم تأثر الأشعة تحت الحمراء بالأصوات المجاورة لكلا السيارتين وكذلك الرياح، مما يساعد في استخدام هذا النظام داخل المدن، حيث تكثر الضوضاء والازدحام المروري.
أما المشاكل التي قد تبرز عند استخدام هذه التقنية فتتمثل بضعف مقاومة الأشعة تحت الحمراء للأجزاء الدقيقة المتطايرة والتي تكون عالقة في الجو، مما يؤدي إلى تكسير الضوء، وبالتالي فإن الجهاز يقوم بحساب المسافة بناء على معلومات غير كاملة، مما قد يؤدي إلى إعطاء معلومات تحذيرية خاطئة أو غير دقيقة.

 

الليزر

تعتمد هذه التقنية على رصد والتقاط زمن الإرسال الضوئي بواسطة شعاع ضوئي دقيق ومركّز يُعرف باسم الليزر، ويمكن إطلاق التحذير أو الانذار للسائق عن طريق نسخ هذا الشعاع الضوئي الدقيق وتحليله بواسطة عدسات الليزر الموجودة على السيارة المراد حمايتها، ومن ثم فلترة هذا الضوء وتمريره من خلال مرايا عاكسة، ليتم بعد ذلك تحليل البيانات واطلاق التحذير اللازم. وتعتمد قوة ومدى رصد الهدف على فعالية جهاز الليزر المركّب على السيارة، فالأجهزة ذات التركيز الضوئي المكثف تكون أكثر دقة في اعطاء المعلومات التحذيرية للسائق، مما يُساهم في تجنّب حوادث الاصطدام.
ومن مزايا هذه الوسيلة أنها قد تؤدي إلى نتائج أفضل وتستطيع رصد هدف ضمن مدى طويل قبل وقوع الحادث، خصوصاً إذا كانت الظروف المناخية طبيعية، وتعطي جهاز الليرز القدرة على سرعة تحليل الضوء المرتد من الهدف المرصود.
أما عيوب هذه الوسيلة فتتمثل في حساسيتها الملحوظة للأتربة والأجزاء الدقيقة المتطايرة عبر الأثير حول كل من المركبتين، مما قد يتسبّب في كسر الشعاع الضوئي وبالتالي عدم تحليله بصورة صحيحة.

 

الموجات الصوتية

تتلخص هذه الوسيلة في ارسال ذبذبة (إشارة) من الجهاز المولد للموجات الصوتية والمثبت في المركبة المراد حمايتها من الاصطدام، وترتد هذه الذبذبة بعد تلامسها مع الهدف المتحرّك أو الثابت، ويقوم الجهاز بتحليل تلك الذبذبة ومن ثم تحديد المسافة بين الجسمين. وفي ضوء ذلك، يتم اطلاق تنبيه تحذيري للسائق لإشعاره باقتراب الهدف، ويتم التحكم في مدى الانذار (أي المسافة التي يجب اطلاق التنبيه عند تجاوزها) بواسطة المقوي (Transducer) والذي يتم اختياره بناء على المواصفات التي تتم برمجتها في الجهاز، حيث يمكن تصميم أجهزة ذات قوة إرسال عالية للحصول على قوة رصد أعلى، إذ تصل نسبة الدقة في تحديد المسافة المتبقية قبل حدوث الاصطدام إلى 85% أو أكثر.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الوسيلة تتأثر بوجود مصادر الصوت الأخرى، خصوصاً الأصوات المحيطة بالمركبة المراد حمايتها، كصوت الرياح والأتربة والأحجار المتطايرة أثناء سيرها، مما يكون له اثر سلبي على الذبذبة الصوتية التي تصدر عن الهدف المنشود. ومن عيوب هذه الوسيلة أيضاً عدم ملاءمتها للاستعمال داخل المدن بسبب ارتفاع الضوضاء فيها، مما يؤثر على الذبذبة المرتدة وبالتالي عدم دقة احتساب المسافة المتبقية.

 

الموجات الكهرومغناطيسية (الرادار)

تستخدم هذه التقنية نظام إرسال الطاقة الكهرومغناطيسية، والتي تتسرّب خارج الجهاز المثبت على السيارة عن طريق الهوائي (الأنتين)، وتنبعث هذه الطاقة على شكل موجات تصطدم بالهدف الثابت أو المتحرك، ومن ثم يتم تحليل الموجات المرتدة من المركبة أو الهدف المنطلق تجاه السيارة المراد حمايتها بواسطة هذا النظام، ليتم من خلال ذلك تحديد المسافة المتبقية قبل حدوث الاحتكاك أو الاصطدام، وبالتالي يقوم النظام بإطـلاق إشارة كهربائية لتشغـيل جرس الانذار أو التحذير الموجود في السيارة.
من مزايا هذه الطريقة عدم التأثر بالأتربة أو الغبار المتطاير وكذلك الأجزاء الدقيقة، أما أبرز عيوب هذه الطريقة فهو أنها تتطلب تقنية الكترونية متقدمة لتحليل الموجة الكهرومغناطيسية المرتدة من الهدف، وذلك لوجود دوائر الكترونية معقّدة جداً في النظام. وتجـدر الإشارة هنا إلى أن الهدف يجب أن يكون ضمن مدى الرادار وأن تكون الموجة المرتدة واضحة جداً وقابلة للرصد.