طفولة

كيف يتفاعل الرضيع مع العالم المحيط به؟
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

هل يستطيع الطفل الحديث الولادة أن يتفاعل مع العالم المحيط به، وأن يستعمل كل حواسه؟ وهل صحيح أنه يلاحظ كل ما يدور حوله؟
 

يسمع ويرى ويشمّ
لا يحتاج الطفل إلى أكثر من بضع ثوان بعد ولادته ليصبح قادرًا على ملاحظة كل ما يجري حوله. فهذا الكائن الصغير يسمع، ويرى ويشمّ الروائح التي تحيط به. والمدهش أنه قادر على تسجيل أفضليات. فهو مثلًا ينتبه بشكل ملفت إلى صوت أمه أكثر من أي صوت آخر، ويهتم بالوجوه أكثر من الصور الثابتة. وسوف تندهشين عندما تشعرين يومًا بعد يوم بأنه يتطور فعلًا ليصبح أكثر حيوية وإثباتًا لوجوده. لكن عليك ألّا تنسي أبدًا أن تطوّره وتفاعله يتأثران كثيرًا بسلوكك حياله. ولكي ينمو طفلك، إصغي إليه واتبعي حدسك في التفاعل معه. فللتواصل بين الأم والطفل الدور الأساسي في نمو الصغير وتطوّر تفاعله مع المحيط.
وفي ما يلي كيفية تعاطي طفلك الرضيع مع حواسه الخمس:


• البصر:
يستطيع الطفل رؤية كل الأشياء، طالما أنها ليست قريبة منه كثيرًا بحيث يحتاج إلى عشرين أو حتى ثلاثين سنتمترًا ليميّزها بوضوح. ذلك أن تكيّف العين ضعيف عنده إلى حدّ ما، ولا بد أنك لاحظت عدم حبّه الأضواء القوية، لكنه يستخدم حاسة البصر ببراعة في ظل أضواء خافتة، وتستوقفه الأشياء والوجوه التي تحيط به وبخاصة الوجوه المتحركة التي وبعد أسابيع قليلة من ولادته، تصبح ملاذًا له، فهو يتمتّع بالنظر إليها لوقت طويل. وإذا لاحظ مثلًا أن أمّه تتكلم، ركّز نظره على عينيها لا على فمها. كما ولو أنه يريد بذلك تشجيعها على المضيّ بحديثها الذي يجعل عينيها تتحركان وتحرّكان أعضاء وجهها. إنه يحب النظر إلى هذا المنظر الجميل.

 

• الشّم:
يستطيع الطفل ابتداء من اليوم الخامس لولادته، التعرف إلى رائحة أمه، سواء كان متكئًا على عنقها أو جاثمًا في حضنها. وهو يتعلم بسرعة كبيرة التمييز بين مختلف الروائح حتى ولو كان الفارق بينها ضئيلًا. كذلك باستطاعته التعرف إلى العطر الذي تضعه أمه عادة. وكم من أم تلجأ إلى تهدئة طفلها عن طريق وضع قطعة من ملابسها بجانبه. فهو ما أن يشم رائحة عطرها حتى يهدأ، متعرّفًا بذلك إلى رائحة طالما شمّها وأحبّها. ومن الأسباب الرئيسة التي تجعل الطفل عاجزًا عن النوم بسرعة تغيير الأغطية التي تعوّد عليها، وتحديدًا تغيير رائحة هذه الأغطية، لذلك عليك الاهتمام بهذه الناحية في حال أصبح قليل النوم متقلبًا.

 

• اللمس:
ما من طفل إلا ويحب «الهدهدة» الناعمة، لذلك نجده متلهفًا إلى حضن أمه، متعلمًا بنفسه كل الحركات المناسبة التي تسهّل عليه الاسترخاء، مستمتعًا بملامستها. وهو أيضًا يحبّ أوقات الاغتسال واللعب بالماء. وقد تلاحظين خلال الأشهر الأولى أنه يحاول ملامسة الأشياء حتى لو لم يستطع أن يصل إليها، لكن اعلمي جيدًا أن ملامسة الأشياء ضرورة ماسة لنموّه الحسي والحركي. ومن الضروري مثلًا أن يلامس الأرض التي يمشي عليها حافيًا، فالتعلّم بالنسبة إليه يبدأ عن طريق اللمس.

 

السمع:
باستطاعة الطفل سماع كل شيء حتى قبل أن يولد. فهو بالإضافة إلى سماع دقات قلبك، يسمع أيضًا الأصوات الخارجية، لذلك يستحسن سماع صوت أمه أكثر من أي صوت آخر. فما أن يسمع صوتها حتى يهدأ ويكف عن الصراخ. وبعد ثلاثة أسابيع، يصبح بمقدوره تمييز صوتها من دون أن يراها، كما يستطيع التعرّف إلى صوت والده إذا كان يسمعه بشكل دائم خلال الحمل.
هل تعلمين أن طفلك مولع بالموسيقى؟ أجرى بعض الاختصاصيين تجربة أثبتت أن باستطاعة الطفل التعرف إلى قطعة موسيقى كان قد سمعها كثيرًا خلال فترة الحمل، وتبيّن لهم أن الطريقة الفضلى لتهدئة الطفل تقضي بإسماعه هذه القطعة التي تعوّد الاستماع إليها من قبل. فهو ما أن يسمعها حتى يكفّ عن الصراخ، ويفتح عينيه ويديه مصغيًا بهدوء. ونستطيع القول إنه ابتداءً من الشهر الثاني، يكون الطفل قد وصل إلى مرحلة يسمع فيها كالكبار تمامًا، لا بل يميّز الأصوات والكلمات، مما يمهّد أمامه الطريق لاكتساب اللغة الأم بسهولة فائقة مع كل تعقيداتها وصعوبتها.

 

• الذوق:
قد تندهشين عندما تعلمين أن طفلك ذوّاق للمأكولات، فخلايا التذوّق تنتشر في كل فمه في حين أنّها محصورة عند الإنسان الناضج باللسان. ويستطيع الطفل أن يميّز في أيامه الأولى الحلو من المرّ أو المالح، وإذا كان الأطباء ينصحون الأم التي ترضع طفلها بعدم أكل الملفوف والبصل والهليون، فلأنّ هذه الأطعمة تترك طعمًا في الحليب قد لا يحبّه الطفل.
أما إذا كان يتناول الحليب الاصطناعي، فإنه سيعبّر عن أفضلياته لاحقًا عندما تتنوع الأطعمة التي يتناولها.