العوافي يا وطن

كيف يستطيع جيشنا أن يمضي قدمًا؟
إعداد: د. إلهام نصر تابت

من بعلبك إلى البترون، ومن الهرمل إلى عين إبل وسواها من البلدات جنوبًا وشمالًا وبقاعًا... يستمر الجيش في زرع جذوة الأمل والصمود، متجاوزًا القيود التي يفرضها زمن الضيق والشح والبؤس واليأس، وعاملًا على ثلاثة محاور أساسية:

الأول هو متابعة أداء مهماته جميعها وعلى امتداد رقعة الوطن، بالزخم عينه والكفاءة نفسها، وكأنّ رجاله لم تمسّهم الأزمة المتفاقمة في البلاد. فها هم يؤدون واجبهم من دون أي تقصير أو تلكؤ. هل سمعتم يومًا أنّ قوة من الجيش لم تستجب لنداء هذا الواجب سواء أكان ملاحقة إرهابيين أو مفتعلي فتن أو تجار مخدرات أو سوى ذلك، لأنّ عسكرييه يشكون من القلّة ومن تزايد الهموم؟ أو لأنّ آلياته باتت متعبة ولا أموال لإصلاحها، ولا محروقات في خزاناتها؟ بالطبع لا، وبالطبع هذا لن يحصل مهما ازدادت الأمور سوءًا. وسيظل الجيش مصرًا على إيجاد الطرق التي تضمن قيامه بمهماته، فالعسكريون من رأس الهرم إلى قاعدته يدركون حجم المسؤولية الوطنية التي يتحملونها في هذه الظروف الصعبة، ويدركون أنّ مؤسستهم هي جدار الأمان الوحيد الذي يتكئ إليه الوطن المتعب، ولذلك على الجدار أن يظل متماسكًا صلبًا ليبقى لنا أمل بقيامة الوطن.

المحور الثاني هو الاستمرار في تطوير المؤسسة، من جهة لتعزيز قدرتها على القيام بمهماتها وتحمّل العبء الثقيل الملقى على كاهلها، ومن جهة أخرى لتعزيز تقديماتها للعسكريين الذين هم في أمسّ الحاجة إليها ليحافظوا على ثباتهم، ويستمروا في أداء واجبهم بكل أمانة واندفاع. في هذا السياق تتوالى الأخبار المفرحة الآتية من الثكنات ومرافق الخدمات العسكرية. نتطلّع صوب بعلبك فتطالعنا أخبار ورشة في معهد الرتباء تشمل المباني ومناهج التدريب والوسائل المتبعة فيه، بهدف مجاراة التطور في الجيوش الحديثة. وعلى مسافة غير بعيدة من هناك نطالع أخبار إنشاء مزيد من المراكز والمنشآت وكلها تخدم هدف تعزيز القدرات وتنفيذ المهمات بأعلى مستوى من الفاعلية. نحوّل وجهتنا صوب الجنوب، فيأتينا خبر المباشرة بإنشاء مركز صحي متطور في عين إبل، وغير بعيد من هناك ثمة مبنى نموذجي سيكون مقرًا لفوجٍ جديد. ونعود إلى بيروت لنستطلع أخبار الطبابة العسكرية التي باتت أفضل جهة ضامنة في لبنان، فنعرف أنّ العمل الدؤوب مستمر لتطوير الخدمات، ولا تمضي فترة من دون تسجيل أمر جديد على هذا الصعيد.

أما المحور الثالث فيتمثّل في مدّ يد العون للمواطنين وتقديم المساعدة لهم بما يخفف معاناتهم وهمومهم بسبب الظروف الصعبة وعدم قدرة الدولة على ممارسة دورها الرعائي الاجتماعي في ظل الأزمة الاقتصادية. هنا تؤدي مديرية التعاون العسكري - المدني دورها البالغ الأهمية، فمن شق الطرقات وإنارتها باستخدام الطاقة الشمسية، إلى تطوير مدارس رسمية، وتقديم مساعدات مختلفة لتلامذة هذه المدارس، فضلًا عن التفاعل مع الشباب من خلال العديد من المبادرات بهدف تعزيز انتمائهم إلى الوطن، في حين ينشر الفقر كفره بكل القيم على مساحات واسعة من هذا الوطن.

في هذا المحور لا يمكن أن تُنسى جهود فوج الأشغال المستقل الذي توسعت خدماته لتشمل إلى جانب قطع الجيش المجتمع بشكلٍ عام، وبخاصةٍ بعد أن طور قدراته في مجال حماية المباني الأثرية والتراثية، بالإضافة إلى جهود المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام الذي يتابع عمله الصعب لتطهير أراضينا من الألغام والمتفجرات. وبفضل هذا الجهد الذي أثمر حتى الآن تنظيف ٨٠ في المئة من الأراضي الملوّثة، عادت إلى الحقول مواسم الزيتون والقمح والخضار...

ما سبق ذكره لا يتعدى كونه عيّنة مصغّرة مما تشهده ثكناتنا ومراكزنا، وما تنجزه سواعد عسكريينا. لذلك يأتي إلينا الموفدون من الخارج فيعربون عن دهشتهم وتقديرهم، ويذهب عسكريونا ليشاركوا في تدريبات عالية المستوى مع أهم جيوش العالم، فيعودون متوّجين بالإعجاب والاحترام.

كيف يستطيع جيشنا تخطّي كل العقبات ليمضي قدمًا فيما البلاد بأسرها تعاني الركود والمؤسسات شبه مشلولة؟ إنّه فعل الإرادة التي تتجلى في سهر القيادة والعسكريين على الوفاء بقسَمهم وفي الجهود الجبارة التي تُبذل لتدارك أي نقص في الموارد، أما نتيجة الإدارة فباتت واضحة للجميع. صحيح أنّ الجيش يتلقّى مساعدات وهبات من لبنانيي الداخل والخارج ومن دول صديقة، لكنّ الثقة بأنّ كل ما يأتي يُصرف في موضعه ضمن معايير الشفافية المطلقة وترشيد الإنفاق، هو ما يجعل من لا يريدون لهذا البلد أن ينهار مندفعين لمساعدة جيشه.

 

.العوافي يا جيشنا

.العوافي يا وطن