ثقافة وفنون

لأرضنا السجود

راجي عشقوتي: الكلمة المرصودة للأرض الأولى

نصفي من أبي وأمي,
والباقي منها,
قريتي!
ولدت فيها وربيت...
وتبقى دقة العيد في قلبي
الشوق إليها يدٌ ونداء
أعرف أن الصخر لا يفتح
والليل لا يجيب
ولكن من الصخر حقولنا
والصباح من الليل...

 

بهذه الكلمات يباشر راجي عشقوتي صلاته وشدوه الجميل في “لأرضنا السجود”, الذي يهديه “الى فلاح فاجأه التهجير ولا يزال قلبه عالقاً بزيتونة تعيّط له, ويتلهف أن يعود إليها قبل أن تيبس”.
“لأرضنا السجود” وصلنا في طبعته الثالثة الصادرة حديثاً (2002) ومعه باقة من كتب عشقوتي في طبعة جديدة: “أضواء على الشعر الحديث” (طبعة خامسة), “الشعر بين جبران وقازان” (طبعة ثالثة), “من الأعماق” (طبعة ثانية), “كما يزهر الموج” (طبعة ثالثة) و”كتاب القرية” (طبعة رابعة).
راجي عشقوتي المزهرة سنواته بالعديد من المؤلفات أدباً وشعراً وبحثاً, يظل في إصداراته على غزارتها وتنوعها, إبن تلك القرية التي إليها نحن ونفيء. فقلمه أينما اتجه لا يبتعد عن القلب, وهو أولاً وآخراً مرصود لسماء القرية وطيورها, لحناياها ووعرها, لعطورها ورياحها, لبيوتها وناسها. فهو إبن ذلك المدى المفتوح على أسرار البهاء والسخاء والطيب..
في أدبه وشعره كما في البحث والنقد, تطلع كلمة راجي عشقوتي من الرحم الأساسي, الأرض الأولى. والأرض هنا لا تنفصل عن السماء والناس وكل ما يدور بينهم, ويشكل المدى الذي تدور فيه الحياة بأفراحها وحزنها, وبكل ما فيها.


في هذا المدى ينغمس الأديب والشاعر محافظاً على الشغف الأول. فهو يتطيب بسحر الصباح في القرية قبل أن يكتب عن الموج ورمل البحر. ويلوذ الى حبق وصعتر قبل أن يغازل حبيبته أو يكتب إليها حنينه من البرازيل. وهو يلتصق بسطح البيت وعتبته, بالتراب والمحدلة والعريشة, حين يناجي أمه. وإذ يظل على هذا الإلتصاق بالأرض الأولى حين يكتب عن جبران وقازان والشعر, فإن هذه الأرض تبدو مقيمة في شرايـينه كل لحظة.
ممتعة الرحلة في أدب راجي عشقوتي وفي أرضه, وجميلة النزهة بين كتبه وفي تأملاته. وأجمل ما فيها أنها مقطوفة من شغف ينسكب في الوجدان أليفاً نضراً.