في ثكناتنا

لأنّهم في البال دومًا...
إعداد: باسكال معوض بو مارون

نعلم أنّنا في بالك دومًا... لعل هذه العبارة للسيدة نينا مفلح زوجة الرائد الشهيد ميشال مفلح، خير تعبير عن مشاعر أهالي الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة حيال إنشاء المكتب الخاص بهم في الطبابة العسكرية، بإيعاز ومتابعة مباشرة من قائد الجيش العماد جوزاف عون.
في الواقع، إنشاء هذا المكتب كان في سياق ورشة شهدتها الطبابة العسكرية منذ فترةٍ انطلاقًا من تأكيد قيادة الجيش أهمية هذه القطعة، وضرورة توفير أفضل الخدمات للعسكريين وعائلاتهم كما لعائلات الشهداء، وحِرص الطبابة على الارتقاء بأدائها وتطويره لمواكبة المستجدات في عالم الخدمات الطبية، وهذا ما حتّم إنجاز عدة مشاريع.


أهم المشاريع الأخيرة كان «نفضة» فعلية في نظام جهاز التأليل المعمول به في الطبابة العسكرية وفق ما يخبرنا رئيسها العميد الركن جورج يوسف. يربط هذا النظام بين كل الطبابات العسكرية حتى آخر مستوصف على الأراضي اللبنانية، ليصبح العصب الأساسي لشبكة داخلية للقطاع الطبي في المؤسسة العسكرية.
كما تمّ تحديث قسم جراحة العظام، وأُعيد تأهيل المختبر وتحديثه وتجهيزه بأحدث الآلات المتطوّرة التي جعلته واحدًا من أهم المختبرات في لبنان. كذلك، زُوّد المستشفى العسكري سيارات إسعاف مجهّزة بأحدث المعدات الطبية المتطورة.

 

المركز
في ما خصّ مكتب عائلات الشهداء وذوي الاحتياجــات الخاصــة، يوضح رئيس الطبابة أنّه «بعد إقامة المكتب المخصّص للضباط المتقاعدين في الطبابة العسكرية منذ حوالى الثمانية أشهر، تقرّر إقامة مركز مماثل لعائلات الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة».
تكمن أهمية المركز في أنّه يسهّل للمستفيدين منه الحصول على الخدمات الطبية في المستشفى العسكري، فرغم وجود تعليمات من القيادة تقضي بأن تكون لهؤلاء الأولوية في الطبابة، كانوا يضطرون إلى انتظار دورهم في المكان نفسه مع سائر المستفيدين، استحداث هذا المركز الخاص بهم حلّ المشكلة.
ولفت العميد الركن يوسف إلى أنّه «تمّ اختيار موقع المكتب في الطابق الأرضي لمراعاة أوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة الذين استُحدثت لهم مواقف للسيارات لتسهيل تحركاتهم. يضم المكتب قاعة انتظار كبيرة فخمة، وعيادتين مجهّزتين، وحمامات لذوي الاحتياجات الخاصة. وبشكلٍ عام تمّ تنفيذ المشروع وفق أحدث المعايير والمواصفات.
في ما يتعلّق بالخدمات، تقضي الإجراءات المعتمدة بتوجّه المستفيد المريض إلى عيادة خاصة تضم طبيب صحة عامة وعناصر متخصّصة، حيث تتمّ المعاينة ومعالجة المشكلة. وإذا كانت الحالة تتطلّب عناية أكبر، تُجرى المعاملات، ويرافق المرضى عنصر مزوّد بطاقة خاصة يرشدهم إلى العيادة المناسبة».
المستفيدون من هذا المركز هم حاملو بطاقة «ذوي الاحتياجات الخاصة» الصادرة عن لجان الجيش، وكل أصحاب البطاقات العسكرية من ذوي الشهداء. وقد عُمّمت على أقسام الطبابة كافةً تعليمات بضرورة تسهيل أمورهم ومنحهم الأولوية في المعاينة والطبابة.

 

يدًا بيد
قدّم السيد جو رحّال صاحب جمعية غير حكومية Joe Rahal Foundation التي تُعنى بشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة هبات عينية للمكتب الجديد. فهو يعتبر أنّ عائلات الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة يشكّلون الفئة الأساس التي تمدّ الجيش بالقوة والصلابة بفضل تضحياتهم.
رحّال يرى في المقابل أنّ «لهذه الخطوة مفاعيل إيجابية كثيرة، وخصوصًا على صعيدَي التطوّر الإداري والنظرة نحو المستقبل، والعرفان بالجميل لمن بلغوا قمة العطاء، فضلًا عن تعزيز التلاحم بيننا وبين من سبقونا. فهناك تكامل لامتناهٍ بين المجتمع وبين الجيش كمؤسسة وطنية «منّا وفينا»، والبزة التي تحمينا هي شرفنا وكرامتنا».
وفي معرض تثمينه مبادرة قيادة الجيش حيال ذوي الاحتياجات الخاصة، يذكّر السيد رحّال بأنّه ولأول مرة في تاريخ الجيش يُعيَّن ضابط على كرسي متحرّك قائدًا للواء في الجيش. وهذا برأيه يدلّ على مدى إيمان قيادة الجيش بعزيمة وصلابة وإمكانات هؤلاء الأشخاص الذين لم تُثنِهم إعاقتهم عن مواصلة العمل العسكري لخدمة وطنهم.
لا أحد يستحق المساعدة أكثر من هذه المؤسسة التي لا تفرّق بين اللبنانيين في منطقة أو دين أو طائفة وفق رحّال الذي يضيف: «عندما نعطي المؤسسة العسكرية فإنّنا نعطي كل لبنان بالتساوي».
وختم بالقول إنّ «أصحاب الإرادة الصلبة» صفة تُعطى لكل الأفراد في الجيش، لأنّهم يدافعون عن الوطن بكل إرادةٍ صلبة كي نبقى متجذّرين في أرضه.
 

نعلم أنّنا «في بالك دائمًا»
بالنسبة إلى السيدة نينا مفلح، تخصيص مكتب لعائلات الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة مبادرة مهمة جدًا، وهي تلفت إلى أنّه «لطالما كانت المعاملة معنا كأهالي شهداء ممتازة أينما حللنا في المؤسسة العسكرية، لكنّ هذا المكتب هو قمة الخدمات المميزة طبيًا، والمكان فخم ومرتب».
وتضيف مفلح: «هذه المبادرة تمدّنا بمعنوياتٍ عالية، وتُشعرنا بأنّ المؤسسة لا تنسى عائلات الشهداء بل تفكر بنا في كل الأوقات. وتوجّهت إلى قائد الجيش بالقول: نحن نعلم أنّنا «في بالك دائمًا»، ونشكرك على هذه اللفتة الجميلة والمعبّرة، ولأنّك تقف إلى جانبنا دائمًا وتساعدنا بلهفةٍ كلما استدعت الحاجة. بفضلك أصبح ذوو الشهداء أولوية أينما حلّوا».

 

خطوة ممتازة
حسين والد العريف الشهيد محمد يوسف رحّب بالفكرة مشدّدًا على أهميتها وضرورتها نظرًا لكثافة أعداد طالبي الخدمات الاستشفائية في المستشفى العسكري، هذه الخطوة ممتازة وإيجابية كما كل قرارات قائد الجيش التي تصب أولًا ودائمًا في مصلحة ذوي الشهداء.
وأثنى يوسف على المعاملة الخاصة التي لمسها في أثناء زيارته للمستشفى العسكري، وقال: «شهادتي مجروحة، أشعر أنّ القائد يميّزنا عن باقي العسكريين ولطالما كان تعاطيه مع ذوي الشهداء راقيًا جدًا. وختم بتوجيه تحية إلى الجيش وعسكرييه».

 

معانٍ وأبعاد
كان بشاره الحصروتي في عداد فوج المغاوير حين بُترت ساقَاه إثر إصابته في العام 1990، لكنّه حتى اليوم ما زال يحمل اندفاع المغوار ونخوته. وهو يرى «أنّ هذه الالتفاتة من قائد الجيش نحو ذوي الاحتياجات الخاصة تحمل معاني وأبعادًا إنسانية كثيرة. ويضيف الحصروتي قائلًا: «يؤمّن لنا هذا المكتب الخدمات الطبية من دون الحاجة للانتظار والتنقّل من مكان إلى آخر، وهذا يهمّنا كثيرًا فزيارة الطبابة لم تكن سهلة علينا، والانتظار بالصف كان يستنزف قوانا الخائرة أصلًا.
أشكر القائد شخصيًا على مبادرته وتفكيره المتواصل بنا، وأتمنّى تعميم هذه التجربة على مختلف طبابات المناطق».


الكرسي مش كارثة
أسّس جو رحّال جمعية Joe Rahal Foundation منذ نحو 3 سنوات نتيجة تجربته الشخصية ومعاناته الخاصة في المجتمع وكفاحه للوصول إلى ما هو عليه اليوم. شعارها «الكرسي مش كارثة»، الجمعية تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، وقد كانت لها خطوات كبيرة في هذا المجال. ومن خلال تجربته يريد رحال أن يبرهن أنّ ذوي الاحتياجات الخاصة هم أفراد كاملون يحق لهم الانخراط في المجتمع والتمتّع بجميع الحقوق.